خاص بآفاق البيئة والتنمية
عند المدخل الجنوبي لمدينة جنين، تقع أطول الأنفاق المائية في فلسطين، انه نفق بلعمة المائي الذي تعود حقبه التاريخية لعام 1300 قبل الميلاد، حيث كان النفق يعد ممرا مائيا لسكان خربة بلعمة، يحصلون على الماء عن طريقه من خلال نبع ماء موجود داخل النفق الذي كان يسهل خروجهم منه أثناء الحروب، كما استخدم في الحروب الصليبية كمرابط للخيل. يبلغ طول النفق 115 مترا، ولا يمكن التوسع والاستمرار به لأسباب سيكشفها التحقيق.
تاريخ خربة بلعمة
تعرف خربة بلعمة بموقع "ابليعام" الذي ذكر في المصادر التاريخية المصرية، كما وذكر الموقع باسم "بيلموث "في المصادر الرومانية البيزنطية، وقلعة "كالتسليوم بيلايزموم" في المصادر الفرنجية، وتحتل الخربة موقعا استراتيجيا يسيطر على المعبر التاريخي المؤدي إلى سهل (مرج ابن عامر) وهي الآن تقع على يمين الداخل إلى جنين من الباب الجنوبي لها، وإحدى الروايات تقول: "إن خربة بلعمة كان يحكمها ملك يدعى "بلعام" وفي احد الأيام نزل عند "عين السنجب" القريبة من النفق جماعة من قوم ما، فطلب أهل المدينة من بلعام أن يلعنهم حيث كان يملك القدرة على اللعن، لكنه رفض، فألحوا عليه ثانية، فقرر أن يمتحن القوم فقرر إنزال نساء بلعمة إلى عين الماء عاريات، فاستدار القوم خجلا وتناولوا الماء من وراء ظهورهم، إلا أن الأهالي ضغطوا على بلعام من جديد، فلعن القوم وفقد قدرته على اللعن، وبذلك احتفظت الرواية الشعبية باسم " بلعمة " من خلال الملك الأسطوري بلعام.
 |
 |
بئر عين داخل نفق بلعمة |
رسومات على حجارة نفق بلعمة |
أقدم المواقع المكتشفة في فلسطين
مدير عام وزارة السياحة في جنين خالد ربايعة يقول: "اكتشف النفق في عام 1996 أثناء أعمال توسعة شارع جنين–نابلس، الأمر الذي استدعى إجراء تنقيبات عاجلة عند مدخل النفق لإنقاذه، وفي عام 1998 أجرينا تنقيبات واسعة النطاق في أطار مشروع مشترك بين دائرة الآثار وجامعة لايدن في هولندا فتمكنت دائرة الآثار من اكتشاف 115 مترا من النفق وتفاجأنا أن النفق يمتد متعرجا في الوقت الذي كنا نظن فيه أن النفق يسير مستقيما، الأمر الذي زاد من صعوبة التنقيب، على اعتبار أن الخط المستقيم هو اقصر الطرق بين نقطتين. ويضيف ربايعة: "في عام 1999 جرت أعمال ترميم لمدخل النفق، تلاه مشروع تأهيل النفق كموقع سياحي في إطار مشروع تشغيل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
ممر مائي آمن
بين ربايعة "أن النفق يمثل مراحل حضارية مختلفة تمتد من بداية العصر البرونزي المبكر حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، حيث يعود الفخار المكتشف فيه إلى الفترات البرونزية والحديدية والفارسية والهلنستية والرومانية والبيزنطية والأموية، كما أن هناك كتابات فينيقية تعود للقرن السابع قبل الميلاد. مشيرا إلى أن أهمية النفق تكمن في كونه ممرٌ مائي امن لسكان خربة بلعمة، ففي داخل النفق يوجد بئر ماء وبداخله عين ماء بلعمة، فكان سكان خربة بلعمة ينزلون إلى النفق لجلب المياه في أوقات الحروب وعدم الاستقرار.
أجزاء النفق
يؤكد جهاد ياسين مسؤول قسم التنقيبات في وزارة السياحة " أن النفق المائي يتشكل من ثلاثة أجزاء وهي، المدخل المقبب، والجزء المدرج الصاعد المقطوع من الصخر، ثم الممر الضيق المبني بالحجارة، ويبلغ طول القسم المستكشف حتى الآن 115 متراً مقطوعة في الصخر و57 درجة، ويوجد للنفق ثلاثة مداخل، والنفق مزود بنظام للإضاءة عبارة عن فتحات بالصخر لوضع الأسرجة عليها".
وأضاف أن التنقيبات الأثرية أظهرت مكونات النظام المائي في القسم السفلي والذي يتشكل من خزان ماء كبير وحوض مقطوع في الصخر وأحواض لجمع الماء عند المدخل.
 |
 |
غرف قديمة فوق نفق بلعمة |
مدخل نفق بلعمة قبل الترميم |
فتحة في السقف
تحدث ياسين عن وجود فتحة في سقف النفق هي حديثة العهد، بدليل اختلاف نوع القطع بينها وبين القطع الأصلي، واستحدثت لانتشال الماء من العين دون الذهاب إلى المدخل، الذي يبدو انه كان مغلقا بالردم آنذاك، والفتحة تسير بخط مستقيم إلى البئر. وعن المواد الأثرية المكتشفة خلال أعمال التنقيب في النفق يقول:" تم اكتشاف كتابة فينيقية على كسرة فخارية من القرن السابع قبل الميلاد، إضافة إلى قطع وأواني فخارية أخرى تعود إلى الفترات البرونزية والحديدية والفارسية والرومانية والبيزنطية والأموية، إضافة إلى مجموعة من الأسرجة وتماثيل حجرية تمثل وجوها آدمية، والعاب ونقوش حجرية لمحارب وفرس ونقوش أموية، وفلكة الغزل والطوابين وقطع نقود قديمة.
بوابة لا تفتح... تنتظر التمويل اللازم
بعد أن تجولنا داخل النفق اصطدمنا ببوابة لا تفتح وتمنع الاستمرار في اكتشاف النفق، وعن سبب توقف الحفريات الاستكشافية عند هذا الحد تحدث ربايعة "استكمال البحث والتنقيب في الجزء غير المستكشف من النفق والأجزاء المحيطة بالمبنى الواقعة خلف المدخل بحاجة إلى تمويل وميزانية ضخمة، فأثناء الحفريات التي تمت بالشراكة مع الهولنديين اصطدمنا عند هذا الحد ببناء يغلق النفق، وانهيارات صخرية تشكل خطورة كبيرة على العاملين في الموقع، وعلينا أن نحدد طبيعة البناء وهدفه وأهميته، قبل اتخاذ القرار، وما إذا كنا سنفتح ثغرة فيهلاستكمال الحفر، أم سنفتح ثغرة جانبية تتجاوز البناء، وهذا يتطلب معرفة اتجاه النفق الذي لا يسير بشكل مستقيم، ومعرفة الاتجاه يقتضي إجراء اختبارات جيوفيزيائية تتطلب تمويل وميزانية باهظة، الأمر الذي اضطرنا لطمر الحفريات، رغم أنها كلفت ملايين الدولارات وذلك حفاظا على المعالم التاريخية المكتشفة إلى حين توفير التمويل اللازم لاستكمال استكشاف النفق".
أبناء البلد... يجهلون بلعمة
من الملفت للنظر عدم دراية ومعرفة أبناء جنين خاصة، وأبناء المحافظات الأخرى عامة بموقع نفق بلعمة، فالذين زاروا النفق محدودون، ومن يعرفون عنه قلة قليلة.
تجولت "مجلة آفاق البيئة والتنمية" في شوارع جنين واستطلعت آراء البعض حول النفق: رائد فقها (23) عام، من مخيم جنين أكد انه لم يسمع بالنفق من قبل متسائلا: أين يقع بالضبط؟ أما هنية عمران (33) عام من بلدة اليامون قرب جنين تقول: "سمعت عن نفق بلعمة، ولكن لم أزره حتى الآن، ولا اعلم أين يقع، فنحن دائما نبحث عن الأماكن الترفيهية والملاهي لنرضي رغبات الأطفال"، من جهته مهند عبوش (45) ويعمل مدرسا في إحدى مدارس جنين يقول: "لو كان نفق بلعمة موجودا في بيت لحم أو أريحا، لكان معلما اثريا بارزا تتحدث عنه وسائل الإعلام ويزوره السياح، ولكن وجوده في جنين جعله مهملاً مثل عشرات المواقع الأثرية في المحافظة".
 |
 |
نفق بلعمة من الخارج |
نفق بلعمة من الداخل |
دور الوزارة في الترويج السياحي
أشار رئيس قسم السياحة في وزارة السياحة والآثار في جنين سليمان النمر، أن جنين لم تأخذ حقها في الترويج السياحي بسبب الظروف التي تعاقبت عليها، فقبل مجيء السلطة كان النفق مكبا للنفايات، وتعطل العمل به خلال انتفاضة الأقصى بسبب الظروف الأمنية والسياسية، ويضيف:" نحن اليوم في قسم السياحة بصدد إعداد وتحضير خطة للترويج السياحي للنفق خاصة والمواقع الأثرية الأخرى في المحافظة، تقوم على الربط بين المناطق الأثرية المؤهلة سياحيا في محافظة جنين، بحيث يتم التنسيق مع شركات السياحة والجامعات والوزارات على أن يقوم الوفد الزائر بزيارة هذه الأماكن الأثرية في رحلة واحدة وضمن تنسيق مسبق، بحيث يزور نفق بلعمة ثم يتوجه إلى كنيسة برقين ثم إلى قصور عبد الهادي في عرابة ثم إلى قلعة صانور وهكذا، وعملت الوزارة على إعداد بروشور عن النفق بالتعاون مع مؤسسة التعاون الألماني".
باب مغلق بحاجة إلى موظف
يتابع النمر:" تم افتتاح النفق بشكل رسمي قبل ثلاث سنوات وتم تعيين موظف بدوام كامل في غرفة استعلامات النفق يستقبل وفود الزائرين ويقدم لهم شرحا مفصلا عن تاريخ وأجزاء النفق، إلى أن تعرض النفق العام الماضي في ظل المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة إلى تدفق الماء في كل أجزائه من الخارج ومن البئر الموجود في الداخل، بشكل كبير وتم استدعاء أجهزة الدفاع المدني لشفط المياه التي أدت إلى تلف التمديدات الكهربائية، وأعمدة الإنارة ونظام الكاميرات، فالنفق بحاجة إلى تركيب مضخة ضخمة لشفط المياه المتدفقة إلى النفق تلاشياً لتكرار ما حدث في السنوات الماضية".
إعادة تأهيل وصيانة
وأكد سليمان النمر أن مديرية السياحة والآثار في جنين تنوي توظيف موظف استقبال بدوام كامل قريبا في الموقع، لاستقبال الزوار وتقديم شرح مفصل لهم عن النفق، بعد الانتهاء من مشروع إعادة تأهيل وصيانة النفق من الداخل والخارج بالشراكة بين الوزارة ومؤسسة التعاون الألماني، وأشار إلى أن المشروع سيتضمن عمل صيانة للتمديدات الكهربائية وأعمدة الإنارة ونظام الكاميرات والأبواب، إضافة إلى وضع لافتات إرشادية وتعريفية عن النفق باللغتين العربية والإنجليزية، وإعادة طباعة البروشور بأكثر من لغة".
نقوشات اسلامية على حجارة نفق بلعمة
دور المحافظة
بدوره ربيع ياسين ممثل المحافظة في لجنة تنشيط وترويج السياحة في جنين، طالب وزارة السياحة بضرورة الإسراع في إعادة تأهيل وتنظيف وصيانة نفق بلعمة، لينعكس على الاقتصاد المحلي للمحافظة، لافتا إلى المكانة التاريخية التي تحتلها محافظة جنين بسبب الموقع الاستراتيجي والمعالم الأثرية والدينية فيها، والتي تزيد عن 400 موقع، مبينا أن المحافظة تقوم بين الحين والآخر بتنظيم حملات تطوعية لتنظيف موقع نفق بلعمة وتجميله.
مواقع أثرية كثيرة تتميز فيها جنين، ونفق بلعمة يعد من أبرزها، وقد كشفت التنقيبات والحفريات انه أقدم نفق مائي في فلسطين، ويبقى السؤال الأهم ماذا بعد البوابة المغلقة، وهل هناك امتدادات أخرى للنفق؟ لربما سيبقى السؤال بلا إجابة إن غاب التمويل اللازم لاستكمال التنقيب في الموقع.

فتحة في سقف نفق بلعمة