خاص بآفاق البيئة والتنمية
تزايدت في السنوات الأخيرة الأدلة التي تشير إلى أن الإنسان هو المسبب الأساسي للاحترار العالمي. ونتيجة تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي خلال القرن الأخير؛ ستلمس البشرية عواقب عملية الاحترار خلال القرون القادمة، حتى في حال توقف انبعاث غازات الدفيئة. هذه هي الرسالة الرئيسية والمقلقة للتقرير التقييمي الأخير المتعلق بالتغيرات المناخية؛ والذي نشرته مؤخرا "اللجنة بين الحكومية الخاصة بتغير المناخ" (IPCC) التابعة للأمم المتحدة.
وقد عرضت اللجنة في أواخر أيلول الماضي تقريرها خلال مؤتمر صحفي في ستوكهولم. واستند التقرير إلى مراجعة أكثر من 9,000 نشرة علمية؛ كما تضمن استنتاجين رئيسيين: الأول يتعلق بوجود اتفاق علمي واسع حول وجود احترار مناخي عالمي، والثاني يقول بأن هناك احتمالا بأكثر من 90٪ بأن العمليات الناجمة عن النشاط البشري هي التي تسببت في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وتستند هذه التقديرات على حقيقة وجود عملية متسقة من ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات وهبوط في الكميات الموسمية للثلوج والأنهار الجليدية. كما يوجد ارتفاع في مستوى سطح البحار وزيادة مستمرة في تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
التقدير الحالي للعلماء، حسب بعض السيناريوهات، يقول بأن مقدار الزيادة المتوقعة في متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض بحلول نهاية هذا القرن هو 1.5 درجة مئوية؛ وذلك بالمقارنة مع درجة الحرارة التي كانت سائدة على سطح الأرض خلال السنوات 1850-1900. سيناريوهات أخرى تقول بأن مقدار الارتفاع سيكون درجتين مئويتين. وبحلول عام 2012، ووفقا لحساب العلماء، كان مقدار الزيادة 0.85 درجة بالمقارنة مع نهاية القرن 19.
علاوة على ذلك، يقدر العلماء حدوث ارتفاع في تواتر موجات الحرارة، إضافة إلى أن بعض المناطق ستشهد تطرفا في ظروفها المناخية الحالية. ففي المناطق الجافة سيزداد الهبوط في كمية الأمطار؛ بينما المناطق الماطرة ستشهد مزيدا من المتساقطات. وهناك احتمالية مرتفعة بأن مثل هذه العمليات تحدث منذ فترة في مناطق كثيرة في العالم بسبب الاحترار العالمي. ويتوقع أن يكون ارتفاع مستوى سطح البحار أسرع مما كان خلال الأربعين سنة الأخيرة؛ ما يعني تهديد المناطق الساحلية، وبخاصة الجزر المختلفة في المحيطات.
وأشار توماس ستوكر أحد معدي التقرير، إلى أنه بالنظر للنشاط البشري في الماضي والحاضر والانبعاثات المتوقعة لغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون؛ فإن التغيرات المناخية ستلازم الكرة الأرضية خلال مئات السنين، حتى في حال توقف انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل القريب.
وقد تعرضت تقييمات علماء المناخ العاملين لصالح الأمم المتحدة إلى انتقادات من العلماء والمنظمات التي تشكك بوجود عملية احترار عالمي سببه النشاط البشري. وقد استندوا في زعمهم هذا، بشكل أساسي، إلى حقيقة أن الفترة الممتدة خلال السنوات 1998-2012 تميزت تحديدا بوجود عملية إبطاء في الاحترار الذي تم قياسه على سطح الكرة الأرضية. وفي تقريرهم الجديد، يتطرق طاقم العلماء إلى هذه المسألة؛ حيث يعتقدون بأن عملية التبريد كانت مرتبطة بالثورات البركانية التي قذفت جسيماتها في الهواء وبالتالي غطت على شدة الإشعاع الشمسي، إضافة إلى التغيرات المختلفة التي طرأت على دورة النشاط الشمسي. ومع ذلك، يعترف طاقم العلماء بأنه لغاية الآن، لا يوجد في أوساط المجتمع العلمي تفسير كاف ومتفق عليه لهذه التغيّرات.
المشككون
يدعي بعض المشككين، دون الاستناد إلى معطيات علمية قوية، بأن تأثير ثاني أكسيد الكربون على المناخ هامشية، أو قد لا يكون له أي تأثير؛ ذلك أن ثاني أكسيد الكربون يشكل 0.4% من إجمالي غازات الغلاف الجوي!
الحقيقة أن الوقائع العلمية تقول ما يلي: تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاليا يصل إلى 395 جزء بالمليون، علما بأنه قبل الثورة الصناعية؛ أي قبل نحو مائتي سنة، كان التركيز 280. وحاليا، يعد تركيز ثاني أكسيد الكربون أعلى ما عرفته الكرة الأرضية منذ 800 ألف سنة وربما أكثر. والمعطى الإضافي الذي لا بد أن يقلقنا جميعا، بما في ذلك المشككين، أن ثاني أكسيد الكربون يحتاج إلى مائة سنة كي يندمج ويستقر؛ ويتواصل تأثيره المناخي حتى ألف سنة. إذن، سيعاني أحفاد أحفادنا من عواقب قراراتنا اليوم.
ما معنى الارتفاع الحاد في تركيز ثاني أكسيد الكربون؛ مقابل حصة الأسد التي تشكلها سائر غازات الغلاف الجوي، وتحديدا النيتروجين والأكسجين اللذين لا يؤثران البتة على درجة حرارة الأرض؟ بالرغم من أن حصة غازات الدفيئة من إجمالي غازات الغلاف الجوي ضئيلة، إلا أنه بفضلها تحافظ الكرة الأرضية على الحرارة اللازمة لوجود الحياة عليها. لذا، يمكننا تشبيه القول الساذج وغير العلمي بأن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ضئيلة وبالتالي غير مؤثرة، بقول أحدهم إن "3% من السيانيد السام في المشروب ضئيل جدا، وهو لا يتضمن أي تأثير"!
وحاليا، لا يوجد بحوزة العلم تفسير أفضل للتسخين العالمي من ذلك المرتبط بزيادة انبعاث غازات الدفيئة، بسبب النشاط البشري. وهذا لا يعني شطب عدم اليقين؛ لأن العلم لا يؤمن بالحقائق المطلقة. إلا أن أي تفسير بديل؛ وكي يتسم بالجدية العلمية، يجب أن يثبت مواءمته للمعطيات، بما لا يقل عن التفسير الخاص بالزيادة القائمة في تركيز ثاني أكسيد الكربون.