خاص بآفاق البيئة والتنمية
منذ أكثر من عشر سنوات يعاني سكان بلدات وقرى غرب الخليل الأمرين بفعل استمرار قيام تجار الخردة بحرق المطاط والبلاستيك لاستخراج المعادن، حيث انتشرت أمراض الربو وضيق التنفس والسرطان وبعض الأمراض الجلدية الغريبة بين المواطنين، ولم ينج سكان بلدتي إذنا وبيت عوا الأكثر تضررا من وقف هذه الظاهرة الخطيرة التي أودت بحياة العديد من المواطنين، كما فشلت الشرطة والقضاء في وضع حد لها.
استمر حرق هذه المواد وكثر العاملون بتلك المهنة، دون الاكتراث لما تخلفه من أضرار بيئية وصحية. ومع تفاقم المشكلة، بدأت بعض المؤسسات تكافح للتخفيف من معاناة المواطنين، فمنهم من لجـأ الى الحل العشائري ومنهم من أخذ على عاتقه التصدي لهؤلاء التجار ولكن دون جدوى.
مبادرات
كميات المخلفات الكبيرة المجموعة من قبل تجار الخردة خاصة من إطارات السيارات وأسلاك النحاس المغلفة بالبلاستيك، دفعت بعض المستثمرين الاستفادة من هذه الظاهرة اقتصاديا من خلال فتح مصانع تعيد معالجة هذه المواد بطرق صديقة للبيئة.
فنجاح مصنع الزغل الذي تمكن من إحضار الآلات خاصة تلك التي تعمل على استخراج الأسلاك المعدنية من إطارات السيارات وتحول "الكوشوك" الى حبيبات صغيرة يعاد تصنيعها الى أدوات مفيدة للمجتمع مثل البلاط المطاطي (راجع آفاق البيئة، شباط 2013)، شجع بعض المغتربين على العودة الى ديارهم للعمل بهذه المهنة لكن على طريقتهم الخاصة.
النحاس المفصول في مصنع أبو جحيشه
وداعا للحرق
"ساءنا ما كنا نشاهده ونسمع به عبر وسائل الإعلام للتلويث المتعمد للبيئة والإنسان من قبل تجار الموت الذين سعوا للحصول على الربح المادي السريع على حساب إغراق المجتمع بآفات يصعب حلها او التعامل معها، لهذا كان لا بد ان نجازف ونضيء شمعة بدلا من ان نلعن الظلام "، بهذه الكلمات بدأ المهندس إسماعيل ابو جحيشه حديثه بأن الوضع في فلسطين غير مشجع للاستثمار الا انه قرر المخاطرة والعودة الى بلدته اذنا بعد غياب دام 25 عاما من اجل إنقاذ عائلته من الموت البطيء، يحمل ابو جحيشة في جعبته حلاً قد يكون جذريا لعمليات الحرق، حيث قام بإحضار ماكنة متطورة باهظة الثمن متخصصة في تقشير وتقطيع الأسلاك المغلفة بالبلاستيك، دون ترك أية آثار سلبية تعود بالضرر على الانسان والبيئة.
حيث تعمل هذه الماكنة بسرعة كبيرة وتوفر الوقت والجهد على تجار الخردة، وهي قادرة على تقشير اكثر من طن من الكوابل في اقل من نصف ساعة. ويمتاز النحاس الناتج بجودته العالية وخلوه من الشوائب التي كانت تنتج عن عمليات الحرق، كما تقوم الماكنة بتحويل البلاستيك الذي كان يغطي الكوابل الى حبيبات صغيرة يمكن استغلالها في الصناعات المحلية.
خطة العمل
تعاون المهندس ابو جحيشه مع بلدية اذنا وبعض المؤسسات المهتمة بالبيئة للترويج لهذا المشروع، من خلال زيارة تجار الخردة في البلدة وبعض المناطق المجاورة لتعريفهم بأهمية الاعتماد على هذه الطريقة في استخراج النحاس، والذي سيعود بالفائدة المادية عليهم من خلال الحصول على منتج نقي مقطع بأحجام متساوية ومعبأ في أكياس، مما يسهل عملية بيع النحاس الخام الى المصانع الإسرائيلية بمبالغ مناسبة تزيد عن ضعف من يبيعه بطريقة الحرق، كما ان تجار الخردة سيوفرون على أنفسهم تكاليف نقل الكوابل والأسلاك المنوي إحراقها الى مناطق خارج البلدة كما كان يحدث بالعادة لإخفاء جرائمهم.
وتعهدت البلدية بتوفير سيارات خاصة تقوم بجمع هذه المواد من الورش بشكل يومي ونقلها الى ماكنة التقشير، ثم يتم اعادة النحاس الى التجار مقابل دفع مبلغ زهيد بهدف تشجيعهم على التوقف عن عمليات الحرق.
وللسيطرة على "النباشين " وبعض الأشخاص الذين يعملون في هذه المهنة بشكل عشوائي ولا يملكون ورش خاصة، أعلن ابو جحيشه عن خطة استعد من خلالها ان يشتري المواد المجموعة من قبلهم بأسعار مرتفعة مقابل التوقف عن الحرق، كما دعاهم للعمل لديه.
فرصة للتغير
"بعرف انو حرق الاسلاك بسبب المرض، وانا اليوم بعاني من ضيق في التنفس لكن شو بجبرك على المر غير الأمر منه" بهذه الكلمات برر النباش فهد العسود سبب لجوئه إلى حرق المواد التي يجمعها من النفايات، وذلك لغرض توفير المال لإعالة أسرته، لكنه اليوم سعيد بفتح هذا المشروع لأنه سيمكنه من بيع النحاس الذي يجمعه بأسعار مناسبة بالمقارنة مع الأسعار التي يبيع فيها النحاس الناتج عن عمليات الحرق.
وتابع العسود أن استخراج النحاس بواسطة ماكنة التقشير سيوقف عمليات الملاحقة التي يتعرض لها من قبل بعض المواطنين ورجال الشرطة، ودعا زملاءه إلى ضرورة التوقف عن الحاق الضرر بالناس والاعتماد على ماكنة التقشير في الحصول على النحاس.
تجميع النحاس في اكياس
تطوير المشروع
طموح المهندس ابو جحيشه لم يتوقف عند هذه المبادرة بل اخذ يفكر في تطوير مشروعه من خلال إحضار آلات قادرة على استيعاب النحاس المستخرج من عمليات التقشير، وإعادة تصنيعها محليا الى مواد مفيدة للمجتمع الفلسطيني، بدلا من إرسالها إلى المصانع الإسرائيلية، كما يطمح الاستفادة من حبيبات البلاستيك الناتجة عن عملية فصل النحاس.
وبلا شك فإن تطوير المشروع كما يفيد ابو جحيشه سيوفر العديد من فرص العمل لأبناء البلدة، ويحمي البيئة والإنسان من التلوث، و يعود بالربح المادي عليه.
خطوة إلى الإمام
قيام عدد من المواطنين بحل بعض المشاكل البيئية من خلال إنشاء مشاريع استثمارية يزداد يوما بعد يوم، ولكن هل سيتوقف تجار الخردة عن استباحة حياة المواطنين، وهل يجد هؤلاء المستثمرون دعما لهم من المؤسسات المختصة بالتراخيص والضرائب للاستمرار في مشاريعهم.
ماكنة تقشير الأسلاك البلاستيكية
وضع الاسلاك البلاستيكية لتقشير ها في مصنع أبو جحيشه في إذنا