مستقبل الزراعة في فلسطين
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يتفق الجميع على ان الزراعة في فلسطين تعتبر جزءاً ومكوناً أساسيا من مكونات النسيج الوطني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني، وان الزراعة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للفلسطينيين حيث أنها تمثل عنواناً للصمود والتصدي والتشبث بالأرض المستهدفة والمهددة بالمصادرة والاستيطان، كما تشكل ملاذاً ومصدراً للدخل والغذاء في أوقات الأزمات ولا يجادل أحد على أهمية دور الزراعة في تدعيم الأمن الغذائي. ويتفق الجميع كذلك على أن هناك العديد من المعوقات، الاقتصادية والسياسية والسياساتية والقانونية والمالية والفنية، التي تواجه نمو وتطور القطاع الزراعي وفي مقدمتها الإجراءات التعسفية للاحتلال وتدمير القطاع الزراعي أثناء الحرب المدمرة على قطاع غزة، ومصادرة المياه والأراضي، ومنع المزارعين من الوصول لحقولهم بحرية، وإقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
هذه المقدمة المختصرة هي المدخل لتسليط الضوء على عامل جديد سيكون له أبلغ الأثر على تنمية وتدعيم قطاع الزراعة في فلسطين. وبتوقعي، فإن الاقتصاد الزراعي الفلسطيني سيتلقى ضربات موجعة وربما قاتلة إذا لم يتم دراسة هذا الموضوع بعمق ووضع الحلول المناسبة للتقليل من آثاره. لقد قامت إسرائيل في العام الماضي 2016 بعمل تعديلات على منظومة القطاع الزراعي في إسرائيل، اعتبرت من قبل بعض المختصين الأهم منذ خمسينيات القرن الماضي. وتهدف هذه الإصلاحات بشكل عام إلى حماية المنتجين الزراعيين الإسرائيليين والتقليل من ضغط ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية على المستهلك الإسرائيلي، وفيه سيتم استبدال منظومة كوتا الإنتاج وإلغاء التعرفة الجمركية على المحاصيل الزراعية المستوردة واستبدالها بنظام الدعم المباشر للمزارعين.
المحاور التي سيتم التطرق لها في هذا المقال وبشكل مختصر هي كالتالي: الأسباب التي دفعت إسرائيل للقيام بمثل هذه الإجراءات منذ منتصف العام المنصرم ومحاولة تسليط الضوء على هذه التغيرات ومدى تأثيرها على القطاع الزراعي الفلسطيني، وكيف يجب أن يستجيب المخطط الفلسطيني لاستيعاب هذه المتغيرات والعمل على تقليل الضرر الذي سيلحق المزارع الفلسطيني والاستفادة، إذا كان ذلك ممكناً، من هذه الإصلاحات.
بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرت بالفقرة الأولى فهناك أسباب داخلية وخارجية سارعت في عملية تطبيق هذه الإصلاحات من قبل الحكومة الإسرائيلية. الأسباب الداخلية تنقسم إلى اقتصادية، مثل زيادة أسعار مدخلات الإنتاج وانخفاض مستوى الربحية للمزارعين، وبيئية مثل محدودية الأراضي والمياه العذبة وتعقيدات المتطلبات البيئية، واجتماعية مثل عزوف الكثير من المزارعين عن الاستمرار والاستثمار في هذا القطاع. أما عن العوامل الخارجية فهي تتمثل في ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وتوصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومواكبة تغير منهجية الدعم المقدم من قبل الاتحاد الأوربي للقطاع الزراعي في الاتحاد والاستفادة من التناقضات والخلافات بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق باتفاقية الزراعة بمفاهيمها الأساسية الثلاثة: الدعم المحلي والوصول إلى الأسواق ودعم الصادرات، وآخرها هو التطلع إلى فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية الإسرائيلية.
بالرغم من تخصيص الحكومة الإسرائيلية ميزانية سنوية تجاوزت 300 مليون دولار لتنفيذ هذه الخطة، إلا أن هناك تحديات تواجه عملية الإصلاح هذه، مثل التشكيك في قدرة القطاع الزراعي الإسرائيلي على التكيف مع التغيرات (خاصة المزارع الأسرية) ومطالبة المزارعين بزيادة الدعم المالي وتوقع حدوث تشوهات اقتصادية نتيجة هذه التغيرات وتشوه ميزان الصادرات والواردات بسبب إلغاء التعرفة التي كانت تحدد نوع النمط الزراعي في إسرائيل وتأثير هذه التوجهات على الدول والمناطق المحيطة، وكيفية رفع مستوى الجاهزية للسيطرة على الاختلالات السوقية وعلى تقلبات الأسعار، وكيفية تطوير أدوات العمل المقررة وتقييم فاعليتها بشكل مستمر.
أما عن تأثير هذه الإصلاحات على قطاع الزراعة فهذا سؤال يجب أن تتم الإجابة عليه من قبل وزارة الزراعة خاصة فيما يتعلق بتأثيره على المزارعين الصغار و/ أو الكبار وعلى الأنماط الزراعية السائدة الآن والمستقبلية، وكيف سيؤثر ذلك على الميزان التجاري الزراعي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبدون أي شك، فإن بروتوكول باريس (1994) والذي حدد المبادئ الأساسية للتجارة الحرة بين الطرفين شكّل عقبة كبيرة للجهد الفلسطيني الذي سيبذل من أجل تجاوز تأثير عملية الإصلاح. وللعلم فقط فإن مبادئ هذا البرتوكول واتفاقية الاتحاد الجمركي بين الطرفين ترتكز على حرية تبادل السلع بين الطرفين وإلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية وان يتبنى كلا الطرفين رسوم جمركية موحدة, مع الإذن بالسماح للسلطة الوطنية الفلسطينية بتحديد الرسوم الجمركية فيما يخص قائمة محددة بالسلع الاستراتيجية (ِA1[1]+ A2[2]+ B[3])، ومشاركة العائدات من التخليص الجمركي بين الطرفين، وستكون الجمارك الإسرائيلية مسؤولة عن التخليص الجمركي للبضائع الفلسطينية المستوردة بالنيابة عن سلطة الجمارك الفلسطينية ( بناءً على الغلاف الجمركي) من ثم تقوم الجمارك الإسرائيلية بتحويل عائدات الضرائب للسلطة الوطنية الفلسطينية.
هناك العديد من القضايا والأسئلة التي يجب سبر أغوارها خاصة وان هناك استراتيجية أقرت حديثاً لقطاع الزراعة للأعوام 2017 – 2022 وهنا يجب طرح تساؤل مهم: هل تم التطرق لهذا الموضوع وتم أخذه بالاعتبار في الاستراتيجية الجديدة ؟ مع العلم بأن هذا الموضوع قد تم إثارته في إحدى ورشات العمل المخصصة لمناقشة الاستراتيجية المذكورة.
على الفاعلين والنشطاء الحكوميين وغير الحكوميين في قطاع الزراعة أن يقرعوا ناقوس الخطر، وان يقوموا بالعمل كشركاء في الضغط على الحكومة الفلسطينية لزيادة الدعم المقدم لقطاع الزراعة وفي إعادة توجيه دفة المساعدات الخارجية والعمل على تحديد ملامح الخصوصية الزراعية الفلسطينية، من خلال الخروج من عباءة الاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة قدرة المنظومة الاقتصادية الزراعية على التأقلم مع هذه التغيرات وتشخيص المخاطر المتوقعة من هذه الإصلاحات، ووضع الحلول المناسبة لتقليل المخاطر المتوقعة، ورسم خارطة طريق جديدة للقطاع الزراعي في فلسطين. فان كان هذا الموضوع قد تم نقاشه ولكن لم يتم الأخذ بأي توصيات لمواجهته والتصدي له فهي مصيبة، ولكن إذا كان صانع القرار الفلسطيني لا يعرف بهذا الموضوع فهي مصيبة أكبر.
[1] A1 السلع المستوردة والمنتجة محلياً في الأردن أو مصر أو الدول العربية الأخرى.
[2] A2 السلع المستوردة يمكن استيرادها من الدول العربية و الإسلامية أو غيرها من الدول.
[3] B لن تخضع السلع المستوردة لقيود على الكميات ولكن ستخضع للمقاييس الإسرائيلية.