مصنع الجبريني للألبان ينتج الكهرباء من روث الأبقار ويزود بلدة الظاهرية بجزء من احتياجاتها

استخراج الغاز من الوقود الحيوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لماذا لا يتم استغلال أكثر المخلفات قذارة وإزعاجا في إنتاج طاقة نظيفة؟ من هذا السؤال، بدأت الفكرة مع مصنع الجبريني للألبان في محافظة الخليل، حيث قرر قبل عامين أن يتخلص من عبء كمية الفضلات الهائلة التي تنتج عن مئات الأبقار في"مزرعة ماشيته" المقامة في بلدة الظاهرية جنوب المحافظة، لإنتاج الكهرباء وتغطية استهلاك المزرعة ضمن ما يعرف بطاقة "الكتلة الحيوية"، مساهماً في الحفاظ على البيئة وتزويد البلدة التي استفادت جزئياً من فائض المشروع.
المستشار التقني للمشروع د. ماهر مغالسة، استفاد من خبرته في دراسة الطاقة المتجددة من بريطانياً، ليساعد في الإشراف على مشروع هو الأول والأضخم فلسطينياًـ يشير الخبير الذي يعمل أيضاً أستاذاً مساعداً في جامعة بولتيكنيك فلسطين، إلى أن بدايات الفكرة جاءت عام 2014 من أصحاب المصنع المتخصص بإنتاج الحليب ومشتقاته، بحثاً عن طريقة عمليّة صديقة للبيئة للتخلص من روث 1200 بقرة (بمقدار 25 كغم لكل بقرة يومياً)، تشكل مخلفاتها التي تخمر بالطرق التقليدية عبئاً يومياً وتنشر الحشرات والروائح الكريهة، عدا عن المشكلة الأخطر وهي انبعاثات غاز الميثان المسببة للاحتباس الحراري. فكان البحث عن تكنولوجيا حديثة متبعة عالمياً عبر تحويل "الكتلة الحيوية" إلى غاز الميثان ومن ثم كهرباء وسماد عضوي صلب وسائل، بحيث يغطي المشروع احتياجات المزرعة من الكهرباء ويتم بيع الفائض لشركة كهرباء الجنوب.
"حالياً تنتج المزرعة 380 كيلو واط من الكهرباء لكل ساعة، ومن المتوقع أن تزيد الكمية إلى واحد ميغا، وفي حال إضافتنا لمحوّل إضافي فستزيد الكمية، ولو قدرنا حاجة بلدة الظاهرية بـ 4-6 ميغا لكل ساعة، فالمزرعة قادرة على تزويد البلدة بربع احتياجها" يقول د.مغالسة.

تدفق روث الماشية في نظام الهاضمة
المشروع الأول فلسطينياً
مولت شركة الجبريني جزءاً كبيراً من رأسمالِ المشروع وفق د.مغالسة وكلفته مليون و 500 ألف يورو، فيما نفذت المشروع شركة هولندية متخصصة، ولعراقيل توريد الأجهزة والمعدات بفعل سيطرة الاحتلال على الحدود استغرقت عملية التشغيل عامين كاملين لينطلق المشروع بشكل شبه نهائي في آب/ أغسطس من عام 2016.
ما يدعو للإعجاب وفق د.مغالسة أن 85% من المتابعين للمشروع هم أيدي عاملة فلسطينية و 15% مهندسون مشرفون هولنديون وإسبان، فيما الموّلد الرئيسي من بلد الماكينات "ألمانيا".
"المشروع هو الأول إقليمياً، مع العلم أن لدى إسرائيل ثلاثة مصانع تنتهج نفس المبدأ" يضيف د.مغالسة.
رحلة الطاقة النظيفة من الروث إلى الكهرباء
بدايةً، يشرح د. مغالسة مبدأ عملية تحويل الروث إلى غاز، والتي تحاكي تماما ذات الطريقة في جسم الإنسان، من خلال حاضنات "هاضمة" Digester تضخ فيها المخلفات الصلبة واليابسة، ( 90% سائل، 10% صلب) يتم وضعها في درجة حرارة مشابهة لدرجة حرارة الإنسان (بين 36 إلى 39 درجة مئوية) للحفاظ على البكتيريا اللازمة لعملية التخمير، التي تتفاعل مع خلاط يتم تحريكه باستمرار مدة 21 يوماً لإنتاج الغاز الذي يصبح مستمراً بلا توقف بعد تلك المدة، ويشتق منه عدة أنواع: الميثان، ثاني أكسيد الكربون، النيتروجين غاز الكبريت، والتي يقوم فلتر خاص بفصل غاز الميثان عن باقي الغازات الضارة التي يتم تنقيتها، ومن ثم يوجه الميثان إلى الـمحول الـ Generator لإنتاج الكهرباء والحرارة التي تستخدم للهاضم.
المخلفات الصلبة والسائلة بعد المعالجة، وفق د.مغالسة، تبلغ 60 طن يومياً وتستخدم كسماد، ميزتها أنها بلا رائحة وغنية بالنيتروجين، يتم حالياً توزيعها على المزارعين والجمعيات التعاونية وبعض مؤسسات المجتمع المدني المختصة بالزراعة، ولكن في المستقبل القريب، سيتم إعداد خط تعبئة وتسويق لبيع السماد في السوق الفلسطيني على نطاق واسع.
"سيدّر إنتاج الكهرباء وبيعه لشركة الكهرباء تقريباً 300 ألف دولار سنوياً. فيما سيوفر بيع السماد المنتج 60 ألف دولار". يقدّر د.مغالسة

مزرعة أبقار- صورة توضيحية
المشروع: ما له وما عليه
من الايجابيات المهمة للمشروع مقارنةً بالطاقة الشمسية عدا حفاظه على البيئة وتقليله من انبعاثات الغازات الضارة بالمناخ، وفق المشرف، أن إنتاج الكهرباء يكون خلال 24 ساعة لأنه غير مقترن بوفرة الإشعاع.
إحدى سلبيات المشروع وفق د.مغالسة هي كلفته العالية جداً مقارنة بالطاقة الشمسية، كما أن سعر بيع كيلو واط الكهرباء نظراً لكون المشروع استثماري منخفض جداً مقابل سعر الشراء، ما يجعل مدة استرداد رأس المال تتطلب 12-14 عاماً، كما أن المحوّل الـ Generator بحاجة إلى تجديد كل ست سنوات.
"نفكر في استغلال 80 دونماً يملكهم المصنع لزراعة الأعلاف مستقبلاً والاستفادة من السماد العضوي في تسميد الأرض، وبهذا تتحول المزرعة إلى معتمدة ذاتياَ على نفسها بالمواد الخام". يقول مشرف المشروع د. مغالسة تفتح المزرعة ومشروعها أبوابها لكل الباحثين والمهندسين والمهتمين بمشاريع الطاقة المتجددة، يختم د.مغالسة، وتجري عليها الكثير من الأبحاث من قبل طلبة الجامعات الفلسطينية، ويمكن تعميم التجربة عبر تطبيقها بإمكانيات بسيطة في مزارع صغيرة لإنتاج الغاز والكهرباء.

نظام الجبريني لإنتاج الطاقة من الوقود الحيوي في الظاهرية
بلدية الظاهرية: نطمح للمزيد
أثنت بلدية الظاهرية من خلال مدير علاقاتها العامة أحمد قيسية على المشروع واصفةً إياه بالصديق للبيئة، وأكدت أن هناك استفادة من الكهرباء التي تزودها المزرعة من خلال ربط إنتاج المشروع مع شركة كهرباء الجنوب "سيلكو"، لكن الكمية الحالية لا تتعدى الـ 5% من استهلاك الظاهرية الذي يصل إلى 8 ميجا في الساعة وخاصةً في موسم الشتاء حيث يزيد الاستهلاك، منوهاً إلى أنه وفي حال تبنت المزارع الأخرى ذات المشروع، فحتما ستعظم استفادة البلدة من الطاقة النظيفة.
وأشار قيسية إلى أهمية المشروع في التخفيف بعض الشيء من مشكلة الروائح والحشرات الناجمة عن روث أبقار المزرعة المعالجة سابقاً بطرق تقليدية، لافتاً إلى أن المشكلة ما زالت قائمة مع انتشار عشرات مزارع الأبقار في المنطقة.
جودة البيئة: توقيعنا على اتفاقية المناخ يخولنا تمويل مشاريع الطاقة المتجددة
مدير مديرية سلطة جودة البيئة في محافظة الخليل بهجت الجبارين، أبدى إعجابه بمشروع إنتاج الكهرباء من الكتلة الحيوية الخاص بالجبريني واصفاً المشروع بـ "الوطني بامتياز"، متمنياً أن تحذو حذوه كل مزارع الأبقار المنتشرة بكثرة في منطقة الجنوب وتحديداً مناطق الظاهرية والصرة وواد الكلاب ودورا، حيث تصل المزارع إلى 17 مزرعة ضخمة للأبقار بعضها يضم ما يزيد عن الـ1000 بقرة، مؤكداً أن دور مديريته هي الرقابة على تلك المزارع عند ورود شكاوي المواطنين لتخفيف انبعاثات الروائح المزعجة وضمان التصريف الآمن لتلك المخلفات الصلبة والسائلة.
"كسلطة جودة البيئة، كنا من أوائل من نفذ مشروعاً تجريبياً Pilot لتحويل الكتلة الحيوية من مزارع الأبقار إلى غاز الميثان وذلك في محطة العروب الزراعية عام 2001". يفخر الجبارين.
وشدد الجبارين على أن إيجاد الحلول الصديقة للبيئة هو من ضمن إستراتيجية سلطة جودة البيئة والتي تركز عليه من خلال "دراسات تقييم الأثر البيئي" التي تُقدّم للموافقة على أي مشروع استثماري (باب الإجراءات التخفيفية)، مشيراً إلى أن بعض المشاريع ذكرت في دراساتها نيتها تحويل مخلفاتها إلى كهرباء مستقبلاً، والمسألة تتعلق بتوفر التمويل لإنجاح ذلك.
ويرى الجبارين أن روث الأبقار منتج اقتصادي مجدٍ وليس مشكلة في حال عولج بالشكل السليم، وبالرغم من أن معظم المزارع لم تحذُ بعد حذو المصنع المذكور، إلا أنها بالتعاون مع الجمعيات الزراعية التعاونية والمزارعين تحاول التخلص الآمن من مخلفات أبقارها العضوية.
ولفت إلى أن التمويل ممكن ومتاح لإنتاج الطاقة الحيوية والمتجددة مع توفر الصناديق الدولية البيئية التابعة للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سلطة جودة البيئة وأهمها التغير المناخي، حيث تتولى السلطة التنسيق مع أصحاب المشاريع الاستثمارية الضخمة والصغيرة، عبر تقديم شهادات التوصية وعناوين المؤسسات المعتمدة لمراسلتها والحصول على التمويل.
ويلخص الجبارين في ختام حديثه ايجابيات مثل تلك المشاريع للطاقة المتجددة سواء الشمسية والرياح والكتلة الحيوية بالتالي: استقلالية القرار الفلسطيني من خلال الاعتماد الذاتي على إنتاج الكهرباء والتخلص من التبعية للاحتلال، وحل مشاكل تزويد القرى بالطاقة. المشروع صديق للبيئة من خلال التخفيف من أثر الغازات الضارة المنبعثة من روث الأبقار عدا الروائح والحشرات. جدوى المشروع الاقتصادية عبر بيع الكهرباء والسماء العضوي. تشغيل الأيدي العاملة، وأخيراً استغلال الماكنات لاستقبال مخلفات عضوية من خارج المزرعة وخاصة تلك التي تضبطها "الضابطة الجمركية" من أغذية فاسدة ومنتهية الصلاحية.

نظام توليد الطاقة من الوقود الحيوي- نحو 380 كيلو واط كهرباء في الساعة
سلطة الطاقة: رغم أن سعر بيع كهرباء المشاريع الاستثمارية أقلّ من الشراء، إلا أنها مشاريع مجدية اقتصادياً
باسل ياسين مدير إدارة الطاقة المتجددة في سلطة الطاقة، يجيب "مجلة آفاق" حول سبب انخفاض سعر بيع كيلو الكهرباء لمصنع الجبريني وبالتالي إطالة مدة استرداد رأس المال للمشروع، بأن الأمر يعود إلى تسعيرة شركة النقل الكهربائية الوطنية والتي تحدد سعر الكهرباء لمشاريع الطاقة المتجددة الاستثمارية بتسعيرة أقل 10% من تلك المشتراة من الاحتلال الإسرائيلي، والتي تبلغ 31 أغورة (سعر التكلفة) لكل كيلو واط مقابل سعر استهلاك يحدده قطاع الكهرباء ما بين (58-62 أغورة)، مشيرا إلى أن خلاف الجبريني حول رفع سعر البيع إلى 34 أغورة/ كيلواط. أما المشاريع المنزلية الصغيرة غير الربحية والتي لا يتجاوز إنتاجها الـ5 كيلو لكل ساعة، فتسعيرة شراء شركة الكهرباء لإنتاجها تكون تشجيعية وأعلى تصل إلى 54 أغورة/ كيلواط.
وعتِبَ ياسين على الجبريني عدم وضع سلطة الطاقة بالصورة منذ البداية والتواصل معهم فقط بعد الانتهاء من انجاز المشروع، مشيرا إلى أن سلطته كانت ستقدم النصح للأخير في اعتماد معدات أقل كلفة من الحالية، بحيث تؤمن له استرداد أقل لرأس المال، وهو ما قدّرته السلطة بـ 8 سنوات كحد أقصى لمشاريع الكتلة الحيوية بدلاً من 14 عاماً.
وأبدى ياسين تشجيع سلطة الطاقة لكل المشاريع التي تعتمد الطاقة النظيفة، مشيراً إلى أن مشروعاً شبيهاً سينفذ قريباً في منطقة جنين.
"نسعى للوصول إلى 25% طاقة متجددة في عام 2020، و 40% عام 2050، والحلم ليس مستحيلاً مع المؤشرات الحالية". ختم ياسين.