اسم الكتاب: دراسات نقدية في واقع التنمية في فلسطين
عدد الصفحات: 243 من القطع المتوسط
الناشر: مركز بيسان للبحوث والإنماء
سنة الإصدار: 2201
يضم هذا الكتاب الصادر عن مركز بيسان للأبحاث مجموعة مميزة من الدراسات التي تدور حول محور التنمية من موقع نظري مغاير للغة السائدة، عبر عملية نقد لموضوعة التنمية مفهوما وتطبيقا، حيث جاء جهد بيسان المشار اليه انسجاما مع اهتمامات بيسان البحثية والإنمائية على السواء، اذ يأتي بحثها في موضوع التنمية في صلب اهتماماتها البحثية المجردة، ومساهمته في بناء الفعل المقاوم معا، فهو همٌ نظري وعملي في ان.
وقد جاء في مقدمة الكتاب بقلم المحرر والباحث ناجح شاهين: "هناك ميل عام لدى مساهمات هذا الكتاب، لنقد التبعية للخارج، والتأكيد على الحاجة لدعم الاتجاه نحو الداخل بغرض تعزيز الاستقلال عن السوق العالمي، وإضعاف قيود التبعية لقوى العالم الكبرى، وينسجم هذا الميل مع قناعة بيسان الراسخة بأن النقد الجذري ما يزال ممكناً، وأن بناء البديل المحلي والكوني الثوري والنقيض لكل ما هو قائم، هو مشروع الانسانية وسرديتها الكبرى التي لا نظنها قد ماتت، ولا نريد لها ان تموت".
التغير المنشود والجدران
في سياق مشابه تسجل دراسات هذا الكتاب عموما واقعة مهمة، هي ان الدعوات المختلفة الى تغيير نمط التنمية وما إليها، تتجاهل ان ذلك التغيير المنشود لا بد ان يصطدم بقوة بجدار صخري اسرائيلي وجدار صخري اشد صلابة يمثله الغرب الاوروبي والأمريكي على السواء، هذا بالإضافة بالطبع الى مصالح طبقية فلسطينية محلية ترتبط مع الخارج بروابط وشيجة لا تغيب عن بال معظم مساهمات هذا الكتاب، فهل يمكن فعليا وفي ظل الاحتلال فتح هوات في هذه الجدر المنيعة؟ جوابنا السريع هو النفي. ومن هنا نسجل انه على الرغم من عمق التحليل والكشف المعرفي في دراسات هذا الإصدار، إلا ان البعض منها يقع في تفكير يتجاهل الواقع، وخصوصا في بنيته الكلية، وهو امر لا يعود في ظننا الى أي نقص في الادوات البحثية بقدر ما هو انسجام مع بعض النظريات الجديدة التي تعلي من شأن الخصوصيات والجزئيات، وتهجر ما اصطلح على تسميته بالسرديات الكبرى.
الكتاب محاولة من بيسان لإضاءة الموضوع بأكبر قدر من المساهمات البحثية العميقة بغرض الاحاطة بجوانبه المختلفة، ربما يحدوها طموح ما ان يطلق هذا الكتاب المحرر نقاشا مثمرا حول الموضوع في المستويات النظرية والاقتصادية والسياسية والمجتمعية، فكون التنمية موضوعة نظرية وعملية، يستدعي ذلك كله.
وقد تضمن الكتاب الأوراق التالية: في التنمية كأداة للمقاومة والتحرر للباحثين علاء الترتير وابراهيم الشقاقي. من اسطورة التنمية النيو ليبرالية الى توطين الاقتصاد الاجتماعي للباحث سيف دعنا. الفعل التنموي المقاوم وخرافة التنمية تحت بساطير الاحتلال لـ جورج كرزم. التسليع السياسي لثقافة التحرر- سياسة التنمية في فلسطين نموذجا للباحث علي جرادات. المؤسسات الاهلية الفلسطينية مقترح نموذج للعمل الاهلي، رائد عواشرة. التنمية الميثاقية كأفق تحرري: حول التنمية وثقافة المقاومة في فلسطين، لـعبد الرحيم الشيخ، نحو تنمية بديلة ام بديل للتنمية في فلسطين للباحث طارق دعنا. و دراسة: من وهم التنمية الى تجاوزه لعباد يحيى.
ملخصات سريعة عن عدة نماذج بحثية
وقد جاء في ملخص ورقة الاستاذ جورج كرزم مدير وحدة الابحاث والدراسات في مركز العمل التنموي / معا، حول " الفعل التنموي المقاوم وخرافة التنمية تحت بساطير الاحتلال" التالي:
دراسة شاملة وناقدة للممارسة والنظرية فيما يخص موضوع التنمية في الساحة الفلسطينية، وتبين الدراسة كيف ان فكرة التنمية في هذا المعنى تخلق الاوهام بإمكان بناء شيء من ذلك في ظل الاحتلال، لا بل يذهب الوهم برواد التنمية الى توهم امكان انجازها بتمويل خارجي من اطراف الرأسمالية والاستعمارية الصديقة لإسرائيل، ويميز كرزم بين التنمية التي تستهدف الاستقلال والعودة الى الذات، بالإنتاج الموجه الى الداخل عوضا عن الموجه لغايات التصدير والمعد على مقاس الدول الرأسمالية، وبين الانتاج الوطني الذي فكّ الارتباط بالمحتل الاسرائيلي والاستعمار العالمي على السواء، ويعزز دوره راس مال محلية تستند الى قطاعات الانتاج المرتكزة على الموارد المحلية، الارض والزراعة والصناعة التي تعتمد على الزراعة المحلية، وفي حدود التقليد والحجم والسوق الفلسطيني وان امكن بالتفكير ايضا في الاسواق العربية، اما دولة الليبرالية وتحرير السوق، فإنها انما تغني الاغنياء وتفقر الفقراء وتعمق ارتباط اقتصاد الوكالات بإسرائيل والدول الاستعمارية.
فيما يرى عواشره في ورقته عن العمل الاهلي ان البوصلة يحددها العمل الذي تقوم به المنظمات، ولكنه يوضح ان هذا العمل لا يمكن إلا ان يخضع صراحة او ضمنا للاشتراطات الاوروبية او الامريكية التي لا فرق بينها في نهاية التحليل، فكلاهما يهدفان اخيرا الى حماية امن اسرائيل عن طريق بناء واقع فلسطيني ملائم لاحتياجات المحتل. وفي هذا السياق يتم التركيز من قبل الامريكان على المنظمات الفلسطينية القريبة من فتح، بينما يركز الاوروبيون على المنظمات الاقرب لليسار، وهنا ينتقد الكاتب مواقف بعض المنظمات الفلسطينية التي تقول انها تتمول من منظمات يسارية، وتنسى ان هذه المنظمات المانحة انما تتلقى اموالها من حكومات بلادها اليمينية وبسبب ذلك كله فإن النشاط على الارض يتشابه لدى الجميع وتسوده قضايا من قبيل ترويج حقوق الانسان وحقوق المرأة والجندر، ثقافة التسامح والمجتمع المدني والحوار واللاعنف، والتدريب وتوثيق الانتهاكات، والاعلام، ولعل افضل ما يمكن ان نصف به هذا الوضع هو انه يقود الى مجتمع فرجة باتجاهين، عرض المجتمع الفلسطيني للفرجة لكي يتم تسول التعاطف والدعم السياسي والمالي والتفرج داخليا، وانتظار الفرج من الخارج من جانب جماهير المجتمع الفلسطيني.
فيما يختلف سيف دعنا في ورقته "من اسطورة التنمية النيوليبرالية" عن الاوراق السابقة في انطلاقه من رؤية ان ما يجري منذ اوسلو هو حلقة بين حلقات سلسلة تطور المشروع الصهيوني، فلا يمكن ان تقود الى التحرر او الاستقلال وإنما الى تعميق التبعية الكولونيالية للاحتلال في المستويات المختلفة، ويشير الكاتب الى الشراكة الاقتصادية والسياسية التي تربط نخبة فلسطينية معينة بالمصالح الإسرائيلية، وتؤبد علاقات الهيمنة من جانب والتبعية من الجانب الآخر. ويرى الكاتب ان ما يجري في فلسطين ليس ناجما عن الفساد او سوء التخطيط الذي يمكن تقويمه، وإنما هو خلل بنيوي كامن في اساس مشروع اوسلو، ويكاد يجزم دعنا ان لا مفاجآت فيما يحصل، لأن القدر الفلسطيني في هذه المعادلة ان نكون ملحقا تجاريا صغيرا بالاقتصاد الاسرائيلي ناهيك عن العالمي.