خاص بآفاق البيئة والتنمية
كان الزائرإلى البلدة القديمة بمدينة الظاهرية يشاهد أكواماً من الحجارة والنفايات التي تملأ المكان، مشوهةً عراقة البيوت والمعالم الأثرية القديمة، والتي بقيت صامدة منذ عقود تصارع التدمير والاندثار بفعل عوامل الطبيعة وهجرة السكان منها، حتى كادت تلك الظروف أن تساهم في دفن تاريخ بلدة كنعانية يزيد عمرها عن خمسة آلاف عام، لولا عمليات الترميم التي قامت بها بلدية الظاهرية بالتعاون مع مؤسسة رواق، لتعود الحياة من جديد لتلك المباني المتراصة بأقواسها وقبابها.
وبفضل هذا المشروع، تم احياء بيوت من تحت الركام تروي حجارتها الوردية قصة الماضي الجميل لسكانها الجدد الذي عادوا إليها بعد ترميم اكثر من 80% من معالمها، حيث تسعى وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وضع البلدة القديمة بالظاهرية على الخارطة السياحية الفلسطينية بعد تأسيس مسار سياحي داخلي ومتحف لجذب السياح.
|
|
تجمع مواطنين من الظاهرية امام المسجد العمري قبل مائة عام |
تحفة معمارية تراثية في البلدة القديمة بالظاهرية، بعد ترميمها من الداخل |
مسرح للحضارات
حسب إحصائيات مؤسسة "رواق" يوجد في البلدة القديمة بمدينة الظاهرية التي ما زالت تحتفظ بالشكل العام للقرية العربية العتيقة أكثر من 972 مبنى تراثياً قديماً، بالإضافة الى ما يقارب من 32 موقعاً اثرياً متنوعاً، وهذا الرقم يشكل 3 % من التراث المعماري القديم في فلسطين، حيث يضم أبنية متنوعة بأنماطها المعمارية مثل "المساجد والكنائس والحصون والقصور"، والتي تعود لعدة عصور، كالروماني والبيزنطي إضافة الى العصر الإسلامي. ويشكل"الجامع العمري" و"الحصن الروماني" شواهداً على تلك الحضارات، وفي عام 1933 اكتشف الأثري الفلسطيني ديمتري برامكي مدفنا يعود الى العصر الحديدي.
البداية
رئيس بلدية الظاهرية أكرم ابو علان أفاد بأن البلدية واجهت مشكلة كبيرة في بداية تنفيذ المشروع تمثلت بعدم اقتناع أصحاب البيوت بجدوى الترميم، معتبرين أن بيوتهم آيلة للسقوط ولا يمكن الاستفادة منها، ولأن البلدية كانت بحاجة لموافقة أصحابها كشرط لبداية تنفيذ المشروع، كان لا بد من خطوة سريعة تغير النظرة القاتمة وتعيد الأمل لمالكيها. لهذا بدأت مؤسسة رواق بتنفيذ أول خطوة لها عام 2004، وتم اختيار احد المباني الكبيرة "الخوخة" للترميم، وبعد النجاح في إعادة الزخرفة المعمارية والهوية الحضارية لهذا المبنى، تغيرت نظرة الأهالي، حيث أصبحوا يلجأون إلى البلدية لترميم مبانيهم وعادت بعض هذه العائلات للسكن في منازلها القديمة.
ولفت ابو علان إلى أن عمليات الترميم توالت وازدادت الدول الممولة لهذا المشروع المنفذ على خمس مراحل، وكان لاحتفاظ البلدة القديمة بطابعها المعماري القديم الأثر الكبير في استقطاب المهتمين من مختلف دول العالم للمساهمة في التمويل، ومن هذه المباني مركز فوزي باشا التركي والقيصرية وعدد من "الأحواش" مثل حوش رباع والطلول والحصن.
|
|
مبنى الخوخة في البلدة القديمة بالظاهرية، بعد الترميم |
منظر عام للبلدة القديمة في الظاهرية قبل مائة عام |
عودة السكان
وأضاف ابو علان: "من أجل الحفاظ على عمليات الترميم التي أنجزت في البلدة القديمة وخوفا من ان يعود الخراب ليخيم مرة ثانية على بيوتها، قامت البلدية بتشجيع المواطنين على زيارتها يوميا من خلال منح جزءٍ كبيرٍ من مبانيها للمؤسسات الأهلية والعامة والخاصة، التي تقدم خدمات لسكان البلدة حيث تم فتح مقرات للداخلية والمحكمة الشرعية وشركة كهرباء الجنوب وغيرها من المؤسسات. كما هيأت الأجواء لفتح الاستراحات والمطاعم والنزل لتكون جاهزة لاستقبال الوافدين إليها من خارج البلدة، كما تم تنظيم العديد من المهرجانات الثقافية والمتاحف للترويج للبلدة القديمة".
ولاستقطاب المتسوقين والتجار، أشار أبو علان إلى قيام البلدية بإعادة تأهيل وترميم السوق التجاري القديم المؤدي الى مبنى القيصرية، حيث تم ترميم اكثر من 50 محلاً تجاريا قديماً، واليوم يستعد أصحابها الى إعادة تشغليها.
مساحات خضراء
تتميز البلدة القديمة بوجود العديد من الأشجار القديمة التي تنمو بين شقوق الصخور وعلى جدران بعض المباني، مشكّلةً لوحات فنية كونتها الطبيعة في تناسق جميل يجمع بين الأغصان الخضراء والحجارة الوردية، كما عملت البلدية على زيادة المساحات الخضراء من خلال زرع مئات أشجار الزينة والأحراج.
|
|
احد الاحياء القديمة في الظاهرية بعد وقبل الترميم |
السوق التجاري في البلدة القديمة بالظاهرية قبل وبعد الترميم |
5 سنوات
ميشيل سلامة من مؤسسة رواق، يفيد بأن البلدة القديمة بالظاهرية تتميز بترابط مبانيها التراثية الضخمة، وامتداد بيوتها في بقعة جغرافية واحدة، مما ساعد في عمليات الترميم وربط أجزائها بشبكة من الطرق لتسهيل وصول المواطنين إليها، لتحقيق أهم هدف من أهداف المؤسسة ألا وهو عودة السكان لبيوتهم، حيث احتاج هذا الهدف الى 5 سنوات من العمل المتواصل.
جذب السياح
مدير عام وزارة السياحة والآثار في الجنوب الدكتور احمد الرجوب الذي زار البلدة القديمة بمدينة الظاهرية ضمن برنامج تأسيس مسارات سياحية لوضع محافظة الخليل على الخارطة السياحة الفلسطينية قال: "احتواء البلدة القديمة بالظاهرية على مباني متنوعة بأنماطها المعمارية، وتعاقب العديد من الحضارات على المكان، إضافة الى نجاح عمليات الترميم في إعادة الزخرفة والفن المعماري لأبنيتها، كل هذا جعلها تشكل جزءا أساسيا للسياحة المستدامة في الخليل، مؤكداً ان الوزارة تعمل على إعداد خارطة سياحية للمكان، وتعيين دليل سياحي إضافة الى تأسيس مسار سياحي داخلي ومتحف لجذب السياح".
وأشار الرجوب إلى أن هناك خطة لتأسيس مسار سياحي يربط الظاهرية ببلدة يطا، لاحتواء الأخيرة على بلدة قديمة تعمل مؤسسة رواق على ترميمها في هذه الأيام، حيث تطمح وزارة السياحة من تأسيس هذه المسارات إلى تشجيع السياحة الثقافية والحضارية والبيئية، من اجل استقطاب السياح لزيارة المعالم التراثية في قرى وبلدات محافظة الخليل.
تعاون المؤسسات في إعادة الحياة الى البلدة القديمة بالظاهرية من خلال إبراز حضارة وعراقة المكان، حتما يحتاج الى خطوة أخرى تتمثل بنجاح تلك المؤسسات بالترويج لهذا الموروث الحضاري ليصبح مقصدا للسياح.
|
|
حوش رباع في الظاهرية والساحة المحيطة به قبل وبعد الترميم |
فندق صغير في البلدة القديمة بالظاهرية، قبل وبعد الترميم |
|
|
مبنى الحصن في البلدة القديمة بالظاهرية، قبل وبعد الترميم |
مبنى الخوخة في الظاهرية قبل وبعد الترميم، وتستخدمه حاليا شركة الكهرباء |
|
|
مبنى الداخلية والمحكمة الشرعية في الظاهرية قبل وبعد الترميم |
مدخل البلدة القديمة في الظاهرية قبل وبعد الترميم |
|
|
مركز فوزي باشا التركي في البلدة القديمة بالظاهرية قبل وبعد الترميم |
|