يعتبر قطاع صناعة الحجر من أهم القطاعات الصناعية في الضفة الغربية ومن أهم مصادر الدخل، وقد كان لهذا القطاع دورٌ ايجابي كبير لا يمكن غض النظر عنه، فعملت هذه الصناعة على رفع مستوى الدخل القومي الإجمالي بنسبة 4.5% من الناتج الإجمالي، وعملت على رفع النهضة العمرانية الفلسطينية. إلا أن العديد من هذه المحاجر انتشرت بشكل عشوائي وغير منتظم؛ ما زاد من الآثار البيئية الناجمة عن هذا القطاع الذي يتضمن جوانب سلبية كثيرة تضر بالبيئة والسكان والعديد من المجالات وخصوصًا إذا لم يتم مراعاة الشروط والقوانين والالتزامات التي تضمن الحفاظ على السلامة البيئية والسكانية، لأن هذه الصناعة تؤثر على الإنسان والحيوان والنبات. ومن أجل تفادي الآثار السلبية لهذه الصناعة والاستفادة من جوانبها الإيجابية، يجب إتباع بعض الإجراءات التي تحد من الآثار السلبية المدمرة للبيئة.
|
دائرة الجغرافيا
 |
المحاجر تحاصر المساكن والاحياء السكنية |
الملخص:
ركزت هذه الدراسة على توضيح الآثار البيئية التي تترتب على صناعة الحجر وذلك من أجل تفاديها، بحيث يعتبر هذا القطاع من أهم القطاعات الصناعية في الضفة الغربية ومن أهم مصادر الدخل والاقتصاد الفلسطيني، وقد كان لهذا القطاع دورٌ ايجابي كبير لا يمكن غض النظر عنه، فعملت هذه الصناعة على رفع مستوى الدخل القومي الإجمالي بنسبة 4.5% من الناتج الإجمالي، وعملت على رفع النهضة العمرانية في فلسطين، حيث ساعد في ذلك البنية الجيولوجية لهذه المحافظة وتوافر المقومات الصناعية لصناعة الحجر مثل رأس المال، السكان والقوى العاملة والمعدات والآلات والتكنولوجيا..الخ كل هذه المقومات وغيرها ساعدت في ازدهار وانتشار هذا القطاع بشكل كبير في هذه المحافظة فأخذت العديد من هذه المحاجر بالانتشار بشكل عشوائي وغير منتظم مما زاد من الآثار البيئية الناجمة عن هذه المحاجر.
وبالرغم من الجوانب الإيجابية لهذا القطاع، إلا أنه يضم العديد من الجوانب السلبية التي تضر بالبيئة والسكان والعديد من المجالات وخصوصًا إذا لم يتم مراعاة الشروط والقوانين والالتزامات التي تضمن الحفاظ على السلامة البيئية والسكانية، حيث تؤثر هذه الصناعة على الإنسان والحيوان والنبات، كما أن للمخلفات السائلة والصلبة والغازية التي تنجم عن هذه الصناعة دور كبير في التأثيرات البيئية والصحية، بالإضافة للآثار السلبية السابقة فمن أجل تفادي هذه الآثار السلبية والاستفادة من الجوانب الإيجابية لهذه الصناعة، يجب إتباع بعض الإجراءات التي تحد من الآثار السلبية التي تؤثر على البيئة والعديد من الإجراءات التي من شأنها محاولة التخفيف من الآثار والأضرار البيئية.
مقدمة:
نظرا لتزايد اعداد السكان ونتيجة التطورات التي تحدث في كافة مجالات الحياة والقدرات البشرية على التكيف مع هذه التغيرات وتسويغها لخدمة أهدافه، تعرضت هذه العناصر للاستنزاف وفقدت قدرتها على العطاء والتجديد، فما تقوم به العديد من الأنشطة البشرية الحديثة يضر بالبيئة على الرغم مما تقدمه من حلول لتجنب حدوث المشكلات البيئية إلا أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الأخطار البيئية عند التخطيط لإقامتها، مما ينتج عنها العديد من الملوثات التي تضر بالبيئة، حيث أن للبيئة قدر معين من الاستيعاب لهذه الملوثات لذلك لا يجب تجاوز القدرة الاستيعابية لذلك (عبيد، 2000).
وتعتبر صناعة الحجر والمحاجر من الصناعات التي تترك العديد من الملوثات بكافة مراحل تصنيعها بحيث تؤثر على الإنسان والبيئة بعناصرها المختلفة مثل المياه والتربة والهواء والزراعة في المناطق التي تمارس فيها هذه الصناعة (صادق، 2013). في حين أنها تعتبر من الصناعات الهامة في فلسطين، بحيث تلبي الطلبات والخدمات العديدة لقطاع الإنشاءات، تنتشر هذه الصناعة في كافة أرجاء الضفة الغربية ويتوزع القسم الأكبر منها في محافظة الخليل وبيت لحم (حلايقة، 2010) وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 720 منشاراً و 250 محجراً في الضفة الغربية (الإتحاد العام للصناعات الفلسطينية، 2005). وتعد صناعة الحجر من أهم الصناعات إلا أنها أغفلت الجوانب والتأثيرات البيئية والقضايا الصحية على الإنسان، فالآثار السلبية لهذه الصناعات دمرت العديد من الجوانب، فمثلا حوّلت الكثير من الأراضي الزراعية إلى محاجر بالإضافة إلى ما ألحقته من تدمير على الغطاء النباتي، وما نتج عنها من تلويث للهواء والتربة والماء الذي من الصعب علاجه وإعادة استصلاحه.
هدفت هذه الدراسة إلى توضيح مفهوم المحاجر وآلية عملها وانتشارها في محافظة الخليل وذلك للوصول إلى الآثار البيئية الناجمة عنها خاصة على قطاع الزراعة والتربة والتنوع الحيوي والنباتات الطبيعية والمشهد الحيوي، ومدى تأثير هذه المحاجر على تغيير معالم سطح الأرض ومدى مراعاة المؤسسات والجهات المسؤولة للظروف البيئية عند إقامة هذه المقالع، فمن خلال معرفة هذه الآثار يمكن المساهمة في وضع بعض الحلول التي ممكن أن تقلل من تلك الآثار البيئية وتصون البيئة. فلا تقتصر الآثار لهذه المناشير ومقالع الحجر على النواحي البيئية فقط، إنما هناك تأثيرات على كافة الجوانب ومنها الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بحيث تساعد معرفة هذه الآثار في الكثير من الحالات على الحد منها.
مفهوم المحاجر والمقالع والكسارات: عرًّف قانون المصادر الطبيعية رقم 1 سنة 1999 في المادة رقم (1) المحجر على أنه "اي مكان يجري فيه العمل بقصد استخراج الحجارة ومشتقاتها"، كما عرف القانون ذاته وفي المادة رقم (1) أيضًا المقالع على أنها "أي مكان يجري فيه العمل بقصد استخراج الرمال أو الطين، أو الكركار أو الزلط أو الصخر الزيتي أو ما يتعلق بالرسوبيات."، وتكون مخرجات المقالع هي مدخلات للمحاجر والكسارات، والكسارة: "هي منشأة صناعية تحويلية تقوم بتحويل الكتل الصخرية إلى أجزاء صغيرة الحجم، وتضم إضافة إلى المنشآت الثابتة الخاصة بالتكسير والنقل، جميع الآليات المتحركة والعمليات المختصة بنقل الصخور وتكسيرها وتفريغها وتحميلها داخل المنشأة؛ إضافة إلى التخزين والصيانة. ويمكن أن تكون الكسارة ثابتة أو متحركة. (مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، 2014).

المحاجر في بني نعيم التهمت ودمرت الأشجار والمساحات الخضراء ولم تترك سوى المنازل والحجارة
آلية ومراحل عمل المحاجر:
مرحلة استخراج الصخور من الأرض: هي عملية إخراج الحجر من الجبال الصخرية والتي تتسبب في قدر كبير من التلويث والضجيج.
مرحلة قص وتحضير القطع الحجرية : بعد استخراج الصخور من الأرض، يتم نقل الصخور من المحاجر إلى مناشير الحجر بواسطة شاحنات كبيرة لقصها حسب المقاسات والأشكال المطلوبة، ومع تقدم التكنولوجيا المستخدمة في قص الحجر، تم تصنيع الآلات ومعدات حديثة تعمل على قص الحجر والحفر عليه بتقنية الليزر، حسب الأشكال التي يتم تصميمها بواسطة الحاسوب .
مرحلة دقاقة ونقش وتجهيز سطح القطع الحجري: يتم نقش وجه الحجر يدوياً أو آلياً باستخدام الآلات الكهربائية، أو باستخدام آلات ضغط الهواء، حيث يتم إنتاج أشكال متعددة من حجر البناء.
مرحلة بناء وتركيب الحجر:: هناك حالتان لبناء الحجر :
- 1 البناء بالحجر الصخري – 2تكسية أو تلبيس الحوائط بالحجر بعد عملية صب أو بناء الحوائط
مرحلة تنظيف الحجر: تعتبر محافظة الخليل من أكبر المحافظات الفلسطينية التي تحتوي على أكبر عدد من المحاجر ومناشير الحجر حيث تحتوي على 130 محجراً و155 منشاراً بحيث يتواجد في مدينة الخليل 75 منشاراً وفي بلدة الشيوخ 53 محجراً (الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، 2005). وتعد محافظة الخليل، واحدة من أكثر المحافظات الفلسطينية التي تشكل ثقلاً حقيقياً في صناعة الحجر والرخام الفلسطيني، وتعتبر مخزون استراتيجي للمادة الخام في هذه الصناعة التي تتركز في مناطق، سعير، الشيوخ، بني نعيم، يطا، وحديثاً محاجر تفوح. وفقاً لمعطيات اتحاد الحجر والرخام في الخليل، بأكثر من 120 محجراً تشغل حوالي ألف عامل، فيما تقدر عدد المصانع ما بين 200 إلى 250 مصنعاً، تشغل حوالي 2500 عامل، بالإضافة إلى وجود المشاغل والمعامل الصغيرة والمنتشرة في كافة أرجاء المحافظة. ويقدر نور الدين جرادات، رئيس الهيئة الإدارية الفرعية في اتحاد الحجر والرخام في الخليل، بأن حجم الإنتاج السنوي في الخليل من الحجر المصنّع يقدّر بأكثر من 8 مليون متر مربع و350 ألف متر مكعب من الحجر الخام في الظروف الطبيعية، هذه النسب والمعطيات تراجعت إلى أقل من النصف بحيث تم إغلاق العديد من المصانع، الأمر الذي أدى إلى إحداث بطالة وتدني مستوى الدخل. وقد أوضحت دراسة أعدتها الغرفة التجارية الصناعية في الخليل حول" أثر الإغلاق والحصار الإسرائيلي على محافظة الخليل خلال الانتفاضة" إن نسبة الانخفاض في المبيعات السنوية لقطاع الحجر والرخام في الخليل بلغت 65%، حيث بلغت قيمة الخسائر أكثر من 247 مليون دولار، كما بلغت نسبة الانخفاض في عدد العاملين في القطاع إلى أكثر من 49%.
وتواجه صناعة الحجر والرخام في محافظة الخليل، كما في باقي المحافظات الفلسطينية جملة من المشاكل والمعيقات التي تحد من نهضتها وتطورها. حيث أن العراقيل الإسرائيلية على المعابر والحدود أمام المنتجات الفلسطينية، وحالة الإغلاق والحصار المشدد التي تفرضه قوات الاحتلال على كافة الأراضي الفلسطينية، تعدّ من أبرز وأهم المشكلات التي تواجه صناعة الحجر والرخام في محافظة الخليل، في حين يعود سبب العدد الكبير من المحاجر والمناشير في هذه المحافظة، إلى توافر كافة المقومات لهذه الصناعة، مثل القوى العاملة والقوى المحركة والمواد الخام والأسواق والمواصلات، هذه المقومات يصعب توافرها في منطقة معينة فكل منطقة لها مواصفاتها ومقوماتها المختلفة عن المناطق الأخرى (وهب، 1996) .
وفيما يلي توضيح لأهم مقومات إنتاج الحجر في محافظة الخليل:
الأيدي العاملة: تعتبر محافظة الخليل من أكبر المحافظات من حيث عدد السكان حيث يعد النمو السكاني فيها ظاهرة بارزة (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2007)، فالزيادة السكانية تنعكس على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وأيضا على الأراضي الزراعية كما أن الزيادة السكانية في هذه المحافظة تعتبر من العوامل الرئيسية في نمو صناعة الحجارة وعدد المحاجر الموجودة، حيث أن زيادة السكان بحاجة إلى عمران جديد مما ادى إلى زيادة الطلب على الحجارة.
المواد الخام: محافظة الخليل تعد مركزا اقتصاديا هاما في فلسطين، حيث تنتشر فيها العديد من الصناعات والمواد الخام فمن أهم هذه الصناعات، صناعة الحجر والرخام حيث يتوفر في فلسطين والجبال الوسطى خامات الحجر الطبيعي وبكميات كبيرة في حين معظم صخور المحاجر من صخور الحجر الجيري الرسوبي الذي يغطي الجزء الأكبر من جبال الخليل ومنها الحجر المزي والمزي الأحمر وحجر كردانة (حلايقة، 2010).
الأسواق: تعتبر الأسواق ذات أهمية كبيرة في تطوير اقتصاد صناعة الحجر لما لها من أهمية في التبادل التجاري بحيث تمتاز محافظة الخليل بإشرافها على بعض الطرق الرئيسية المهمة. فأي منتج يتم إنتاجه يحتاج إلى عملية تسويق وطرق مختلفة للتسويق ففي المحاجر يكون المسوق للمنتجات هو مدى جودة الصخر المنتج أما المناشير فالمنتج يتم تسويقه باستخدام المندوبين،حيث تعتبر المستوطنات اليهودية من أكبر الأسواق التي تضم وتستوعب إنتاج تلك المناشير، في حين تقوم بتصدير جزء إلى الخارج (الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، 2005).
الآلات المستخدمة في إنتاج الحجر: في المراحل الأولى القديمة لاستخراج وإنتاج الحجارة كان يتم الاعتماد على الطرق التقليدية البسيطة، لكن مع التطورات التكنولوجية والنقلة النوعية الحديثة تطورت الطرق التقليدية إلى مصانع وآلات ضخمة فأصبحت تسهل عملية القيام بتصنيع الحجر ووفرة الجهد والوقت على أصحاب تلك المشاريع، مما زاد من انتشارها وآثارها السلبية.
الطاقة: تعد الطاقة مصدر هام في مجال إنتاج الحجر لما لها أهمية في تشغيل الآلات والمعدات المستخدمة في العملية الإنتاجية حيث تعتمد فلسطين على المحركات الخاصة في توليد الطاقة الكهربائية، تعتبر هذه الطاقة المصدر الوحيد للطاقة المستخدمة في مناشير الحجر، بينما المحاجر تعتمد على المحروقات. أما في الوقت الحالي فقد قامت عدة مناطق في الخليل بإمداد شبكة كهرباء إلى المحاجر(حلايقة، 2010). كما تشير بيانات الاحصاء المركزي الفلسطيني أن أنشطة التعدين واستغلال المحاجر تستهلك سنويا من الزيوت والوقود ما يقارب 16488000.8 دولار وتستهلك من الكهرباء 819000 دولار (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2009).وهذا يوضح الفرق ما بين أسعار الوقود المرتفعة بالنسبة لأسعار الكهرباء السبب الذي دفعهم إلى مد شبكات من الكهرباء إلى المحاجر واستخدامها كمصدر طاقة بدلا من الوقود.

عمليات التوسع الإسرائيلي في كسارة بِن اري على أراضي إذنا، دورا وسوبا قضاء الخليل
الأثر البيئي لمقالع الحجر والكسارات:
على الرغم من الأهمية الكبيرة لصناعة الحجر كونها مصدر للدخل القومي ومجال عمل للكثير من الأيدي العاملة ورافدا من روافد الاقتصاد الفلسطيني، إلا إن أثرها ومدى إسهامها في تلويث البيئة يقلل من هذه الأهمية، حيث يقصد بالتلوث البيئي حسب القانون الدولي للأمم المتحدة عام 1974 بأنه ذلك النشاط الذي يقوم به الإنسان والذي بدوره يؤدي إلى إضافة مواد جديدة إلى البيئة بحيث تعمل هذه الإضافة إلى تعريض حياة الإنسان إلى الخطر بشكل مباشر وغير مباشر، كما يعرف التلوث البيئي على أنه إحداث خلل في نظام التوازن البيئي وإدخال الملوثات في البيئة، بحيث تسبب عدم الاستقرار. (العطيات، 1997).
الملوثات الناتجة عن المحاجر ومناشير الحجر :
تتنوع الملوثات والمواد الناتجة عن عملية استخراج وصقل الحجر سواء من المحاجر او من مناشير الحجر فمنها المواد السائلة التي تنتج عن حركة الآلات، والمواد الصلبة والغبار والغازات الناتجة عن علميات الحفر وتكسير الحجارة.
- الغبار: هي عبارة عن ذرات دقيقة من الرمال والحجارة القابلة للتعلق في الهواء والتي من الممكن حملها إلى مسافات محدودة ثم ترسيبها على مناطق مختلفة.
- المواد الصلبة: ممكن أن تتساقط بعض الحجارة على جوانب الطرقات أثناء عملية النقل أو التوزيع، مما يؤدي إلى تلوث المنطقة بهذه المواد (صادق، 2013).
تأثير المحاجر على التربة: إن التربة تتأثر كغيرها من العناصر البيئية بالتلوث سواء من المواد السائلة التي تتمثل في الروبة والمحروقات والزيوت التي تتسرب من الآلات أو بالمواد الصلبة التي تنتج من المحاجر والمناشير، أن عملية استخراج الحجارة تؤدي إلى إزالة الغطاء النباتي والمساهمة في رفع عملية تعرية التربة، وإن إزالة الصخور الصلبة الموجودة في بطون الأودية عند إقامة المحاجر يساعد في فقد التربة لوقايتها ضد عمليات الانجراف المائي والريحي مما يؤدي إلى تزايد آثار السيول الجارفة التي تتعرض لها المنطقة في موسم سقوط المطر وانجراف التربة.
كما يلعب الغبار المتطاير من المحاجر دورا كبير في تغيير الخصائص الكيميائية للتربة حيث يؤدي إلى زيادة قاعدية التربة من خلال زيادة كربونات الكالسيوم فيها،كما أن للمواد السائلة التي تنتج عن الآلات مثل الروبة دور في تغيير الخصائص الكيميائية للتربة حيث تعمل الروبة على انخفاض نسبة الحامضية فيها والذي ينعكس بشكل سلبي على خصوبتها، حيث أن القشرة الصلبة التي تتكون على سطح التربة نتيجة تجمع كربونات الكالسيوم بكميات كبيرة يصل سمكها في بعض المناطق إلى حوالي (4ملم) بحيث تمنع البذور من النمو ويصعب على جذور النباتات اختراقها، مما يؤدي إلى تدهور الغطاء النباتي في هذه الترب (حلايقة، 2010) و ( Zerve,2008).
كما تتعرض التربة في مواقع المحاجر ومناشير الحجر لمشكلة الاستنزاف فقد قُدرت كمية الترب التي يتم فرزها عن الركام لاستخدامها في اعداد خلطة ردم أساسات المباني ورصف الطرق في إحدى الكسارات بحوالي (150م3) يوميا، حيث يتسبب هذا الاستنزاف في فقد كميات كبيرة من التربة في فترة زمنية قصيرة، في حين أن التربة تستغرق فترة زمنية طويلة لتكوين نفسها (كتانه، 1985) و (إبراهيم، 2013).
تدمير الغطاء النباتي والتنوع الحيوي: يتسبب انتشار المحاجر ومناشير الحجر في تدمير الغطاء النباتي بسبب الحركة العشوائية للسيارات والمعدات الثقيلة العاملة، واكتساح مساحات واسعة من الغطاء النباتي لغرض إنشاء المحاجر وتجميع المنتجات بحيث تؤدي المخلفات الصلبة التي تنتج عن المعدات إلى الإضرار بالغطاء النباتي المحيط حيث تتراكم كميات كبيرة على أوراق النباتات فيؤدي ذلك إلى تغيير لونها من اللون الأبيض إلى اللون الرمادي، مما يتسبب في إغلاق مسامات أوراق النباتات وهذا بدوره يؤثر سلبا في عملية النتح والتنفس والتمثيل الضوئي وإنتاج الكلوروفيل اللازم لاستمرار حياة النبات، حيث يصعب على هذه النباتات الاستمرار ثم تتعرض إلى الذبول والموت مما يؤدي إلى تصحر مناطق واسعة.
كما أن الحياة البرية تأثرت تأثرا كبيرا في مناطق الحجارة بسبب المحاجر التي أقيمت على المناطق الرعوية وقضت على النباتات الطبيعية وعلى التنوع الحيواني، فمثلا منطقة سعير تحتوي على 30 نوع من النباتات النادرة (إبراهيم، 2013) ومنطقة الشيوخ التي أقيمت فيها المحاجر على أخصب الأراضي الزراعية خاصة أنها كانت تشتهر بإنتاج كميات كبيرة من العنب واللوزيات، أما الآن فهذه المنطقة تقوم بشراء ما تحتاجه من هذه المنتجات حيث أدت هذه المحاجر والمناشير إلى حدوث ما يشبه التصحر بحيث لا تتواجد المناطق الزراعية إلا في مناطق صغيرة وبعيدة عن المحاجر. كما أن الضجيج الذي يسببه عمل هذه المحاجر أدى إلى هجرة العديد من أنواع الطيور والحيوانات البرية المختلفة لعدم توفر البيئة المناسبة لها (حلايقة، 2003).
تلويث المياه: إن عملية تصنيع الحجر تستهلك كميات كبيرة من المياه لذلك فإن المياه التي تنتج من عملية التصنيع تتلوث بكميات كبيرة من بودرة الحجر والمواد ذات الصفات الكيماوية المختلفة، كما أن العديد من الجهات تشكك في كون هذه الملوثات الناجمة عن المحاجر تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية، كما أنه يؤدي إلى تلوث المياه السطحية بالجير الذي يتركز في مجاري الأودية والأراضي المنخفضة نتيجة قلة حركة الرياح فيها وينتقل مع مياه السيول عند حدوثها للتجمع في الآبار السطحية (كتانة،1985).
تلوث الهواء: إن الغبار الذي ينتج من العمل في المحاجر أو نتيجة حركة الآلات والشاحنات على الطرق الترابية يؤدي إلى رفع نسبة الغبار في الجو عن الحد المسموح به، بحيث يتكون الغبار من كربونات الكالسيوم وأكسيد السيلكون، حيث هذه المواد تعتبر مواد مسرطنة عندما يتم استنشاقها، كما أن للغازات الناتجة عن الآلات المستخدمة في المحاجر ووسائل النقل مثل غاز أول أكسيد الكربون وأكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين والهيدروكربونات ومركبات الرصاص دور في تلويث الهواء والإضرار في النباتات.(يوسف حلايقة، 2004) و (موسى، 1996).
التأثير في استعمالات الأراضي: إن إنشاء المحاجر بشكل عشوائي يؤثر بشكل سلبي في النواحي التالية:
-إن المحاجر لا توثر على الأرض التي يقام عليها المحجر فقط، إنما تؤثر على استعمالات الأراضي المجاورة من الأراضي الزراعية والمراعي والمناطق السكنية لهذا المحجر أو مناشير الحجارة، فنلاحظ ذلك في انحسار الأراضي الزراعية في تجمعات المحاجر بشكل مستمر، علما بأن معظم تلك التجمعات كانت في السابق أراضي زراعية خصبة ومن الأمثلة على هذا التأثير منطقة القحوانة والزعفران في الشيوخ، كما أثرت هذه المحاجر على الثروة الحيوانية حيث معظم المحاجر تم إقامتها على المناطق الرعوية ذات الغطاء النباتي الغني قبل إقامة المحاجر، كما أن الطرق الزراعية الرئيسية تم غزوها من قبل المحاجر بحيث قام أصحاب المحاجر بتحويلها إلى داخل المحاجر ومرور الشاحنات عليها وما يتبعه من آثار سلبية.
التأثير على شكل الأرض:
يعمل وجود المحاجر وتركها بدون معالجة على تشويه الوضع الطبيعي للأرض وعمل انخفاضات من جراء الحفريات واستخراج الطبقات الصخرية التي يصل بعضها إلى أربعين متراً، كما تؤدي إلى تدمير الأراضي المجاورة، ما يعمل على نقل مخلفات المحاجر التي يتم العمل بها إلى الأراضي الزراعية وتشكيل التلال الاصطناعية بحيث يصبح الضرر أكبر. كما أن وجود المحاجر في مناطق مرتفعة وما تقوم به هذه المحاجر من قطع للطبقات الصخرية وإزالة للطبقات الترابية من هذه المناطق المرتفعة يعمل على خفض الأرض وتكوين حفر عميقة، كما يسبب نشاط المحاجر وترك الكتل الترابية المتناثرة هنا وهناك تشويهاً للمظاهر الطبوغرافية وخلق أنماط أرضية ضعيفة، بحيث تعمل على زيادة الشقوق والكسور والعروق مما يتبعه تعاظم دور عوامل التجوية والحت، وحدوث الانهيارات والانزلاقات الصخرية، وينتج عن نشاط المقالع تدمير للغطاء الأرضي من تربة ونشوء الأودية الضيقة الوعرة وحدوث التخدد والتشقق والتفسخ لسطح الأرض، وتلف الأطراف الجانبية للطرق القريبة من المحاجر مما يسبب انهيارها (العنانزة، 2003).
الآثار الصحية على السكان:
إن وجود وانتشار المحاجر بالقرب من المناطق السكنية يسبب أضراراً على البيئة بشكل عام وعلى السكان أنفسهم بشكل خاص، حيث أن قرب تلك المحاجر بأقل من متر واحد يزيد من الأمراض التي تضر بصحة الإنسان، إذ تنتج الملوثات عن عدة مصادر من هذه المحاجر ومنها الغبار والأتربة المتطايرة والمواد الغازية الناجمة عن عوادم السيارات والآلات، بالإضافة إلى الضجيج الذي ينتج عن الماكينات، حيث يسبب الغبار العديد من الأمراض التنفسية مثل الربو وضيق التنفس والأزمات الصدرية والتهاب العيون والجلد، كما أن للغازات الناجمة عن الآلات والسيارات دور في انتشار تلك الأمراض أما بالنسبة للضجيج فيعتبر من مصادر الأمراض السمعية، حيث ينتج الضجيج عن العمل في المحاجر بحيث تصدر هذه الآلات أصواتاً ذات مستويات عالية جداً، والتي يمكن سماعها من مسافات بعيدة والأصوات التي تصدر من مناشير الحجر خاصة القريبة من المباني السكنية والتي تؤثر على السكان (اشتيه و حمد، 1995).
الخاتمة:
بعد رؤية الأهمية الاقتصادية لقطاع صناعة الحجر في رفع الدخل الفلسطيني واعتباره أحد الجوانب الإيجابية التي يجب الاستفادة منها، تم التطرق إلى الجانب السلبي لهذا القطاع وذلك من أجل إيصال ونشر الوعي حول التأثيرات السلبية لهذا القطاع إذا تم التعامل معه بشكل عشوائي وبأسلوب يتغاضى عن القوانين والتشريعات الموجودة، وذلك كله من أجل تفادي هذه المخاطر والسير بالطريق الأمن الذي يساعد على تحسين وتطوير الجوانب الإيجابية والقضاء أو التخفيف من الآثار السلبية، وذلك من أجل الحفاظ على صحة الإنسان والكائنات الحية والبيئة التي يحيا الإنسان فيها، والتي إذا تم استغلالها ضمن المعايير والشروط المناسبة، فإنها ستقف بجانبه وتعمل على دعمه.
التوصيات:
بناءً على الآثار البيئية السابقة هناك مجموعة من التوصيات والإجراءات الممكن إتباعها ومراعاتها من قبل أصحاب القرار والجهات المختصة من أجل الحفاظ على البيئة، ولتجنب الآثار الناتجة عن المحاجر والكسارات في الخليل:
- منع إقامة المحاجر والكسارات بالقرب من المناطق السكنية وذلك للتقليل من الآثار الناجمة عنها.
- إعادة تأهيل واستخدام مناطق المحاجر التي تم الانتهاء من العمل بها.
- ضرورة القيام بتحديد مناطق لوضع المحاجر والمناشير ومناطق لتنقيب الحجر لتخفيف الاعتداء على الأراضي
الزراعية والرعوية والمناطق القريبة من السكن.
- ضرورة إلزام أصحاب المحاجر بالعمل على تسوية الأرض التي تم الانتهاء من العمل فيها وزراعتها.
- القيام بزراعة الأشجار الحرجية على جوانب الطرقات وحول المحاجر.
- العمل على رفع مستوى الوعي البيئي للسكان والعمال وأصحاب المنشآت.
- استخدام المخلفات الناتجة عن المحاجر والمناشير في ملء وطمر المحاجر المتروكة واستخدامها لأغراض الزراعة،
أو تكوين التلال من تلك المخلفات.
- تعبيد الطرق التي تؤدي إلى المحاجر، مما يقلل من الغبار والأتربة الناتجة.
- القيام بتحديد الشروط المناسبة لإقامة المحاجر ومناشير الحجر، وإجراء مراقبة على الالتزام بتطبيق هذه الشروط من
قبل الجهات المختصة.
- سن القوانين والتشريعات الخاصة بحماية البيئة والفئات العمالية التي تتعرض للتلوث.
- العمل على ضرورة إلزام أصحاب المحاجر والمناشير على توفير الألبسة الواقية للعمال وضرورة ارتدائها من اجل
تقليل تعرضهم للملوثات وتقليل الإصابات الناجمة.
- التقدم بشكوى حول الجهات التي لا تلتزم بالقوانين الخاصة بحماية البيئة.(حلايقة،2003)
المراجع:
إبراهيم، محمود (2013): انتشار المحاجر والكسارات وآثارها السلبية على البيئة في إقليم الجبل الأخضر: دراسة في الجغرافيا البيئية، جامعة عمر المختار.
اشتية، محمد سليم، وعلي حمد(1995): حماية البيئة الفلسطينية، مركز الحاسوب العربي. نابلس، فلسطين.
الإتحاد العام للصناعات الفلسطينية(2005): قطاع الحجر والرخام في فلسطين. مركز تحديث الصناعة، فلسطين.
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2007-النتائج النهائية للتعداد –ملخص (السكان-المباني-المساكن-المنشآت) محافظة الخليل.
العطيات، احمد الفرج (1997) البيئة الداء والدواء،عمان: دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة.
العنانزة، علي أحمد (2008): الآثار البيئية والجيومورفولوجية للمقالع الحجرية في محافظة الكرك، مؤتة للبحوث والدراسات. المجلد الثامن عشر،العدد الثالث، جامعة مؤتة، الأردن.
حلايقة، حسن(2010): آثار مقالع وصناعة الحجر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في محافظة الخليل-جامعة بيرزيت، فلسطين
حلايقة، يوسف (2011): المحاجر وتأثيرها على البيئة الريفية في منطقة شمال شرق الخليل.
صادق، عزيز(2013): دراسة الأثر البيئي وتقييمه لمقالع الحجر والكسارات في جماعين-جنوب نابلس، جامعة النجاح الوطنية في نابلس –فلسطين.
عبيد، هاني(2000): الإنسان والبيئة، عمان: دار الشروق.
كتان، عليمد سعيد(1985): حفظ المياه والتربة بدول شمال أفريقيا (تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مشروع الحزام الأخضر لدول شمال إفريقيا.
موسى، علي حسن (1996): التلوث الجوي، دمشق: دار الفكر.
وهب، علي (1996): مقومات الإنتاج والإنماء الإقتصادي(أسس جغرافية الإنتاج)ط1، بيروت، دار الفكر اللبناني.
Zverev, V. E, Zvereva E. L, and Kozlov. M. V, (2008):Slow growth of Empetrum nigrum in industrial barrens: Combined effect of pollution and age of extant plants, Environmental Pollution XX pp 1-7.
Union of Stone and Marble in Palestine, October (1998): The
stone and marble market in Palestine: size, Dynamics and
trends, Development Alternatives, INC, (SBSP)-Ramallah, Palestine.