أخصائي المناخ والبيئة
بدأت مخاطر التغير المناخي تكتسب الاهتمام العالمي مؤخرا، على الرغم من أن المسألة لا تزال محاطة بالعديد من الإشكاليات والاستفهامات حول ما إذا كان السبب هو النشاط البشري أو التباين الطبيعي، فمنذ عام 1850، لوحظ اتجاه واضح ومتسارع للاحترار العالمي، واستمر الأمر أكثر في القرن العشرين الذي مثلت فيه العقود الثلاثة الماضية على التوالي أكثر الفترات دفئا على سطح الأرض، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بحوالي 0.6 درجة مئوية، ومن المتوقع أن يزداد الاحترار في السنوات المقبلة.
غير أن اللافت للانتباه، بعد استقراء خرائط توزيع درجات الحرارة في العالم، يتضح مدى التباين الظاهر في توزيع متوسطات درجات الحرارة، مما يضع هذه الزيادة ضمن حدود جغرافية متباينة، ويجعل هذه القيمة الكمية في درجة الحرارة غير مطلقة. فكم من مجالات مختلفة من العالم قد تحسنت أو تبردت عند مقارنتها بفترة أساس من (1951-1980 (والتي قدر متوسط درجة حرارة الهواء السطحي فيها ب 14 درجة مئوية، (1) وكم من مجالات بدأت تعرف تساقطات ثلجية لم تشهدها من قبل ولم تدخل ضمن خصائصها المناخية المعتادة.
فعلى الرغم من التمحيص المدقق لميزان الحرارة في جميع أنحاء العالم، وتتبع مسار الزيادة المضطردة حول تركز الغازات الدفيئة بنسب عالية داخل الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية، لم يتم التأكد بشكل واضح أن هذا التغير يرتبط بكل أشكال التأثيرات البشرية الإنتاجية منها والاستهلاكية، وإن كان ضمن أحد أكبر المؤثرات في تزايد التذبذبات المناخية.
درجات الحرارة العالمية
شهدت الكرة الأرضية في سنة 2017 ثالث أحر الشهور منذ بداية حفظ القياسات من طرف المراكز الوطنية للتنبؤ البيئي (NCEP)، والمركز الأمريكي لبحوث الغلاف الجوي (NCAR). فبزيادة 0,38+ درجة مئوية في متوسط الفترة الممتدة بين1981-2010 احتل شهر حزيران / يونيو 2017 المرتبة الثالثة في أعلى شهور يونيو سخونة منذ عام 1948 تقريبا على قدم المساواة مع سنة 2013، ولكن بعيدا عن الرقم القياسي لسنة 2016 (0.51 + ° C) الذي كان فيه شهر حزيران / يونيو أحر الشهور في أرشيف NCEP-NCAR الذي وافق ظاهرة "النينيو" مقارنة ببداية عام 2017 الذي تميز بوضعية محايدة في المحيط الهادئ.
فحسب وكالة "ناسا"، فبداية عام 2017 اعتبر ثاني أشد الأعوام حرارة منذ بدء حفظ السجلات في عام 1880، حيث سجل ارتفاع درجة الحرارة بمقدار +1,04°C كمعدل تجاوز متوسط جميع شهور عام 2016، وهذا الشذوذ الحراري تسلق بمقدار 0,02°C في شهر مارس مقارنة بشهر فبراير. (2)
ويرتبط ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بتغيرات واسعة النطاق في أنماط الطقس؛ قياسا بتغيرات الدورة الهوائية داخل الغلاف الجوي في المناطق المدارية وشبه المدارية، و اختلاف الاحترار والتبريد في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، إذ تشير الدراسات المناخية إلى أن الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحرارة والعواصف الكبيرة، من المرجح أن تصبح أكثر تواترا و أكثر كثافة مع تغير المناخ ، خاصة أن مجمل المقاربات الأخيرة قد بينت أن كمية الحرارة المخزنة في المحيطات قد ازدادت زيادة كبيرة منذ الخمسينيات، وهذا ما أثر على مستوى التيارات المحيطية، واختلاف توزيع الضغوط وموازين الحرارة بين اليابس والماء.
الشكل 1: متوسط درجة حرارة سطح البحر في العالم، 1880-2015

Noaa) ، 2016(
الشكل 2: التغير في درجة حرارة سطح البحر، 1901-2015

) الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي Noaa ، 2016)
لذلك شهدت المنطقة القطبية الشمالية أحر سنواتها على الإطلاق، بما يتوافق مع انخفاض الجليد البحري المسجل في تلك المنطقة لمعظم السنة. هذا الأمر يفسر ارتفاع حرارة الغلاف الجوي، وذوبان الجليد في المرتفعات الجبلية وفي القطبين وما ترتب عنه من زيادة في معدل مياه المحيطات، (ارتفاع بـ50 – 140 سنتمترا) (3) وتواتر الأحداث المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف والحرائق.
مناطق أكثر تأثراً بالتغيرات المناخية
عموما، فكثيرا ما تؤثر ديناميات الدورة الهوائية الكبرى، واختلاف حرارة المحيطات على مناخات المجالات الإقليمية، وطقوس الأوساط البيئية المحلية، حسب ما تحدده درجات الحرارة والرطوبة وكمية التساقطات واتجاهات الرياح البارز تأثيرهما على شبكة المياه السطحية، ومنسوب المياه الجوفية، وكثافة الغطاء النباتي ومردودية الإنتاج الفلاحي.
فعلى مدى فترات طويلة من الزمن، ومناخ المغرب يتأرجح بين فترات فصلية مطيرة باردة وأخرى حارة وجافة تتخللها سنوات جفاف متعاقبة زمانيًا ومجاليا.
وضمن هذه الرقعة الجغرافية توضح الدراسات المناخية وملاحظات الخرائط الجيومناخية، أن المجالات الوسطى، والمجالات الشرقية من المغرب، كانت أكثر المناطق جفافا واحترارا في السنوات الأخيرة، وإن كانت الميزة الأساسية لهذا الوسط الجغرافي هو التردد المتعاقب لسنوات الجفاف من حين إلى آخر، والذي تركز في الثمانينات والتسعينات وبداية العقد الثاني من الألفية الجديدة حيث شهدت أكثر حالات الجفاف شدةً (4).
الشكل 3: تطور مؤشر الجفاف في المغرب بين 2015-2017
مؤشر الجفاف في المغرب 18 مارس 2017

من موقع noaa
|
مؤشر الجفاف في المغرب 17 مارس 2016

|
مؤشر الجفاف في المغرب 18 مارس 2015

|
واليوم، فالعديد من ظروف درجة الحرارة المتطرفة أصبحت أكثر شيوعا، وارتفعت حرارة أيام الصيف إلى درجات غير معتادة؛ خاصة في الثلاث سنوات الأخيرة، على الرغم من أن هذه الرقعة قد شهدت توالي فصل شتاء بدرجات حرارة منخفضة على نحو غير عادي، ولا سيما في شهري ديسنبر و يناير.
الشكل 4: التغير في درجة حرارة الجهة الوسطى الشرقية من المغرب في عام 2016

(من موقع meteoblue)
ومن عام 2015 حتى عام 2017، ارتفعت درجة حرارة المنطقة بمتوسط 1.2 درجة مئوية في سابقة لم تشهد لها هذه الجهة مثيلا خاصة في عام 2016، حيث لوحظت حالات الشذوذ في درجات الحرارة بزيادة 1+، ويأتي هذا الشذوذ الحراري تزامنا مع ارتفاع درجة الحرارة العالمية بوجه عام، وحرارة المغرب بوجه خاص.
وعموما، فإن هذا المجال أصبح حساسا بشكل متزايد للتغيرات في درجات الحرارة، وأكثر عرضة للتصحر، حيث أن انخفاض بسيط في توافر المياه في هذه المنطقة، يمكن أن يؤثرَ سلبا على أنظمتها البيئية، ويهدد مواردها المائية.
المراجع
(1) Michael Carlowicz, (2012) : World of Change : Global Températures 1885-1894. 20 January, 2012
(2) Johan Lorck, )2017 ( : Température mondiale : pile entre 2016 et 2015 LE 14 juillet, 2017
(3) Nguyen, Pham Khoi, (2009): VIET NAM ASSESSMENT REPORT ON CLIMATE CHANGE (VARCC), the Institute of Strategy and Policy on Natural resources and environnent, Viet Nam, with technical and financial support from the United Nations Environnent Programme (UNEP).
(4) Seghir Aziz, (2016) : La sécheresse climatique et le risque de la désertification dans le secteur central de la Moulouya, Faculté des lettres et des sciences humaines Fes Saiss P.36