دائرة الجغرافيا
الخضر قضاء بيت لحم
الملخص (Abstract):
في هذا المقال سوف نتحدث عن مفهوم السياحة البيئية وتطورها، وأيضا عن دور السياحة البيئية في عملية التنمية المستدامة، وسوف نقوم بذكر بعض من الأمثلة العالمية على نجاح السياحة البيئية في تحقيق الجدوى الاقتصادية. أما على المستوى الفلسطيني فسنركز على دراسة منطقة الريف الغربي والمعروفة بالعرقوب، وهي تتألف في الحاضر من قرى نحالين وحوسان ووادي فوكين وبتير، وسيتم دراستها كنموذج للمناطق الريفية الفلسطينية التي تصلح لتطويرها كمناطق سياحية، وسيتم ذكر بعض التحديات التي تواجه السياحة في منطقة الدراسة.
مقدمة:
ازدادت حركة السياح بين مختلف قارات العالم وذلك مع التقدم الكبير في وسائل النقل والمواصلات وخاصة النقل الجوي، واصبح التنقل لمسافات بعيدة أمراً سهلاً بسبب هذا التطور الكبير في وسائل المواصلات، وبالتالي شهدت الصناعة السياحية تطورات كبيرة منذ النصف الثاني من القرن الماضي. وظهرت انواع كثيرة من السياحة ومنها السياحة البيئية التي تجذب اليها عشاق الطبيعة والبيئة والنبات والحيوان، وهي سياحة تعتبر صديقة للبيئة مقارنة بغيرها من الأصناف، وغالبا ما تكون المجموعات السياحية المنضوية تحت هذا الشكل من السياحة أكثر ايمانا وحساسية بالقضايا البيئية. لذا نجدهم حريصين على عدم الاضرار بالمواقع الطبيعية او التغيير في مكوناتها وأشكالها بأي طريقة كانت.
من هنا، تداخلت السياحة البيئية مع مفاهيم أخرى ذات طابع مشابه مثل السياحة الخضراء والسياحة المسؤولة والسياحة المستدامة وغيرها من المسميات التي تحمل في داخلها عناصر ايجابية نحو البيئة. تعتبر السياحة البيئية من اشكال السياحة الحديثة مقارنة مع غيرها من أنواع السياحة الأخرى مثل السياحة الترفيهية والتعليمية والدينية، وقد وصف الباحثون السياحة البيئية بأنها السياحة المعتمدة على البيئة بشكل مباشر، فيما وصفها آخرون بأنها جزء من السياحة المستدامة والسياحة المسؤولة (فلاح2012 ).
وقد وهب الله فلسطين ثروة سياحية متنوعة وفريدة وخصوصا أنها مهدٌ للديانات السماوية الثلاث ومهد للحضارات التي تركت أثرها على التراث الانساني، وبالرغم من صغر مساحتها الا أنها تتمتع بتنوع حيوي ومناخي كبير، وهذا يشكل عاملاً للجذب السياحي والترفيه (فلاح 2012).
وتعرّف السياحة البيئية بأنها السفر لزيارة المواقع الطبيعية من أجل الاستمتاع بالطبيعة وما يصاحبها من معالم ثقافية بروح من المسؤولية البيئية التي تضمن المحافظة على المواقع الطبيعية وعدم المساس بها، وتقلّل من التأثيرات السلبية للزيارة، ويوفر فرصًا للمشاركة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين. (الرواضية 2013). أما تعريف الجمعية الدولية للسياحة البيئية فهو السفر المسئول إلى المناطق الطبيعية الذي يؤدي إلى حفظ البيئة، وتحسين رفاه السكان المحليين. (غياضة 2009). ومن الأمثلة العالمية على نجاح السياحة البيئية في تحقيق الجدوى الاقتصادية:
- التجربة الأردنية في محمية ضانا، ويكفي ان نعرف بأن السياحة ساهمت في ايرادات المملكة الأردنية الهاشمية عام 1999م بنسبة 43% من إجمالي الإيرادات من الصادرات.
- وأيضا التجربة المصرية في واحة سيوة السياحية.
- والتجربة اللبنانية في محمية أرز الشوف.
- والتجربة المكسيكية في حماية قبائل المايان.
ومن هنا دعت الكثير من الدول الى توسيع القاعدة الاقتصادية، لتشمل مجالات واعدة مثل السياحة في إطار التنمية المستدامة، مع التركيز على الحفاظ على البيئة، والتركيز أيضا على الموارد الاجتماعية والبشرية، ومن ضمنها الثقافة والتراث ضمن خطط التطوير، واعتبارهما مرتكزين محوريّين ومتكاملين من مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية (غياضة2009).
السياحة البيئية في قرى الريف الغربي لمحافظة بيت لحم (بتير، نحالين، وادي فوكين):
الموقع: تنبع أهمية القرى لقربها من مدينة القدس، فهي تبعد عنها سبعة كيلو مترات إلى الجنوب، وتمتد أراضي محافظة بيت لحم من أراضي القرى الغربية نحالين وبتير ووادي فوكين وحوسان المحاذية للخط الأخضر لتصل إلى منطقة البحر الميت شرق العبيدية. وتطل المدينة على القدس التي تحدها شمالا، وتعانق الخليل عند نهاية أراضي بيت فجار جنوبا، ويمكن مشاهدة البحر المتوسط من على جبال القرى الغربية، والعيش في البرية الصحراوية في الأراضي الشرقية للمحافظة، وصولا للبحر الميت.
المناخ والتضاريس: تمتاز تضاريس المناطق الغربية بأنها جبلية خضراء، وتكثر فيها الينابيع، في حين أن المناطق الشرقية مناطق صحراوية رملية تتصل بمنطقة الأغوار. فتتنوع التضاريس كلّما اتجهنا شرقا أو غرباً، وهذا ما يكسبها صفة التنوع الحيوي وبالتالي تجذب السياح لها. أما مناخها فهو معتدل (غياضة، 2009).
أهمية هذه المنطقة:
- تحوي الكثير من المصادر الطبيعية والتاريخية والثقافية المثيرة للاهتمام.
- تكثر فيها المواقع الأثرية المرتبطة بصناعة الزيتون والعنب، ففيها الكثير من الخرب الأثرية من الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية. وتكتسب قرى الريف الغربي المعروفة بالعرقوب خصوصية جديدة في الفترة الحالية كونها تقع بالكامل خلف جدار الفصل العنصري، وتتصل بالمحافظة من خلال نفق بالقرب من الخضر. وهنا سوف نذكر بعض المميزات الطبيعية الموجودة في كل قرية والتي تجعل منها مناطق جذب للسياحة البيئية:
قرية بتير
قرية بتير: تمتاز القرية بمشهد ريفي يجمع بين البيوت والحقول، اضافة الى تضاريسها المميزة وجبالها الخضراء، ومن أهم العيون فيها عين الهوية وعين العامود، وتمتاز بوجود مواقع أثرية قديمة مثل محطة قطارات قديمة وسكة حديد، وفيها الكثير من الخرب الاثرية القديمة العائدة للعهد الروماني، وتنتشر فيها المقامات. وفيها الينابيع الصافية والتي لا زالت تبعث بالحياة للسكان والمزروعات، والبرك والقنوات الرومانية التي تروي المزروعات التقليدية من الخضروات كالملفوف والباذنجان البتيري، وتمتاز عمليات الري باستخدام طرق ري تقليدية تم توارثها عبر مئات السنين (غياضة 2009).
وقد أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، قرية "بتير" الواقعة قرب بيت لحم، في جنوب القدس بقائمة التراث العالمي لليونسكو وقائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.
قرية نحالين: تشتهر المنطقة بأشجارها المعمرة مثل اشجار البلوط والزيتون، وتضاريسها مميزة، وتتميز بوجود منشأة صناعية لعصر الزيتون، ويعود للفترات الرومانية، وهو من المواقع الفريدة والمنحوتة بالكامل في الصخر، ويمكن إعادة تأهيله كمتحف، وتنتشر فيها المصاطب والسلاسل الحجرية، وفيها عدد من الينابيع والبرك والقنوات، كما ترتبط العيون بروايات شفوية كثيرة، وقد زارها الكثيرون من المختصين وصنفوا بعض المعالم على أنها معالم فريدة، وذلك بسبب احتوائها على عدد من الخرب الأثرية والكثير من الكهوف الطبيعية، والمقامات، والآبار والقبور الرومانية والبيزنطية، والغرف التي تم حفرها في الصخر (غياضة 2009).
قرية وادي فوكين
وادي فوكين: تمتاز قرية وادي فوكين بمظهر طبيعي خلاب بين أحضان الطبيعة الخضراء، وبالينابيع والبرك، والمزروعات من الخضراوات التي تتميز بها القرية عن سواها، وهي من القرى التي تم تهجير سكانها في عام 1948م وعادوا فيما بعد.
كيف يمكن تطوير السياحة البيئية في مناطق الريف الغربي (بتير، وادي فوكين، نحالين)؟
- يجب العمل على تطوير عناصر الجذب السياحي سواء المصادر الطبيعية أو المصادر الثقافية والتاريخية والأثرية.
- توفير الخدمات للسياح الوافدين للمنطقة مثل فنادق ومطاعم ومنتجعات سياحية، مثل منتجع بتير الموجود في الوقت الحالي والذي تتوفر فيه الحدائق وبرك السباحة ويعمل على جذب أعداد كبيرة من السياح، إضافة الى تعزيز مراكز بيع الحرف اليدوية كما هو موجود في بتير.
- تطوير البنية التحتية ووسائل المواصلات لتسهيل تنقل السياح، وتوفير مراكز معلومات ووكالات سياحية.
- تطوير الموارد البشرية من خلال تدريب الموظفين القائمين على المجالات السياحية اضافة الى اعطائهم دورات في اللغات الاجنبية لتسهيل عملية التواصل مع السياح.
- إعادة استعمال المباني الاثرية القديمة من خلال ترميمها واستخدامها كمطاعم أو متاحف أو معارض وغيرها من المرافق السياحية الضرورية، وتسويق المأكولات الشعبية في هذه المعارض واقامة مهرجانات التسوق والمعارض السنوية، مثل إقامة مهرجانات لبيع الباذنجان البتيري في قرية بتير والعنب والزيت في نحالين. والمشاركة في مواسم الحصاد للمحاصيل وقطف الزيتون.
- وإحياء المناسبات الوطنية في المنطقة، والتي تتعلق بعودة أهالي بتير ووادي فوكين بعد لجوئهم، وإحياء المهرجانات الثقافية والفلكلور والدبكة الشعبية.
التخطيط لسياحة بيئية منظمة من خلال عمل مسارات بين هذه القرى التي تتمتع بمظاهر بيئية خلابة وجمال تضاريسها وغطائها النباتي، وبطريقة منظمة تتخللها فعاليات ونشاطات عديدة. (غياضة 2009)
ومن الأمثلة على تنظيم المسارات وتوظيفها في السياحة البيئية "مسار بتير العالمي":
سجلت قرية بتير أول مسار سياحي فلسطيني مسجل على قائمة السياحة العالمية، جاذبة بذلك الانظار اليها من جديد لتستضيف الآلاف من السياحة الاجنبية والمحلية بين أحضان طبيعتها الجميلة والمدرجات المائية والزراعية الأثرية، وكان طول المسار حوالي 5 ونصف كيلومتر وشارك في المسار ما يزيد عن (7500) سائح وزائر محلي وأجنبي، بالتنسيق مع المكتب السياحي الموجود في القرية.
واستطاع السائح المحلي والأجنبي ومحبو الطبيعة مشاهدة الطبيعة الفلسطينية وما تحتويها من نباتات وأشجار، بأشكالها وانواعها المختلفة والمتنوعة وحيوانات وتضاريس جبلية وخضرة دائمة وينابيع المياه، فضلا عن معاينة بعض المعالم التاريخية والأثرية التي تتميز بها الحضارة الفلسطينية الكنعانية. وتعتبر المسارات وجه جديد من أشكال السياحة البديلة الناشئة حيث انها تلعب دورا محوريا ورئيسياً في اعادة تفعيل واحياء المناطق الطبيعية، والأهم من ذلك المحافظة على الأراضي الزراعية من الأطماع الاسرائيلية الاستيطانية التي تستهدف المنطقة. (1)
ومن الأمثلة على اعادة استخدام وترميم المباني الأثرية واستخدامها كمنشآت سياحية مشروع "بيت الضياف" في قرية بتير: وهو عبارة عن غرف فندقية صغيرة تجمع ما بين الطراز المعماري القديم والطبيعة لاستقبال السائحين الاجانب والمحليين، يعتمد على تقديم المأكولات والمشروبات الفلسطينية التراثية التقليدية التي تقوم على إعدادها وطهيها نساء بارعات في مجال المطبخ الفلسطيني، وبالتالي يساهم هذا المشروع الاستثماري في انعاش الوضع الاقتصادي في القرية عبر مساعدة بعض العائلات في الحصول على مردود مادي وخلق فرص عمل جديدة.
المعيقات والتحديات التي تواجه قطاع السياحة البيئية في منطقة الدراسة:
تجدر الاشارة هنا الى أن المعيقات التي تواجة قطاع السياحة في منطقة الدراسة (قرى الريف الغربي) هي نفسها التي تواجه قطاع السياحة في فلسطين كلها. فهناك العديد من العوامل التي تساهم في انخفاض النشاط السياحي في فلسطين مقارنة بباقي الدول، وذلك بسبب الاحتلال الاسرائيلي واجراءاته التعسفية والمتعلقة بمصادرة الأراضي، والجدار العازل، وعدم السماح باستغلال المناطق الفلسطينية في مناطق "ج" سياحيا، والتحكم في النشاط السياحي داخل المدن الفلسطينية، حيث تلزم إسرائيل السياح الأجانب القادمين من اسرائيل الى مدينة بيت لحم بالمكوث لساعات قليلة، وهذا يقلص من العائد السياحي في المنطقة من خلال تقليص الإنفاق السياحي. إضافة الى منع الفلسطينيين من استغلال الموارد السياحية في الأغوار، والحصار الذي تفرضه على قطاع غزة والذي يعتبر النافذة الوحيدة للفلسطينيين (فلاح 2012).
النتائج:
لم تتجاوز مساهمة القطاع السياحي الفلسطيني في الناتج الاجمالي اكثر من 4% في الوقت الذي تتجاوز مساهمة هذا القطاع أضعاف هذه النسبة في العديد من الدول المجاورة، إضافة الى ضعف القدرة التشغيلية لقطاع السياحة، فلا تزيد مساهمته في التوظيف الكلي عن 2%، وبهذا تتدنى إنتاجية القطاع الزراعي اذا ما قورن بقطاعات اقتصادية أخرى، ويرجع هذا إلى العوامل التي ذكرناها سابقا (فلاح 2012). والمطلوب أن تتعاون الجهات المسئولة كل من موقعه للبدء بعمل خطة وطنية لتشجيع السياحة البيئية، إشراك المجتمع المحلي في هذه العملية يعتبر أولوية وقاعدة رئيسية لضمان النجاح لأية خطط مستقبلية، ولا معنى لعمليات التخطيط التي تكون في المكاتب بعيدًا أو بمعزل عن المجتمع المحلي، الذي يشكل الحاضنة الأولى لأي عمل ناجح. وذلك لكي لا تكون المناطق الريفية عالة على الاقتصاد الوطني وإنما رافدًا رئيسا من روافد الاقتصاد.
التوصيات:
- تحفيز القطاع الخاص لزيادة مساهمته في الاستثمار السياحي في المرافق السياحية وإعادة تأهيل وترميم العديد من مواقع الثراء السياحي.
- توفير تمويل لمشاريع الاستثمار السياحي البيئي وتقديم الاعفاءات الضريبية لتحفيز المشاريع السياحية.
- تطوير التسويق السياحي الخارجي من خلال المشاركة في المعارض السياحية الدولية والتعاقد مع الشركات السياحية الكبرى، وذلك لجعل القرى الفلسطينية وجهة أساسية للسياح، وبالتالي يكون هناك زيادة في العائد الاقتصادي من خلال إطالة اقامة السياح في المناطق الفلسطينية.
- تأهيل وزيادة عدد الكوادر السياحية من خلال تخصيص مجالات اكثر للتدريب والتعليم على إدارة السياحة.
- إقامة مهرجانات ثقافية وموسيقية محلية ودولية في مختلف المناطق الفلسطينية، وذلك من خلال ربط السياحة الفلسطينية بالهوية الثقافية الفلسطينية.
- توسيع النشاطات السياحية لتضم مختلف انواع السياحة الدينية والبيئية والترفيهية والعلاجية، حيث تحتوي فلسطين على مواقع أثرية وطبيعة ودينية.
- تحديث الأنظمة واللوائح والتشريعات، وفرض الرقابة على القطاعات السياحية، وفرض الغرامات على من يخالف ويلحق الضرر بالمواقع السياحية وبالمواقع الطبيعية.
المراجع:
الفلاح، بلال . 2012. السياحة في الأراضي الفلسطينية: تحليل الأهمية والأثر. معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (mas)
غياضة، محمد . 2009 . السياحة البيئية وأثرها على التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية.
شوملي، قسطندي. 1999. السياحة الثقافية في الضفة الغربية وقطاع غزة. منتدى أبحاث السياسات الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين.
الرواضية، زياد . 2013. السياحة البيئية المفاهيم والأسس والمقومات. عمان: المعد.
المراجع الالكترونية:
عبد الرحمن، يونس. 2014 . http://harmees.com/articles/view/210679