البكتيريا والجاتروفا.. ثورة إنتاج "البايو ديزل" لمحركات الطائرات في مصر

تنتهج مصر خطوة جديدة لمسايرة التقدم في عالم هندسة تكنولوجيا الطاقة، للاستفادة منها في إنتاج البايو ديزل أو الوقود الحيوي من خلال المفاعلات الحيوية، والتي يتم استخدامها لإنتاج زيوت محركات الطائرات عن طريق استخدام البكتيريا النافعة من خلال تفاعلات كيميائية طبيعية، وباستخدام نوع آخر من الشحوم الحيوانية أو الشحوم النباتية، وذلك لإنتاج الوقود الحيوي من نبات الجاتروفا والتي يتم زراعتها في الغابات الشجرية وتروى بمياه الصرف الصحي في مزارع الغابات الشجرية في محافظات قنا، الأقصر، الوادي الجديد، والسويس.
محاولات مصر في إنتاج الوقود الحيوي للطائرات
وفق مصادر علمية وبحثية فإن مصر تقوم بمحاولات عديدة في إنتاج الوقود الحيوي للطائرات منذ عام 2010، كما يعمل المركز القومي للبحوث منذ 4 سنوات في هذا المشروع، إذ توصلوا إلى إنتاج الوقود الحيوي للطائرات والأقل كثافة من إنتاج الوقود من البكتيريا، والذي تم إنتاجه عن طريق إعادة تدوير زيوت الطعام والطحالب والنخيل وقصب السكر وزيت الجاتروفا.
أبحاث عن الوقود الحيوي لمُحركات الطائرات
تحدث الدكتور أشرف شعلان، رئيس المركز القومي للبحوث، التابع لوزارة الزراعة، بشكل مقتضب قائلًا: "هناك أبحاث بالفعل يتم تنفيذها وعملها بخصوص إنتاج وقود الطائرات الحيوية".
ووفقًا لمصادر فإن المركز القومي للبحوث يقوم بعمل أبحاث لاستخدام مفاعلات الأغشية المحفزة في التفاعلات الغير متجانسة، لتطوير وإنتاج الوقود الحيوي عن طريق استخدام البكتيريا لإنتاج وقود أكثر كثافة وقيمة، من الوقود المستخلص من زيت نبات الجاتروفا والزيوت والشحوم الحيوانية.
وتُعرف التفاعلات الغير متجانسة بأنها تفاعلات طبيعية بين طورين مختلفين" سائل وصلب" لإنتاج طور ثالث ومن ضمنه خلايا الطاقة الحيوية.
تقول هند فؤاد المتخصصة في علم التكنولوجيا الحيوية النباتية، إن الوقود الحيوي المُستخلص من الميكروبات النافعة الغير مرضية تُعطي نتائج هائلة أقرب من الديزل المستخدم من النفط المستخرج من باطن الأرض، ويتم إنتاجه عن طريق عمليات كيميائية باستخدام المذيبات العضوية مثل "الهسكان".
وتُضيف أنه يتم تحويل الزيوت للمواصفات الطبيعية القريبة من الكيروسين المستخدم كوقود للطائرات من حيث درجة الاحتراق واللزوجة والتطاير ودرجة الوميض ودرجة التجمد، ويتوجب التوصل للوقود الحيوي غير قابل للتجمد حتى 50 درجة مئوية ليناسب محركات الطائرات، وهو التحدي الأكبر الذي تغلب عليه فريق البحث.
قصة نجاح تحليق أول طائرة للوقود الحيوي الممزوج بالنفط في مصر
في محاولات جادة تمكنت مصر من إنتاج زيت وقود الطائرات الحيوي، وبالفعل تم تسيير أول تجربة لتحليق طائرة باستخدام الوقود الحيوي عام 2015 ، من خلال إدخال وقود حيوي ممزوج بالقليل من النفط المستخرج من الأرض مما يُقلل من الانبعاثات الصادرة والضارة بالبيئة، وذلك بمشاركة وزارة الطيران ومعهد بحوث البترول، وبالتعاون مع معهد الهندسة وتكنولوجيا الطيران والمركز القومي للبحوث ومصنع المُحركات بالهيئة العربية للتصنيع، وخلصت النتيجة إلى القدرة الفعلية على إنتاج 30 طن بيوديزل مصري تحت إشراف الهيئة الإنجليزية.
التركيب الكيميائي للوقود الحيوي
يقول المهندس الكيميائي منير شافعي، إن الوقود الحيوي عبارة عن خليط بين 2000 مادة كيميائية أهمها الهيدروكربونات "الأوليفينات، النافتنين، البارافينات" وتضاف إليه مواد الأكسدة ومخفضات ثابتة ومُثبطات جليد منعًا لتجمد الوقود في محرك الطائرة في فصل الشتاء ووفقًا لمُتطلبات تغير المناخ، وتتم المعالجة بإضافة الأحماض والمعادن والكبريت، وتختلف محركات الطائرة والتوربينات من واحدة لأخرى، وتجري طريقة التعبئة في الطائرة عن طريق استخدام طائرات أكبر ونقل الوقود في أنابيب أسطوانية يستخدم فيها خرطوم يتحمل الضغط العالي منعًا من التسريب.
قصة البايو ديزل والبكتريا النافعة
يقول الدكتور محمد خليفة، المتخصص في الوقود الحيوي، إن إنتاج الوقود الحيوي للطائرات يأتي عن طريق عمل مفاعلات حيوية وهي أقل تكلفة من المفاعلات النووية وأضرارها تكاد تكون الأقل في البيئة، كما أن التكلفة النهائية للمشروع تكون عبارة عن تكلفة الإنتاج والعاملين بالمفاعل والكهرباء المستخدمة في المشروع لإنتاج الوقود الحيوي للطائرات.
وفقًا لبحث شركة شيفرون عن الطرق الفنية للوقود الحيوي، فإن إنتاج الوقود الحيوي للطائرات عن طريق استخدام بكتيريا معينة لإنتاج الوقود، كما أن استخدام البكتيريا النافعة يجعل مستوى الوقود أفضل لكثافته العالية عند مراحل إنتاجه الأخير، وهو أفضل من استخلاص زيوت البايو ديزل من نباتات الجاتروفا، ويمكن استخلاص البايو ديزل لتشغيل المُحرك الميكانيكي ويمكن أن يحل مكان البترول للعمل في محركات السيارات والشاحنات والطائرات.
ويُصنع البايو ديزل عن طريق تفاعل كيميائي ويتم خلطه بالمادة الخام الطبيعية المستخرجة من الشحم الحيواني أو الزيوت النباتية، وهو قابل للتحلل وغير سام وأقل تلوثًا للبيئة.
الجاتروفا.. البترول الأخضر لإنتاج البايو ديزل
نجحت مصر في زراعة 100 فدان في محافظة الأقصر ووصلت نسبة استخلاص الزيوت إلى 23% وتم تحويلها إلى زيوت تصلح للاستخدام في المُحركات. وفي عام 2010 تم توقيع اتفاقية تعاون مع محافظة الأقصر ووزارة البيئة لإقامة مصنع لإنتاج الوقود الحيوي الصديق للبيئة عن طريق التوسع في الغابات الشجرية وزراعة نبات الجاتروفا كيركاس، ويأتي ذلك بالتعاون مع جهات بحثية وعلمية في دولة ألمانيا بالإضافة إلى إنشاء مصنع لإنتاج الديزل المتقدم والمستخدم كوقود لمحركات الطائرات.
الوقود الحيوي من قصب السكر
وتستعد مصر لإنتاج وقود الطائرات من قصب السكر ويتم اختيار موقع في محافظة كفر الشيخ لإنتاج مصنع الوقود الحيوي للطائرات، ويبلغ رأس مال المشروع 1.3 مليار جنيه ويوفر ما يُقارب من 500 إلى 700 فرصة عمل، وفق تصريحات حسن كامل رئيس مجلس إدارة شركة السكر والصناعات التكميلية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية.
ويستهدف المصنع تشغيل ثلاثة خطوط رئيسية لإنتاج الوقود الحيوي للطائرات، ويُشارك 5 شركات تابعة للقابضة في رأس مالها وهي وفقا للقانون رقم 8 لسنة 1997 وهى: الدلتا للسكر، والدقهلية للسكر، النوبارية للسكر، والفيوم للسكر، بالإضافة لمُشاركة الشركة القابضة للبترول والكيماويات.
الإيثانول والديزل الحيوي والغاز الحيوي من أنواع الوقود المُتجدد
ووفقًا لبحث الدكتور فيصل عبد الله الزنوكي ومراجعة الدكتور هشام محمد مدير إدارة الاقتصاد الكلي والسياسة المالية والدكتور خالد بسام مستشار صندوق النقد الدولي، فإن من أنواع الوقود الحيوي هو الغاز الحيوي، والإيثانول، والديزل الحيوي، وتسعى بعض الدول النامية لإنتاج الوقود الحيوي وتدعيم تنمية إنتاج الوقود الحيوي والموُقعة ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهناك بعض الدول مهتمة بإنتاج الوقود الحيوي ودراسة تكاليف انتاجه وتقديم الإعانات لإنتاج الوقود الحيوي.
ويتم تصنيف الوقود الحيوي على عدة أنواع من النفايات مثل النفايات الخشبية والعشبية والحيوانية وبقايا القش وقشر الأرز والخشب والسماد العضوي، والتي يمكن تحويلها إلى غاز حيوي، وسيزيد الطلب على الوقود الحيوي في الفترة القادمة مع نضوب النفط الغير مُتجدد.
البايو ديزل والمناخ
ويتفق مشروع البايو ديزل في مصر مع الاتفاقيات الدولية للحفاظ على المناخ والتقليل من الانبعاثات الضارة في الجو وثاني أكسيد الكربون والتي تُسببها، حيث تنص الاتفاقيات على خفض المكون البترولي بنسبة 3 إلى 5 في المئة لصالح الوقود الحيوي بحلول عام 2020.