إتلاف الزيبار لأرض زراعية في منطقة سلفيت
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعتبر مخلفات عصر الزيتون السائلة المعروفة باسم عكر الزيت " الزيبار" معضلة رئيسية تواجه البيئة الفلسطينية في أريافنا الفلسطينية لما لها من تبعات سلبية وكارثية على التربة والإنسان وحتى الأشجار نفسها.
حيث يعرف عكر الزيت " بأنه عبارة عن المخلفات السائلة الناتجة عن عصر الزيتون، وهو يحتوي على نسب عالية من المركبات ( polyethnol) الذي يمنع عوامل الأكسدة في التربة، حيث يحتوي كل لتر من عكر الزيت على5 غرامات من المركبات الفينولية السامة، التي تؤثر على الأنسجة الحية والجهازين التناسلي والبولي عند الإنسان.
ويعد " الزيبار" بحد ذاته مخالفة كبيرة تصدر عن قسم لا بأس به من المعاصر الفلسطينية غير الملتزمة بشروط الصحة العامة والقوانين التشغيلية للمعاصر في فلسطين، لتساهم في بث المزيد من الضرر وحدوث فجوة بيئية كبيرة لا يحمد عقباها.
وبموازاة ذلك بتنا نسمع كثيرا من التصريحات الصادرة من الجهات الرسمية المسؤولة عن وضع قوانين وعقوبات صارمة بحق المعاصر المخالفة خلال موسم الزيتون، وحول آلية التعامل مع المخلفات السائلة الزيتية " الزيبار"، ولكن مع الرغم من ذلك لا تزال المشكلة في تفاقم وازدياد، ما يدق ناقوس الخطر لضرورة مراجعة التشريعات المعمول بها وفرض المزيد من الأنظمة التي تنظم المعاصر، بالإضافة الى إغلاق تلك المخالفة منها لما لها من أثر سلبي يفوق ايجابياتها.
الزيبار المتدفق في في أراضي سلفيت الخصبة
تجدد المعاناة سنويا
تعد منطقة "واد الشاعر" من المناطق الجمالية الأخادة في سلفيت، كأنها لوحة فسيفسائية جميلة تعكس الواقع الجمالي الساحر، عدا عن كونها حقل من حقول الزيتون الرومية التي تشتهر بها محافظة سلفيت، ناهيك عن توفر الينابيع المائية فيها، إلا أنها تواجه في كل عام معضلة كبيرة تتمثل في انسياب المياه الملوثة من أحد المعاصر المتواجدة هناك في الوديان القريبة، والنتيجة الحتمية هي إلحاق الضرر بالأشجار وتدمير التنوع البيئي الفريد هناك، ناهيك عن الخطر الذي قد يصيب الينابيع المائية المنتشرة عبر تلوثها مع عكر الزيت "الزيبار"، ومنها تبدأ المشكلة وتنتهي بتلف عدد من الأشجار وتلوث التربة الزراعية مما يفقدها خصائصها الطبيعية.
ولم تكن مدرسة دير أبو مشعل شمال محافظة رام الله بأحسن حال، حيث أصبحت هي الأخرى ضحية من ضحايا " الزيبار" المنساب من إحدى المعاصر التي تقع شمال القرية، حيث ينساب " الزيبار" عبر قنوات خاصة موجودة في المعصرة بإتجاه الأودية لينتهي بها المطاف صوب مدرسة دير أبو مشعل للذكور بشكل يندب له الجبين.
جهود خجولة
من جهته أكد المهندس محمد فطاير مدير زراعة محافظة طولكرم "أن هناك قوانين تشغيلية صارمة تطبق على جميع المعاصر في المحافظات الشمالية من خلال وزارة الزراعة ولجنة السلامة العامة في كل محافظة بصفتها الجهة الرقابية على ترخيص ومتابعة المعاصر، ولكن رغم هذا تحصل هناك مخالفات تنتج عن ضخ " الزيبار" باتجاه الأودية والأراضي سواء أكانت الأراضي بور أو حتى كانت مزروعة لتدمر بذلك التنوع البيئي وتخلق مشكلة يصعب التعامل معها مستقبلا، ورغم هدا – كما يشير المهندس فطاير- نحاول الحد من المشكلة قدر الإمكان.
سيل الزيبار في واد الشاعر الخصب بمنطقة سلفيت
سلطة المياه الفلسطينية ... عكر الزيت قنبلة موقوته لتدمير منظومة الصرف الصحي
وحول الآثار الكارثية لعكر الزيت التي تمس المواطنين أو حتى المصادر المائية، تحدث السيد عادل ياسين القائم بأعمال مدير عام التخطيط في سلطة المياه الفلسطينية لمجلة آفاق " أن هناك معضلة كبيرة تواجهنا في كل عام تتمثل بقيام عدد كبير من معاصر زيت الزيتون بالتخلص من عكر الزيت عبر شبكة الصرف الصحي مباشرة دون أي معالجه، مما يؤثر بشكل سلبي على الشبكة نفسها من خلال اختلاط المواد السامة الموجودة في عكر الزيت وهي عبارة عن خليط الفينول " polyphenol مع مياه الصرف الصحي، وبالتالي يشكل ذلك خطرا جسيما على فعالية محطات التنقية المربوطة مع شبكات الصرف الصحي، وينتج عنها في نهاية المطاف مياه مكررة سامة للنبات وللتربة.
وهناك مشكلة أخرى تنتج عن عكر الزيت " الزيبار" – كما يشير السيد عادل ياسين- والمتمثلة بصهاريج النضح التي تعمل هي أيضا على نشر التلوث عبر نقل الزيبار من المعاصر المنتشرة في أريافنا، حيث يتم نقل الزيبار من الحفر الامتصاصية في كل معصرة عبر صهاريج النضح ليتم التخلص من معظمها عبر إلقائها في الأودية القريبة، والتي تكون قريبة من الآبار الجوفية أومن المزارع المجاوره.
ومن الملفت للانتباه أن تلك المادة الزيتية " الزيبار" تنساب خلال الأتربة والوديان لتشكل خطراً حقيقياً يهدد المياه الجوفية، وقد يهدد النباتات نفسها بفعل التراكمات السلبية الناتجة عن تلك الملوثات القاتلة التي تحتوي على نسب عالية من المواد العضوية والبولي فينول السام.
ويسبب الزيبار الناتج عن المعاصر تدهوراً في موارد المياه، ينعكس في تغيير لون المياه وظهور طبقة من الزيت على سطحها، ونقص في الأكسيجين. كما يؤثر على نوعية التربة وتسمّم الحياة النباتية، ويسبب انبعاث روائح مزعجة عند تصريفه إلى التربة.
سلطة جوده البيئة الفلسطينية.... لا توجد رقابة فاعلة على مخلفات المعاصر الفلسطينية
وأشار المهندس جميل المطور نائب رئيس سلطة جودة البيئة الفلسطينية: "للأسف الشديد هناك خرق واضح للتعليمات والقوانين ولا نستطيع نحن تتبع كل حالة فلا توجد رقابة رسمية 100% على مخلفات المعاصر سواء أكانت الجفت أو حتى عكر الزيت، حتى الرقابة الذاتية من قبل أصحاب المعاصر فهي شبه معدومة أيضا.
وأكد – المهندس المطور- أن هناك ضعف في الإمكانيات من جانب، وسيطرة الاحتلال الكاملة على المناطق المصنفة جـ من اتفاق أوسلو من جانب آخر، عدا عن عدم التعاون الحقيقي في معظم الأحيان بين الجهات الرقابية والمسؤولة.
ونحن – كما يشير المطور- نقوم بالتنسيق مع الجهات الرسمية بعمل تقييم للأثر البيئي عند ترخيص كل معصرة ولكن على أرض الواقع لا تطبق النتائج بشكل فاعل.
وزارة الزراعة... اللوائح التنفيذية للنفايات الزراعية تخلو من أي بند يتعلق " بالزيبار"
تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من وجود لوائح تنفيذية خاصة بالمخلفات الزراعية الذي عكفت وزارة الزراعة على إعدادها في عام 2000م ، إلا أنها على ارض الواقع قد خلت من أي إشارة الى مخلفات عكر الزيتون، فقد يكون الاهتمام بتلك المشكلة محدودا بصفتها مشكلة موسمية تقتصر فقط خلال موسم الزيتون.
ولكن بحسب ما أكد المهندس رامز عبيد رئيس قسم الزيتون في وزارة الزراعة، فإن وزارة الزراعة تعكف حديثا على سن عدد من التشريعات من ضمنها تنظيم آلية التخلص من عكر الزيتون بشكل يكفل عدم الإضرار بالبيئة الفلسطينية.
ففي الضفة الغربية – كما أشار المهندس عبيد- يوجد 300 معصرة لزيت الزيتون، السواد الأعظم منها يقع تحت رقابة وزارة الزراعة، ولكن رغم هذا هناك تعديات كثيرة من أصحاب المعاصر حول آلية التعامل مع مخلفات عصر الزيتون، ومن هنا وجب علينا وضع المزيد من الخطط والبرامج للحد من تلك المخلفات قدر الإمكان.
سيول الزيبار المختلطة مع مياه الأمطار في منطقة سلفيت
وزارة الصحة... ضعف القوانين العقابية ساهمت بتفاقم المشكلة
يشار الى أن قانون العقوبات المعمول به في محاكم السلطة الفلسطينية هو قديم صادر في عام 1960، وهو قديم كما وصفه السيد ياسر عيسى رئيس قسم صحة البيئة التابع لوزارة الصحة في محافظة الخليل، حيث أشار" الى أن طاقم مفتشي وزارة الصحة يعملون الليل مع النهار في متابعة شكوى المواطنين والحد من أثرها، إلا أن ضعف قانون العقوبات المهترىء – كما يصفه السيد عيسى- المعمول به في المحاكم الفلسطينية لهو اكبر معيق في تحقيق الأهداف المنشودة، ولا يعتبر رادعا للمخالفين.
يوجد حلول ممكنة ... ولكن لا توجد أي إمكانيات
يشار الى انه في ظل تعالي الأصوات عالميا بضرورة الحفاظ على البيئة، وما تشهده دول العالم النامي في تسارع في عجلة التنمية وبروز الصناعات الصديقة للبيئة، فقد حان الوقت لنا نحن في فلسطين لإيجاد حلول لمشاكلنا البيئية، وعدم التهاون في عمق المشكلة الناتجة عن " الزيبار".
وحول الحلول الممكنة في التعاطي مع مشكلة " الزيبار" تحدث السيد عادل ياسين القائم بأعمال مدير الإدارة العامة للتخطيط في سلطة المياه الفلسطينية بالقول" هناك حل ممكن لمعالجة آفة الزيبار عبر إقامة ثلاث محطات لمعالجة الزيبار تقع في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية، بحيث تتولى تلك المحطات معالجة الزيبار وفق آلية متطورة، ويجبر أصحاب المعاصر على تجميع الزيبار في برك إسمنتية بجوار المعاصر كمحطات ترحيل مؤقتة، ومن ثم يتم نقلها باتجاه محطات المعالجة.
ونوه ياسين الى أن السلطة الفلسطينية تعاني من عدم وجود أجهزة خاصة بمعالجة الزيبار قبل التخلص النهائي منه وحتى لا يلوث التربة والمياه.
لكن ارتفاع التكلفة التشغيلية للمشروع من كهرباء ومعدات ونقص الإمكانيات البشرية المدربة للتعامل مع الأجهزة، هو السبب في عدم تواجد هذا النظام الى اليوم في الأراضي الفلسطينية.
|
|
تدفق الزيبار الذي يشوه التنوع الحيوي والأراضي الخصبة في وادي الشاعر بمنطقة سلفيت |
تدفق الزيبار واختلاطه بالمياه العذبة في منطقة سلفيت |