مركز حسن مصطفى الثقافي
العسل عند الشعوب والأمم
ورد ذكر العسل في القرآن الكريم بقوله تعالى "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس". سورة النحل (68 – 69) إن الحق تعالى بين للنحلة أفضل مكان لسكنها وأفضل أنواع غذائها وكذلك عسلها، وعن العسل قالت السيدة عائشة:(كان أحب الشراب لرسول الله (ص)، وقبل الاسلام، ورد ذكر العسل في التوراة أيام النبي يعقوب عليه السلام، حين سافر أولاده للمرة الثانية إلى مصر، إذ نصحهم بتقديم قدر من العسل إلى فرعون مصر كهدية من شعب إسرائيل، وروى عن سليمان الحكيم قوله: "اذهبوا وفتشوا عن العسل واستعملوه".
وقد أوصى الطبيب ابن سينا باستعماله لبخة لعلاج الجروح السطحية بعد خلطه بالدقيق كما استعمل مزيج العسل مع زيت كبد الحوت في علاج الجروح المتقيحة، ويقول بعض علماء السويد إن أكثر من 60% من حالات الصداع النصفي تم شفاؤها بالعسل.
ومن المعروف بأن العسل لا يفسد إذا حفظ جيدا وله خاصية مبيدة للجراثيم. اذ كانالمصريون يستخدمونه في التحنيط ولحفظ الجثث من التعفن. ولقد وجد الطبيب العربي عبد اللطيف من القرن الثاني عشر، وعاءً في أهرام الجيزة مملوءاً بالعسل يحوي داخله جثة طفل غير متفسخة، كما أن جثة الإسكندر الكبير الذي توفي في البرية قد أرسلت إلى مقدونيا مطمورة بالعسل وقد منع ذلك فسادها أثناء السفر الطويل. وهذا ما حدث لجثث كثيرة كجثة ملك سبارته وارسطو بيل وغيرها.
كما أن اليونان والرومان كانوا يستعملون العسل قبل أن يوجد التبريد لحفظ اللحم طازجا، إذ هكذا يحتفظ اللحم بطعمه وخصائصه دون أن يتسرب إليه الفساد. ولقد أجرى العالم "ميلا نيليكا" ومثله العالم "موريس" عدة تجارب اثبتا فيها أن العسل يحتوي على مواد قاتلة للجراثيم، تفرزها النحلة العاملة وهي ذات فعل أكيد في مقاومة الجراثيم وقتلها.
وقد وجد العسل وأثاره في كثير جدا من الحفريات الأثرية في مدن الفراعنة المندثرة، ومن الغريب انه على الرغم من مضي ثلاثة آلاف سنة على وجود العسل في المقابر الفرعونية، فقد تبين انه ظل سليما ولم يطرأ عليه أدنى تحول اللهم إلا ميل لونه إلى السواد والاكمداد.
كما أن التحريات الأثرية وجدت برميلا يحوي ملاعق لم يذهب عنها اثر العسل، الأمر الذي يدل على أن فلاحي ذلك العهد كانوا يأكلون العسل يوميا.
فيما استخدمه بعض الاطباء البريطانيين في التجميل فقد نشر عنه في لندن سنة 1835 م انه ينعم البشرة ويحميها ويعالجها من التشققات والكشب، واثبت انه له تأثيرا عظيما على شفاء أمراض الجلد.
وورد ذكر العسل في أشعار قدماء الهنود وفي الأناشيد المقدسة فكانوا يشيدون به كغذاء ودواء على السواء.
قال د.يويريش في كتابه (العلاج بعسل النحل) إن رجلا عمره نحو 33 سنة كان يحمل وعائين مليئين بالماء الساخن وفجأة تعثر وسقط أرضا، نتيجة لاصطدام قدميه بشيء صلب، فاحترق بدرجة سيئة بلغت درجة تقشر جلد الجانب الأيمن من وجهه كما تورمت أجفان العين اليمنى، وأصبحت الملتحمة حمراء مؤلمة جدا، وعلى الجانب الأيمن محمرا بكامله، وكان يشعر بآلام شديدة في الوجه والعينين ويشكو صداعا ومن الطنين في أذنيه، بينما ضعف الجسد وارتفع نبض القلب فيه.
فقام بدهان الحروق بالعسل وتغطيتها به مرتين في اليوم وسرعان ما خف الورم من الأجفان، وبدأت طبقة جلدية جديدة تظهر وتكسو مكان الحروق مبشرة بسرعة التئامها، واستعاد المريض القدرة على فتح وإغلاق عينيه.
وقد لاحظ ان كرة العين احمرت في ركن منها، وباستمرار العلاج بالعسل كدهان مدة ستة أيام شفيت كرة العين تماما، وسقطت القشور والطبقة الحمراء الرفيعة التي كانت مصابة من الجفون وزال الورم منها تماما.
العسل في بلادنا فلسطين
يضرب الناس المثل في العسل للدلالة على التميز والقيمة الكبيرة والحلاوة والروعة والحسن والجودة، فيقولون: زيّ العسل" وهناك مثل شعبي يقول "الكسل ما بطعم عسل"، وهناك مثل أخر يقال عندما لا ينسجم اثنان في زواج او صداقة او عمل فيقال: (مش طايقته ... لو بلحسني العسل على كفه).
ويطلق على فلسطين التاريخية أرض اللبن والعسل، وتشبه المرأة النشيطة الفاعلة المنتجة بالنحلة صانعة العسل، وتتغنى النساء في فلسطين بهذه الابيات:
رايب يا لبن رايب *** يا عسل فيها هنايبنا
يا ريت فرح مبارك ** عليكم يا قرايبنا
رايب يا لبن رايب *** يا عسل في هناباتي
يا ريت فرح مبارك ** عليكن يا قراباتي
واغنية اخرى:
يا ميمتي محلى كلام الناجح *** زي العسل والسمن حوله طافح
يا ميمتي محلى سلام الغايب *** زي العسل والسمن حوله ذايب
وهذه مهاهاة تقول:
يا هي يا عسل في هنايب
يا هي والسمن حوله ذايب
يا هي وهذه الك يا فلان
يا هي عمنك في الغربة غايب
يتناول الناس العسل في فلسطين كطعام على وجبة الإفطار مضافا إليه الزبدة البلدية البيضاء في الربيع والصيف وأوقات توفرها، ويضاف السمن البلدي الأصفر في الأوقات الأخرى من السنة وهذه حكاية عن سمسم بالعسل: زار جماعة أصحابهم في المنطقة الوسطى حيث تشتهر سهولهم بزراعة السمسم وفي الصباح تم احضار اناء عميق ممتلئ بالعسل والى جانبه وعاء اخر ممتلئ بالسمسم (كفوالة) أي ما يقدم قبل الطعام.
احتار الضيوف كيف سيتناولونه بلا خبز أو ملاعق وبينما هم كذلك، مرّ طفل صغير فنادوا عليه وطلبوا منه ان يأكل من هذا الطعام فما كان من الصبّي أن وضع اصبعه في العسل ثم مرّ به على اناء السمسم الذي علق عليه، ثم وضعه في فمه فقلده الضيوف في تناولهم للعسل بالسمسم اقتداء بالطفل.
ومرعى النحل المنتج للعسل هو رحيق الأزهار وحبوب اللقاح التي تزخر بها فلسطين في كافة مناطقها خاصة في فصل الربيع والصيف.
أنواع العسل المنتج في الأراضي الفلسطينية:
ظل العسل بأنواعه المتعددة والمختلفة قرونا عديدة يعتبر قيمة عجيبة من منح الطبيعة، امتزجت فيها مزاياه كطعام ذي قيمة غذائية وعلاجية تعم فائدته على الأطفال والبالغين والمسنين والمرضى على السواء، وهناك أنواع عدة من العسل تتنوع وفقا للأصل الزهري والموقع الإقليمي والناحية التكنولوجية.
العسل كغذاء يتميز انه أحادي، أي هضم في بطن النحلة، عكس قصب السكر فإنه ثنائي الهضم لهذا هو سهل الهضم، ملين مفيد لمرضى القلب، وأثناء عملية هضمه لا تضغط المعدة على القلب فترهقه، وهو يدفع الفضلات المتجمعة في المعدة، ويجلو الأمعاء من تراكمات أثر الأغذية الفاسدة.
وهذه أنواع العسل المنتج في الأراضي الفلسطينية:
1- عسل الحمضيات وهو من أحسن الأنواع وله رائحة ممتازة وأكثر الأنواع شيوعا.
2- -عسل المراعي والأعشاب البرية، وفيه كثير من الأصناف البرية والجبلية كالزحيف والزعتر والطيون والشومر.
3- عسل السدر وهو نوع مميز في طعمه ولونه العنبري. أما الناحية التكنولوجية فالمقصود بها كيفية فرزه واستخلاصه باليد أو بالفرازة أو إذا كان عسلا بشمعه أو دونه.
مكونات العسل ومحتوياته:
يحتوي عسل النحل على: دكستروز وأملاح ومواد نباتية وانزيمات وحبوب لقاح وماء، وهو سريع التمثيل في الجسم، لأن سكرياته احادية وهي فركتوز وجلوكوز بنسبة 8% يمتصها الجسم مباشرة دون ادنى تعب، وبه املاح وفيتامينات وكثير من المواد الأخرى غير المعروفة، وتبلغ نحو 5% من تركيبه فضلا عن حامض الفوليك، كما يحتوي على 3% بروتين و5% من المعادن.
فوائد العسل وميزاته واستعمالاته:
1- يفيد العسل الأطفال والشيوخ لما له من أنزيمات وكمنشط للدورة الدموية ومولد للطاقة ومنشط للكبد.
2- العسل قاتل للميكروبات: نظرا لاحتوائه على أكثر من 80% من السكر والعسل الأبيض يحتوي على الماء والأوكسجين القاتل للجراثيم الغني بالبوتاسيوم الذي يسحب من الجراثيم رطوبتها اللازمة لضرورة حياتها فتموت من الجفاف.
3- للعسل تأثير فعال في نمو الأطفال المولودين قبل موعد الحمل العادل عندما يضاف إلى لبن الأم، وهو يقوي الأسنان ويقوي نمو العظام في الصغر.
4- ومن العجائب أن العسل لا يتلف الأسنان كباقي السكريات بل يعالج اللثة وقت التسنين، وقد اكتشف الكيميائي الفرنسي "الن كاياس" كميات من الراديوم في عسل النحل، وهذا العسل المشع يداوي كثيرا من الأورام الخبيثة.
5- يقلل العسل في النزلات البردية، ويشفي كثيرا من أمراض العيون كالتهاب القرنية، وهو مضاد للتعفن يجعل الجلد قويا متينا أملس، يستخدم العسل في معالجة الأرق وقلة النوم.
6- يضاف عسل النحل إلى كوب من الحليب الدافئ قبل النوم، فينام من يعانون من الأرق والهواجس ويضاف إلى عصير الليمون للوقاية من نزلات البرد، كما يستعمل كعلاج للكحة وحرقات الحلق ويضاف إلى عصير البرتقال وخميرة البيرة، فيكون مزيجلا مغذيا منشطا فاتحا للشهية ومقويا عاما.
7- يستعمل علاجا لمرضى الخمر لما فيه من سكر الفراكتوز الذي يساعد على أكسدة الكحول بالكبد كما يستعمل مع عصير الليمون لإفاقة مدمني الخمر، ويستعمل في علاج مرضى الكبد لأنه يساعد على ازالة السموم ويبقي تفاعل بعض المواد بالكبد.
8- يستخدم عسل النحل المركز في علاج الحروق وقيل: أن وضع عسل النحل على الحرق يجعله يلتئم سريعا ولا يترك أثرا.
9- ومن الوصفات المجربة التي تظهر معجزات الشفاء في عسل النحل ما لا يعد ولا يحصى... سأذكر أسماء الأمراض فقط إذا لا متسع هنا لذكر هذه الخلطات والتي تعالج: الحساسية، الصرع، والأمراض النفسية، وأمراض العيون وعلاج الإسهال وكذلك الإمساك ، وحموضة المعدة، وقرحة المعدة أيضا لإضطرابات الأمعاء ولفقر الدم، ولنمو الأطفال وأمراض الصدر، للدوالي للأورام الخبيثة، للسل الرئوي، للربو، لضغط الدم والسكري والأمراض الأذن وخشونة الصدر، والبروستاتا والبرص والبهق والسموم.
نتمنى ان تزدهر تربية النحل في بلادنا وان تقاوم المبيدات الحشرية، والسموم المختلفة التي تلوث الأجواء وتؤثر على حياة النحل وعلى نوعية ومنتج العسل، وكذلك جدار الفصل العنصري الذي يعيق مسار النحل ويقلل المساحات المزهرة التي يتغذى عليها النحل، والكل يعلم أن وجود النحل في العالم مؤشرٌ على وجود الحياة الطبيعية السليمة.