
ورد ذكر العدس عبر الزمن منذ عصور ما قبل التاريخ، وكان وجوده في حياة الفراعنة، يدل على ان هذا النبات قد امتدت اراضيه حتى شملت العالم القديم، وقد ذُكر في الكتب السماوية فهو رفيق دربهم في الكفاح من أجل لقمة العيش، وهو يشكل بالنسبة لهم طعاماً زهيد الثمن عالي القيمة الغذائية والدوائية، ومن ميزات العدس انه مقاوم للجفاف نسبيا وللحرارة العالية، وتنجح زراعته بعلاً في الأراضي الحمراء والصفراء والتي يتراوح معدل هطول الامطار فيها ما بين 250-350 ملم فهو مناسب لزراعته في كافة الاراضي لذا يزرعه البدو ويحصلون على منتوج سنوي جيد سهل الحفظ. ويقوم الفلاح بزراعة العدس بمناطق يريد لها الاخصاب وتحسين خواصها لانه يتميز بالقدرة على تثبيت النيتروجين الجوي وبالتالي يزيد من خصوبة التربة ويكسبها خواصا مرغوبة، لذا يحرص الفلاح على ادخال العدس ضمن الدورة الزراعية ويغير اماكن زراعته ليمنح قطع أراضيه هذه المنحة العدسية، لذا يزرعه البدو ويحصلون على منتوج سنوي جيد سهل الحفظ والاستعمال وغزير الانتاج حيث يحتاج الدونم الواحد من 8-10 كيلو غرام من البذور ويتراوح الانتاج بين80-150 كغم للدونم الواحد ايضا، وهناك مثل شعبي حول كثافة البذار "الزرع الدليل مدلل" ويقال ايضا "كرسنة توشوش وعدس اينادي" بمعنى ان الكرسنة تحتاج الى كثافة في البذار والحبة تحاكي (وشوشة) الحبة الاخرى. بينما العدس "ينادي" كناية عن معدل البذار الخفيف. وبنفس المعنى يقول المثل الشعبي "العدس بقول ابعد اخوي عني وخذ غلته مني" بعكس الفول حيث يقول " لز يا خويا لز " .
ويتم حصاد العدس بالقلع اليدوي في الصباح الباكر على الندى، ويمكن للنساء ان تقوم به بينما يكون دورها في حصاد القمح في الغالب ان تقوم بتغمير الزرع ووضعه على القوادم.
العدس في الامثال الشعبية:
- اعدس وابصل "اي كل عدس وبصل"
- العدس لحمة الفقير والعدس لحم الفلاح
اللي بدري بدري والي ما بدري بقول كف عدس "ولهذا المثل قصة: "مختصرها ان والد فتاة طارد شابا استفزه وهم على البيدر، بينما كان يركض الأب وراءه، خطف الشاب باقة عدس في كفه، وظلا يركضان حتى أخذ الناس يفصلون بينهم، وحينها قال الشاب أن الأب يلاحقه بسبب كف عدس، فأجاب والد الفتاة اللي بدري اي "يعرف " بدري والي ما بدري يقول كف عدس.
- اللي عنده فلفل (بهار) برش على مرقة العدس، كناية على ان العدس يؤكل بدون مطيبات وبهارات وكل ما يحتاجه هو البصل والزيت البلدي.
ان اجا ميلاده رد العدس لبلادة (اي بعد عيد الميلاد يجب التوقف عن زراعة العدس)
- باع الفرس بطبخة عدس
- عدس بترابه وكل شي بحسابه
- زي العدس ما بتعرف ظهره من بطنه (كناية عن الشخص المتقلب)
قيمة العدس الغذائية:
قد يسخر بعض الناس من المثل القائل العدس لحمة الفقير والعدس لحم الفلاح، ولكنهما يعنيان ان العدس فيه قدرة غذائية عالية رغم رخص ثمنه. وهناك عدة طرق يطهى فيها العدس بيسر وسهولة وسرعة ما يعطيه هذه الشعبية، وهو طعام شتوي يحتوي على مواد كربوهيدراتية وقليل من الشحم ففي كل 50 غم نحصل على قدرة حرارية مقدارها 333 سعرا. يحتوي العدس على الكالسيوم والفسفور والحديد، ويفيد اكله في تقوية العظام والأسنان والدم. والعدس غني بفيتامين ( ب ) ويعتبر العدس مقوياً للاعصاب وينصح بتناول العدس الغير مقشور لأن هذا الفيتامين يتمركز في القشور فضلا عن ان هذه القشور تفيد في مكافحة الامساك.
نسبة البروتين في العدس تفوق نسبته في الفول، والعدس يعتبر غذاءً أساسيا للذين يبذلون مجهودات عضلية شاقة كالعمال والفلاحين فهو يقي الجسم من التردي والضعف والهزال. وتناول كوب من اللبن يكمل البروتين النباتي ويجعله كاملا. وأجسامنا تستقبل العدس وما فيه من املاح ومعادن وتمتصه بسرعة لذا يفيد في زيادة وزن الاطفال ومعالجة فقر الدم عندهم وينفع في وقاية المرء من تنخر الأسنان، وقشر العدس اذا سلق بالماء وهرس ووضعت منه كمادات على الخراجات فإنه يخفف منها، ويفيد طحن الحبوب المحمصة في معالجة الجروح والحروق والتأليل وعمل العجينة على شكل لبخات.
ويمنع العدس عن مرضى السمنة والامعاء الضعيفة والمصابين بأمراض الكبد والكلى والمرارة بينما يفيد اكل العدس،"شوربة مغلي الحبوب او سف الحبوب" في تخفيف حموضة المعدة ومعالجة القرحة ولتقوية المعدة والدم.
العدس في الطب القديم
ذكر داوود الانطاكي في كتاب التذكرة ان (العدس يسكن الحرارة ويزيل بقايا الحمى، وماؤه يسكن السعال وأوجاع الصدر، وبلع ثلاثين حبة منه يقوى المعدة والهضم ودقيقه مع العسل يصلح الكلى ويلحم القروح، وغسل البدن به ينقي البشرة ويصفي اللون، والطلاء به مع الخل والعسل وبياض البيض، يحلّ الاورام الصلبة والاستسقاء والترهل وهو يحرق الاخلاط ويظلم البصر ويورث الدمعة، وطبيخه مع القديد يوقع في امراض رديئة ونفخ وقراقر.... والتضمد به مع السفرجل والاكليل يحلل النزلات والرمد، ويصلح "فساده" طبخه بالخل والسيرج (زيت السمسم) والسلق... اما المرّ منه فعظيم النفع في قلع الاثار والحكة، واندمال الجروح وغسل الوجه به مع بذر البطيخ، يجذب الدم الى ظاهر البدن ويحّمر الالوان وينقي الصفار.
قيمة العدس في الوجدان الشعبي
يحتل العدس مكانة مرموقة ومتميزة على لائحة الغذاء التقليدي الفلسطيني وهو من اوائل المواد التي يجب ان تقتنى في الخوابي، كخزين استراتيجي اساسي للامن الغذائي شأنه شأن القمح والزيت، ويستخدم الشعب الفلسطيني بفئاته الثلاث، البدو والمدن والحضر. وبعد النكبة اصبح من اوليات المواد التي توزعها هيئة الامم المتحدة في هيئاتها الاغاثية المختلفة على اللاجئين (عدس بذوره صغيرة، مستورد وغير بلدي ).
وفي ايام الساحات والمضافات كانت اكلات وطبخات العدس ترسل الى الساحة ليتناولها الرجال في المناسبات المحلية البسيطة، التي لا تحتاج الى ذبائح وولائم عامة مكلفة. وهو طعام يمكن ان يعد في الخلاء (للعوينة) ايام جداد الزيتون او مواسم حراثة الأرض، وتقوم الجمعيات الخيرية بتقديمه كطبق تقشفي تجمع عليه الناس للتبرعات او للقيام بعمل تطوعي جماعي.
وتتفنن النساء الفلسطينيات على مر الزمن بإعداد ما لذ وطاب من طبخات العدس وتزيد او تنقص في المواد المضافة حسب الذوق والمتيسر من المواد، فالبدوية مثلا تضيفه الى الرشتة اللبن المخيض او لبن الجميد، وهناك اكلة اخرى حيث تشكل من العدس المطهو كرات وتسقط وتنزّل على مرقة اللبن تشبيهاً بالكبة اللبنية.
وفي الوقت الذي تكثر السيدات في المدينة من تحميص البصل ريشا على شكل شرائح (جوانح) كما يسميها البعض (حراق اصبعه)، تكثر الفلاحات من السلطات المرافقة وتكثر من الفتات كأكل جماعي، ومن اشهر السلطات الاخرى والمزدانة بالنعناع الاخضر او اليابس حسب الموسم والخضر الاخرى من فلفل حلو وخيار وبصل اخضر وفجل وجرجير وخس وزعتر وحميض وزيتون اخضر واسود واللذي يقدم اليوم بأشكال جديدة عدة كالزيتون المحشي، ومن البهارات المضافة الى العدس الكمون (للنفخة) والكزبرة الناشفة ويضيف الفلاحون الزيت فوق اكلات العدس نيئا بعد سكبه.
واكلات العدس التقليدية هي طعام مناسب للناس النباتيين الذين لا يأكلون اللحوم وهو طعام صيامي للاخوة المسيحيين قبل عيد الفصح، ويحب الناس تناول العدس بما اتفقوا عليه من طرق الاعداد والتحضير دون استعمال اللحوم، كما يفضل بعض الناس. ولأن هذه الاكلات تتميز بخلوها من البروتين الحيواني وطعم اللحوم بأنواعها، وكانت النساء عندما تحضر ورق العنب او ورق اللسان او ورق القرنبيط او اي ورق محشو بالارز نضيف اليه جريشة القمح او البرغل او العدس المجروش وكان هذا طعاما صياميا خاليا من اللحوم، وله نكهة ورائحة وطعم مميز، ويزيد من القابلية لتناولها وهي اطعمة صحية غنية.
الطرق التقليدية لطبخات العدس
1 فتة العدس:
بعد غربلة العدس بالغربال وتنقيته وغسله، وتنشيفه يجرش على الجاروشة او الطاحونة ثم يُنسّف برفعه في الهواء في صينية، وهذه الحركة تجعل القشور الخفيفة تطفو على السطح الامامي للآنية التي يُنسّف فيها الحب، وتجمع باليد وتبعد عن الحب المجروش.
ويظهر لون العدس الداخلي، إما اصفر مائل الى الاخضر او احمر برتقالي، يغسل العدس المجروش، ويفرم البصل ويسكب عليه الزيت ثم يضاف اليه الماء الساخن حتى يغمره ويزيد بمقدار عقدة الاصبع حتى يتشرب العدس، ما يحتاج لإنضاجه ويبقى السائل كافيا لتشريب الفتة.
يحرك جيدا في المرحلة الاخيرة لئلا يلتصق او ينكشط ويملح ويبهر بالكمون والكراوية والكزبرة الناشفة– وذلك حسب الرغبة، لذا يقال: الي عندة بهار بيرش عَ العدس – ويعصر عليه عصير الليمون الحامض بعد نضجه وقبل سكبه على الفتة المقطعة في الباطية او الهنابه او الكرمية "، وهي اواني خشبية بأحجام مختلفة كانت للعجن والتخمير وحفظ الخبز وسكب الطعام )
ومن لديه وفرة في الزيت كان يسكب على وجه الفتة كمية من الزيت النيء البلدي، والذي ينسجم مع اكلات العدس وتفوح رائحته لذيذة مشهية.
وقد كان الفتات اسلوب متبع لاستهلاك الخبز اليابس او الناشف او البائت.
2 العدس المجروش بالأرز:
ويطبخ العدس المجروش بواسطة تقليبه مع البصل والزيت البلدي وإضافة الماء الساخن، ويترك حتى يغلى ويقارب على النضج، ثم يضاف اليه القليل من الأرز فيكسبه طعما خاصا ويملح ويبهر، ويضاف اليه الحامض.
3 العدس بالسلق:
المكونات:
فنجنان عدس حب، باقة سلق، راس بصل، زيت، ملح، ملعقة صغيرة كمون مطحون، سماق مطحون، عصير ليمون
ينقى العدس جيدا ويغسل ويوضع في اناء الطهي ويغمر بالماء لعمل الحساء ويرفع الوعاء على النار ليغلي، ينقى السلق ويغسل جيدا ثم يفرم الى قطع متوسطة الحجم ويوضع فوق العدس ثم يغلى حتى ينضج ويضاف اليه الملح والبهار حسب الذوق مع تقلية البصل المذبل وليس البني، ويمكن استعمال عصير الحامض او السماق.
وهناك من( يحوس السلق بالبصل) ويضيف الى العدس الارز كما في المجدرة، وحال نضج المجدرة يضاف اليها السلق المحيوس ويخلط بالمجدرة وهذه طريقة صحية تضفي على المجدرة عنصرا اخضر ومكملا غذائيا وطعما جديدا لذيذا.
4. المجدرة: من اشهر اكلات العدس ومنها ما يضاف اليه الارز. وهناك مجدرة يضاف اليها البرغل عوضا عن الارز. والمجدرة يطبخ العدس فيها كاملا وليس مجروشا. ويتلخص اسلوب طبخها بسلق العدس واضافة الارز او البرغل ويضاف اليها زيت الزيتون مع البصل المحمر. وقد روت لي احدى العجائز، انهم كانوا يطبخون المجدرة مع الذرة البيضاء خاصة في اوقات انعدام وجود الارز الذي تتأثر وفرته بالحروب او المجاعات او الفقر رغم شعبيته، لذا يقال: العز للرز والبرغل شنق حاله.
الرشتة –رقاق بالعدس :
كلمة "رقاق" تعني العجين المرقوق "بالمرق" اي الشوبك على لوحة الرق (الطبلية)، ثم تثنى العجينة المرقوقة طبقات وتشرح بالسكين فتخرج شرائح رقيقة، يغسل العدس ويسلق وهو حب كامل ثم تضاف "الرشتة" او الرقاق ويبقى على النار حتى ينضج العجين ويتسبك مع العدس وتكون الطبخة رخوة وليست صلبة.
والبعض يضيف اللبن المخيض او الجميد او اللبن الرائب المخفوق حيث يضفي طعما اخر لذيذ، يقلى بالزيت والبصل المشرح جوانح حتى يحمر وبعد سكب الطعام في آنية يرش على وجهه البصل المحمر، والسماق المطحون يوضع اذا كانت الرشتة من دون لبن ليكسبها طعما حامضا وتأكل الرشتة بالملعقة، وتقدم المشهيات المرافقة مثل البصل الاخضر والفجل والزيتون والسلطات.
والرشتة من الاكلات الجماعية وتقدم للعمال والفلاحين والعَوينة وخصوصا في الخلاء ويكثر تناولها في ايام الشتاء.
طبخة الرشتة في الخلاء ومقلاة البصل بالزيت البلدي (حراق اصبعه)
حساء العدس شوربة العدس: يقول الدكتور صبري القباني في كتابه الغذاء لا الدواء:" افضل طريقة لتناول العدس أن يأخذ في صورة حساء في اول الاكل"
لذا تزدهر شوربة العدس بالخضرفي ايام شهر رمضان حيث يبدأ الصائم بتناول طعامه بحساء العدس، ومن الاساسيات في هذه الشوربة اضافة الخضر كالكوسا والبصل والجزر والبطاطا والكزبرة الخضراء وتطيب بالليمون الحامض عند الاكل
وحساء وشوربة العدس منها شوربة العدس حبا، ومنها العدس المجروش. وهذه طريقة اعداد شوربة العدس الحب مع الخضر:
المقادير: فنجانان ونصف عدس حب، 3 حبات بطاطا، ثلاث حبات جزر، ثلث فنجان زيت، راس بصل، ملح، بهار، كمون
حساء الملفوف مع العدس : فنجانين عدس، اربع ورقات ملفوف، 3 جزرات، قليل من الارز، قليل من الشعيرية، ملح، كمون، زيت عصير ليمون.
الطريقة: نقي العدس واشطفيه واسلقيه وعندما يطرى قليلا قشري الجزر واشطفيه وافرميه الى قطع صغيرة جدا واسكبيه فوق العدس، ثم اشطفي الملفوف وافرميه وضعيه فوق المواد السابقة واضيفي قليلا من الملح واتركيه يغلي وان شئت اضيفي الأرز، ومن ثم نقي ثلاث ملاعق كبيرة واشطفيها واضيفيها الى باقي المواد واتركيه يغلي حتى ينضج، تذوقي ملح الحساء اثناء الغلي لمعرفة ما اذا كان بحاجة للمزيد منه لتضيفي اليه. كما ويمكن اضافة ملعقتين من الشعيرية للحساء.
عند التقديم ضعي ملعقتين من الزيت على كل طبق مع عصير ليمون حسب الذوق، وقدميه ساخنا مع المكابس وغيرها من المطيبات المقلية.