خاص بآفاق البيئة والتنمية

براء عصيدة ينزع القشور الشوكية عن ثمار الصبر
تهاوت سكين براء عصيدة (16 عامًا) على ثمار الصبر لنزع شوكها وقشرها، ثم أسرع بالحبات إلى وعاء أبيض لتغليفها، قبل أن ينادي على عابري شارع المنتزه بنابلس لشرائها.
وبدا عصيدة فرحًا في السنة الثالثة من عمله في قطف الصبر وبيعه، فهو يأتي من بلده تل قبل الشمس، ويمضي نهاره كله في المدينة، ودربها المغطى بأشجار باسقة، تلطف من حر آب غير المعهود.
تخصص
وقال عصيدة إن العمل في الصبر والتين ليس سهلاً، فهو يحتاج للاستيقاظ المبكر، ومقاومة الشوك الذي يتسلل إلى الجسم، لكنه يوفر فرصة عمل جيدة لشبان وفتية في مقتبل العمر، لا يجدون ما يفعلونه.
وأضاف: "نبدأ العمل في أول تموز، ونستمر حتى منتصف أيلول، ونتخصص بالصبر والتين فقط، ومنذ سنوات ونحن في هذا الشارع، الذي تتوفر فيه درجة حرارة معتدلة؛ بسبب الأشجار المرتفعة على جانبيه".
ويُقدّم الباعة ثمارهم منزوعة الشوك والقشر للزبائن، ويضطرون لبيع كل بضاعتهم قبل رحيل اليوم؛ حتى لا تتلف البضاعة، فيما يضطرون نهاية النهار للهبوط في السعر، ولا يخلو الأمر من مفاوضات مع المشترين لتقليل السعر.
مقاومة
في زاوية من شارع المنتزه يحتفظ عيد رمضان، 17 عامًا، بوعاء كبير يضم أكواز شوك خالية من شوكها، ويتخصص في تقشيرها.
وقال: "أجلس ساعات طويلة لتقشير الصبر، وأرتدي كفوفًا بلاستيكية للحماية من الشوك، ومع هذا يخدشني، وأمضي وقتًا طويلاً من الليل للتخلص منه دون جدوى، وعملنا ببساطة "مقاومة".
ويأتي الباعة كلهم من قريتي تل الملاصقة لنابلس، وبورين بمحافظة طولكرم، فيما تنحصر البضاعة من قرى: تل، وعراق بورين، ورامين، لكن الصيت الأشهر في التين يلتصق بقرية تل.
ووقف سعيد الصيفي، الفتى التلاوي الأسمر صادحًا بأعلى صوته، ومروجًا للصبر والتين: "عسل، عسل يا صبر، عسل عسل يا تين"، ويفضل أن يشتري الصبر المقطوف من فتية بلدته، ليتخصص ببيعه؛ للهروب من الشوك.
فيما يتفرغ عيسى اشتية، 19 عامًا، في جمع الثمار من حقول قريته، ويسابق الشمس في مهمته، ويحرص على تنظيف الأكواز جيدًا، حتى لا ينتقل الشوك إلى الثمار النظيفة والجاهزة للبيع.

تسويق ثمار الصبر والتين في شارع المتنزه بمدينة نابلس
طقوس
وقال: "نذهب إلى الحقول في الصباح الباكر، ونستفيد من الندى في جمع الثمار؛ حتى لا يتطاير الشوك، ثم ننظف الأكواز على الأرض بالقش، ونضعها في الماء، ونبدأ بتقشيرها، ثم نقدمها للمتسوقين، والغريب أن بعضهم "ينشف ريقنا" وهو يفاوضنا على ثمنها، ويستكثر الشواقل القليلة التي نطلبها".
يتسلح "الصبارون" بصنارة متصلة مع عصا خشبية، ويتنافسون على جمع الثمار الناضجة، ويتفادون الأكواز "العجر" التي تسبب مشاكل في المعدة، وتتداخل أصواتهم في التنافس على الزبائن، لكنهم يحافظون كما أفاد اشتية ورفاقه على حد أدنى لا يمكن التنازل عنه، ولا يؤمنون بالمضاربات.
وقال الفتى نسيم حسام، القادم في عامه الأول للشارع، إن الأشجار تجعل من المكان باردًا، وتبعد حر الشمس عن الباعة والمتسوقين، وهي ميزة لا تتوفر إلا في هذا الدرب.
وأضاف: "تسويق التين أفضل من الصبر، ويحقق أرباحًا أعلى، بالرغم من أن حباته تمر بمراحل عديدة كوضع الزيت للتسريع في نضوجه، وقطفها المبكر، والاحتماء من اللبن الذي تفرزه، والحرص على عدم تلف حباتها الطرية".

ثمار التين الجاهز للتسويق
نداءات
وفي مكان آخر، يجلس مجاهد رمضان وشاهين عصيدة في بسطة أخرى، ويعمل الفتيان في تقشير الصبر وتوزيعه على الباعة، ويحفظان مثلاً عربيًا شعبيًا يقول: " أيام الصبر والتين ما في عجين" في دلالة على القيمة الغذائية الكبيرة للصنفين.
يقول الثلاثيني غازي سليمان بأن الشهرة في التين لرامين، بلدته المجاورة لطولكرم، وأنها هي التي دشنت شارع الصبر والتين في نابلس قبل 5 سنوات.
وعدّد أصناف التين التي يسوقها: الحماضي، والخرطماني، والعناقي، والخضراري، والموازي، والعجلوني، وتبدأ أسعارها أول الموسم بنحو 35 شيقلاً، ثم تهبط إلى نحو 5 شواقل للكيلو غرام الواحد.
وقال سليمان: "لو كل شوارع نابلس مثل هذا الطريق، لما شعرنا بالصيف، ولقدّمنا التين والصبر في كل مكان بالمدينة، بأسعار مُخفّضة".
ويمازح السائق صلاح أبو يوسف الباعة، ويقول قبل شراء الصبر والتين: "هذا المكان هو طريق الحرير، وهو أهم من رأس الرجاء الصالح".
aabdkh@yahoo.com