خاص بآفاق البيئة والتنمية
أعلن مجلس الوزراء الفلسطيني الـ 5 من آذار يومًا وطنيًا للبيئة الفلسطينية، فيما اختار مواطنو الباذان والتجمعات الشرقية لنابلس الإعلان في اليوم ذاته عن مسيرة من نوع مختلف، حيث لم يرفع الأطفال وطلبة المدارس وأعضاء التنظيمات السياسية لافتات وطنية، ولم يهتفوا هذه المرة لأسرى الحرية أو لإحياء ذكرى النكبة، وابتعدوا عن رفع رايات الفصائل، بل توحدوا في مشهد لافت ولشأن بيئي خالص.
قبل أن أصل مكان التجمع في المنطقة السياحية ذائعة الصيت بينابيعها وجبالها ووديانها، كنت أظن أنني لن أجد غير عدد قليل من المستجيبين للدعوة الخضراء، وشجعني في ذلك التوقع، عزوف المواطنين عن المشاركة في الأنشطة عمومًا، لغير سبب.
من بعيد، بدت المسيرة مغايرة وبعدد لافت قياساً بتظاهرات هذه الأيام، والشارع مغلق، والسيارات تبحث عن مسرب للوصول، وكان بالإمكان التقاط هتافات عديدة، وسط مكبرات صوت تندد بإقامة مكب لفرز النفايات في المنطقة لصالح شركة خاصة.
خطابات نارية
كانت الخطابات نارية، ولم تبتعد عن توجيه الاتهامات لأشخاص بعينهم، وكانت بلدية نابلس في الواجهة. أما اللافتات فكلها بيئية خالصة، وتظهر صورة عن حال المعاناة والخوف الذي يحيط بالمواطنين، وتبدي مخاوفاً من تدمير منطقتهم وتحويلها إلى جحيم,
يقول عضو اللجنة الأهلية للمنطقة الشرقية بنابلس د. جواد البيطار، وهو يحمل العديد من الوثائق ومحاضر اجتماعات رسمية لمجلس نابلس البلدي: كلنا مستهدفون من هذا المكب الذي يحمل الكثير من الأضرار البيئية والصحية، ويحول الباذان إلى مكرهة صحية، ولكن الجهات المتنفذة ستمرر مشروعًا خطيرًا، فهي ستقيم المكب في الموقع، وبعد وقت قصير ستهبط أسعار الأراضي، لتبدأ بشراء مساحة كبيرة منها لتقرر تلك الجهات إزالة المصنع، ولترتفع أسعار العقارات.
يتابع البيطار: الهواء حق، وإذا كان القانون لا يكفل حقي كإنسان، فهناك قصور في القانون. وقد خاطبنا الجهات الرسمية، واجتمعنا مع وزير البيئة السابق د.يوسف أبو صفية، وكرروا لنا وعوداً بأن هذا المشروع لن يعمل.
يضيف: هل من المعقول إن تغير المسؤول، أن تتغير آلية تطبيق القوانين؟
ووفق البيطار، فإن اللجنة وأهالي المنطقة قرروا استثمار أول يوم للبيئة يعلنه مجلس الوزراء لرفع الصوت عاليًا. وإنهم وجهوا دعوة لرئيس سلطة جودة البيئة م.عدالة الأتيرة، لكنها لم تحضر.
مظاهرة الباذان
مصالح خاصة وأمراض عامة
يوالي: للأسف بدلاً من أن نصارع الاحتلال، الذي يستهدف الشجر والحجر والتراب، أصبحنا مستهدفين من بعض الفئات، التي تقدم مصالحها الخاصة على مصالح عباد الله، في منطقة غنية بأشجارها ومياهها العذبة، التي أصبحت ملوثة.
يواصل د. البيطار: حاولت تلك الجهات إقناعنا أن المكب لفترة مؤقتة، لكن هذا لم يحصل، واليوم هناك أمراض خطيرة والتهابات كبد وبائي، وأصبحت المنطقة ملاذاً للجرذان والخنازير البرية، وأصبحت عصارات المكب تتغلغل إلى مياهنا الجوفية، وهذا يؤثر ايضاً على مدينة نابلس.
يقول: هناك مواد لا نعرف مدى خطورتها، وقد تكون مسرطنة، وتلقى في المكب بالليل، وفي الأعوام الماضية صارت تتشكل سحابات سوداء في المنطقة، واندلعت حرائق في الأحراش القريبة.
واستنادًا إلى الأرقام التي يوردها د. البيطار، فإن الشهور الثلاثة الأخيرة وحدها شهدت 24 حالة سرطان، و3 ولادات بتشوهات خلقية.
يقول صايل تكروري، أحد المشاركين وعمره 80 عامًا: جئت إلى هنا لأعلن رفضي لمكب ممرض، ولعل وعسى يسمع المسؤولون صوتنا، ويوقفوا المكب، وتعود الباذان كما كانت، وتختفي الروائح التي قتلتنا.
يقول مسؤول الجيهة الديمقراطية في الباذان أكرم الحمود: في هذه المرة أغلقنا الشارع ساعتين، لكن في المرات القادمة ستغلق لفترة طويلة، في رسالة لصناع القرار ولمحافظ نابلس والبلدية.
يضيف: لن نتتظر المزيد من الحالات المرضية، ومن حقنا أن نتنفس هواء نقيًا، وأن تعود الباذان كما كانت.
وعود وردود ومنع
فيما يقول رئيس مجلس قروي الباذان محمد صلاحات لممثلي وسائل الإعلام: كل الوعود السابقة بإزالة المكب لم تنفذ، وهذه المنطقة هي المتنفس السياحي الوحيد المفتوح في المنطقة، لما تتمتع به من عناصر جذب ومياه عذبة، ومن حق أطفالنا العيش في بيئة نظيفة وآمنة. يضيف: في الفترة الماضية ارتفع عدد الأمراض الصدرية والسرطانية، وانتشرت ذبابة أريحا بكثرة.
غير أن عضو بلدية نابلس سامر دويكات تحدث في يوم التظاهرة ذاتها لتلفزيون فلسطين بالقول: المشروع خاص مع شركة باديكو، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق معهم، وهو مشروع لفرز النفايات، ولن نعمل أي استثمار يمكن أن يضر بصحة المواطنين.
تنتهي المسيرة، وأسير تجاه منطقة المكب برفقة زملاء في فضائية خاصة، نجهز آلات التصوير، فيأتي أحد العاملين ليقول لنا: " شو بتعملوا هون؟، معنا أوامر، ممنوع التصوير..." أرد: " عزيزي، هذه ليست منطقة عسكرية مغلقة، وليست مستوطنة لنمنع من التقاط صور لها، هي مجرد مكب..." يتصل بمسؤوله الأعلى رتبة، فيأتي ليخبرنا عن إجراءات احترازية، خشية اقتحام المحتجين للمكب!!
aabdkh@yahoo.com