خاص بآفاق البيئة والتنمية
اقتصاد جنين
يورد المؤرخ مخلص محجوب الحج حسن السعيد في كتابه ( جنين ماضٍ وحاضر) وصفًا لاقتصاد جنين الزراعي، فيقول:" حصلت المدينة على المرتبة الأولى عام 1945 في أقضية فلسطين الستة عشر والألوية الستة في إنتاج السمسم (2177) طن، والمرتبة الثالثة في محصول الذرة البيضاء (3921) طن، والثانية في القمح (6195) طن، وذكر المؤرخ بأن كثيراً من شبابنا لا يعرفون نبتة السمسم ولا حبة الذرة البيضاء، التي ارتبطت بالكردوش الذي لا يؤكل رغيفه (قرصه) إلا ساخنًا، نظرًا لما يعتري خبيز معجون دقيقها من تحجر إذا برد، وقد قيل فلان مؤنته ذرة كناية عن العسر، ثم تلاشت زراعتها لحلول الذرة الصفراء محلها، صاحبة الدعاية الزيتية، والمستعملة أيضاً سلقًا أو شيًا أو قلياً ( بوشار). كما حلت جنين بالمرتبة الثانية في محصول اللوز (1731) طن، والمرتبة الثالثة في إنتاج التين( 632) طن، مشيراً إلى أن جنين المدينة افتقدت شجرة التين الطيبة، إثر تعرضها للآفات الزراعية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبلغ منتوج الزيت (9000) طن آنذاك"
ووفق السعيد، فإن أسباب تراجع اقتصاد جنين يتلخص في خسران جنين لأكثر من (298) ألف دونم عام 1948 من خيرة أراضيها، كانت موزعة على 14 قرية، عدا عن نضوب مياهها، وابتلاع الزحف العمراني المريب لبساتين سهولها المروية، وإحجام الكثير عن العمل الزراعي.
أطفال روضة طوباس الخضراء
حنين
يبوح الثمانيني عبد الرازق حسين قوزح بتفاصيل تفيض بالحنين لمسقط رأسه، في قاقون، وعلاقته بالأرض، ومقاعد الدراسة، وملامح بيت عائلته، ولحظات الاقتلاع من القرية، التي تستلقي على أرض سهلية، في الشمال الغربي من طولكرم وعلى بعد ستة كيلومترات منها.
يقول: كان تجاورنا من الشرق قرى: شويكة وبير السكة ويما، ومن الناحية الغربية وادي القباني ووادي الحوارث، وخربة الجلمة وخربة المجدل وجت شمالًا، ومن الشمال الغربي زلفة والمنشية. وكانت تمر من بلدتنا سكة الحديد الموصلة بين طولكرم وحيفا.
ويتتبع بتجاعيد وجهه وكوفيته: لا أنسى أراضي قريتنا، فقد كنا نزرع البطيخ والشمام والكثير من الخضروات الصيفية، وأتذكر كيف كان والدي يحفر عدة حفر بعمق ثلاثة أمتار، وبعرض مترين لنجمع فيها الماء، ثم نوزع الماء على المزروعات. وقد كانت أرضنا خصبة، ورأيت في طفولتنا الكثير من حفر جمع المياه، ومن أراد أن يروي بيارات الحمضيات كان يحفر بئراً عميقًا.
كان قوزح يوزع وقته بين المدرسة والحقل ورعي الأغنام، وفي بعض المناسبات أعتاد الذهاب سيراً على الأقدام إلى البحر، فقد كان يحتاج لساعة مشي، ولم يكن يجيد السباحة، وفي الصيف، كان يساعد والده في غسل قطيع الماشية.
وبحسب قوزح، فقد كان منزل عائلته على مفرق طرق تودي إلى حيفا وطولكرم والقرى المجاورة، وكان سقف المنزل من جسور الحديد الثقيلة ( دوامر)، وعقد كبير، وأمكنة خلفية من الحجارة مخصصة للأغنام، فيما استغلت العائلة الحديقة الخلفية (الحاكورة) لزراعة الكوسا.
يستذكر الراوي، الذي أبصر النور عام 1933 عائلات قريته، ومنها: أبو هنطش (أكبر حامولة)، وعائلات صغيرة وأخرى متفرعة مثل عرفة، والهوجي، الشوربجي، والحافي، ونايفة، والشيخ غانم، والشولي، وبرية، والقوزح، وكوكاز، وغيرها.
يوالي: في حزيران عام 1948 كنت أرعى الغنم في حقل للذرة البيضاء، وشاهدت دخناً قريب من بيتنا، وعندما عدت، أخبرني والدي أن قوات الهاغاناه قصفت قذيفتين على القرية بجانب منزلنا، وقد أدت واحدة منهما إلى مقتل أربعة عشر وجرح 26. وبعد وقت قصير قرّر والدي الخروج.
تنقل قوزح بين طولكرم ومخيم بلاطة ومنطقة البقيعة، ثم استقر في الفارعة، لكنه لا ينسى قاقون، التي تفيد مراجع تاريخية أنها تعني باللغة التركية البطيخ الأصفر أي الشمام؛ ووفقه سميت القرية لاشتهارها بزراعة البطيخ. بينما بلغ عدد سكانها عام 1948 نحو 2300.
الانتشار العشوائي للنفايات في شوارع مدننا وقرانا ومخيماتنا أبرز معضلة مرئية للبيئة
تدريب أخضر
تتابع أطفال روضة طوباس الخضراء، وتجربة مركز التعليم البيئي للسنة الثالثة، وفيها يشرع الصغار في عداء فكرة الاستخدام البلاستيكي المفرط للأشياء، فيستغنون عن الأكياس البلاستيكية، ويصادقون حافظات الطعام متعددة الاستعمال. يفرح الأطفال بالخلاص من الأكياس، ويتعلمون أنها تلوث بيئتهم؛ لأنها تظل عصية على التحلل. وفي كل يوم يحضرون طعاما يخلو من النقانق والمرتديلا.
تقول تلال وسام، وسيدرا حسام، وإيمان عبد الرحيم، وعلان معمر، ومنة صوافطة، وسديل معتز، إن الزعتر واللبنة والمربى والجنبة البيضاء أحسن من الأشياء التي لا نعرف كيف تصنع.
ويحمل الصغار في عرض بيئي علبهم الملونة، التي يعيدون استعمالها كل يوم، ويستعدون لزراعة حديقة قريبة من روضتهم. وقد أطلقت النساء بمبادرة من رئيسة الجمعية مها دراغمة ستبدأ في تنفيذها خلال الشهر القادم، لزراعة حديقة تعليمية لأطفال الروضة الصديقة للبيئة، وتدريب الأطفال فيها على العناية بالمزروعات، والمشاركة في زراعتها وقطافها، وصناعة مأكولات تراثية من محصولها.
وقالت دراغمة إن الحديقة المجاورة لمقر الجمعية، ستكرس في أطفال الروضة القيم البيئية، وتعلمهم التمسك بالأرض، وتغرس فيهم فكرة الإنتاج والاعتماد على الذات، وستوفر لهم فضاءً لتنفيذ رحلات ترفيهية وتعليمية خلال الربيع القادم.
وأضافت إن المزروعات ستحمل أسماء الأطفال، وسيتشارك الصغار والأمهات معًا في زراعتها وإزالة أعشابها وقطفها، وهي مفاهيم حرصت الروضة الصديقة للبيئة التي أطلقها" التعليم البيئي" والجمعية ووزارة الإعلام عام 2012 على تكريسها.
المزارع الثمانيني عبد الرازق حسين قوزح
طوفان
تشكل النفايات أبرز معضلة مرئية للبيئة، ولا تكاد مدينة أو قرية أو شارع يخلو منها. ويشكل هذا التحدي أيضًا قصة يومية نعيش فصولها القاسية. كمثال، أراقب الشارع الرئيس المجاور لمنزلي الذي جرى تعبيده وتوسيعه بمبالغ طائلة، لكنه تحول إلى مكب لنفايات عشوائية. ومن الشواهد الدالة على التلويث المقصود مثلاً: روث الأغنام الدائم، بقايا مواد البناء التي تسقط من الشاحنات ولا تجد من يزيلها، أغصان الحطب التي لا يجد أصحابها غير الرصيف لوضعها فوقه، النفايات التي تلقى بجانب الحاويات، نفايات عشوائية تتطاير في الهواء، مواد بناء وأسمنت يتركها أصحابها في الشارع دون تنظيف، زيوت سيارات وجرارات زراعية متهالكة، حجارة، آثار حفر متعمدة.
تحاور أعضاء من المجلس البلدي، وتطلب منهم تدخلاً لحث الناس على النظافة، وفرض إجراءات تجبرهم على ذلك، لا تجد استجابة تذكر، ويدعي الجميع أن البلدة أنظف من غيرها.
تعود لأرشيفك القديم وتقرأ بيانا انتخابياً للحزب الفائز، وفيه يقول هؤلاء ضمن البند السادس: "الارتقاء بمستوى نظافة البلدة بما يليق بأهلنا، وزراعة أشجار الزينة حيثما أمكن، تحقيقاً لشعارنا " برقين نظيفة وجميلة"!
ما هو مبرر استمرار الانتشار العشوائي للنفايات في شوارع وأزقة العديد من القرى والمدن الفلسطينية
aabdkh@yahoo.com