خاص بآفاق البيئة والتنمية
فرح لم يكتمل
نصف ساعة من الفرح فقط هي المدة التي سمح الاحتلال فيها للأخوة علي وريتال وميسم محمد خويص من بلدة الطور في القدس المحتلة أن يحتفلوا فيها بعيد ميلادهم، الذي أراد القدر أن يكون يوم السادس من تشرين ثاني الماضي، فما لبثوا أن غنوا لعيدهم وخرجوا مع أصدقائهم لتناول قطع الكيك فرحين بالطرابيش المزركشة على رؤوسهم، وإذ بقنابل الغاز تتهافت على الشرفة التي جمعتهم. لحظات هي التي فرقت الجمع الفرح، وسط تخبط الأهل الذين لم يعلموا أي سبيل هو الذي سيحمي أطفالهم ويحميهم هم وضيوفهم، الذين اقترب عددهم من الخمسين وكيف سينجون بالخروج من الطابق الرابع من العمارة التي تعرضت لهجوم غازي.
دقائق معدودة كانت كفيلة بالتفكير بالموت، خاصة بعد ظهور علامات الاختناق على ثلاثة أطفال حديثي الولادة عمر أكبرهم ستة أشهر، وشابة تعاني من الإعاقة العقلية تعرضت للتشنج نتيجة الاختناق، وإصابة خامسة لسيدة تعاني من نوبات الصرع، وسادسة لجدة الأطفال التي لديها مشاكل في القلب. ست إصابات سجلت ومناشدات لإنقاذ العائلة لم تشفع لهم عند جنود الاحتلال الذين منعوا طاقم الهلال الأحمر من الاقتراب، إلا بعد تدخل شبان الحي الذي بادروا بالقاء الحجارة وإجبار الجنود على الإنسحاب من المكان ليدخل المسعفون وسط وابل من الغاز وقنابل الصوت.
أعراض استنشاق الغازات المسيلة للدموع
تنوعت الأعراض التي ظهرت على مستنشقى الغاز ما بين الإغماء، التقيؤ، الإختناق، تهيج في الجلد، إلى جانب سيلان الدموع وتهيج الأغشية المخاطية، جميعها أعراض تدل على أن الغاز المسيل للدموع المستخدم هو غاز الـ "سي إن" (CN)، ووفقاً لخبير علم الكيمياء في جامعة بيرزيت الدكتور زكي حسن، فإن "سي إن" يعد غازاً سمياً يحتوي على مواد صلبة في درجة حرارة الغرفة من الكلور مرتبطا مع المركبات الحلقية، وهي جزيئات وحبيبات دقيقة لعناصر كلوريد الفيناسايل الذي يتكون من جزيء أسيتافينون معدل. وبحسب الدكتور حسن فإن الخطورة الأكبر لهذا الغاز تكمن بضربه في أماكن مغلقة مما يزيد من تركيز وسرعة التفاعل الكيميائي، الأمر الذي قد يساعد على إحداث التلف للأنزيمات، ويمكن تمييزه عن غيره من الغازات المسيلة للدموع من خلال الكتلة الضبابية ذات اللون الأصفر الشاحب التي تنتج عنه.
استنشاق الـ "سي إن" وملامسته للجلد يتسبب في انقباض في الصدر والرئتين وزيادة سرعة التنفس فيتجمع الماء الموجود في الجسم حول الرئتين ويبدأ الجسم بالدفاع عن نفسه، كذلك ينصح بالابتعاد عن ملامسة الجسم للماء لأن التفاعل ما بين مكونات هذا الغاز والماء يسبب تلف العين، ويسبب التقرحات والطفح الجلدي.
|
|
قنابل الغاز في بلدة الطور بالقدس المحتلة |
كتيب إرشادي لإحدى الشركات المصنعة للغازات المسيلة للدموع |
مخزن لمخلفات الغازات
تجربة الشاب كرم والذي يعمل كمنسق مع الحركة الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مع الغازات طويلة ومميزة، فسبع سنوات من الوقوف على خطوط التماس مع الاحتلال استدعته لأن يحول منزله إلى مخزن يجمع فيه مخلفات أسلحة الاحتلال من أماكن المواجهات، وكان الأمر كفيلاً في توليد حب المعرفة عنده لكي يبحث عميقاً في تاريخ هذه الغازات وأنواعها ودرجة السمية والوقاية والعلاج. وعن الغازات المسيلة للدموع يشير كرم إلى الـ "سي إس" (CS) و الـ "سي إن" (CN) كنوعين يستخدمهما الاحتلال بكثرة لتفريق المظاهرات؛ علما أن غاز "سي إن" أكثر فعالية وسمية وضررا للبيئة من غاز "سي إس" وقد يتسبب بالسرطان. ومن خبرة كرم نجد أن هناك مجموعة من الرموز الخاصة بكل نوع، والتي تفيد بمعرفة المدى الذي قد تصل إليه هذه الغازات، كما تفيد بمعرفة نوعها وعدد المقذوفات الداخلية لكل أنبوبة غاز، فمثلاً أنبوبة الغاز المتوسطة الحجم تحتوي على ثلاث مقذوفات في حين يحتوي الأنبوب الطويل على خمس مقذوفات.
أما الرموز الخاصة بالغازات المسيلة للدموع والتي تدل على المدى الذي تصل إليه فيمكن تلخيصها من خلال الجدول التالي:
نوع الغاز
|
رموز الأنبوب قصير المدى
|
رموز الأنبوب طويل المدى
|
سي إس (CS)
|
3233
|
3231
|
سي إن (CN)
|
3221
|
3221
|
الدخاني / Smoke
|
3210
|
3210
|
لكل داء دواء
استنشاق هذا الغاز يستدعي من المصاب ضرورة الحصول على كمية وافرة من الأكسجين خاصة إذا ما تم استنشاقه، وفي حال ملامسته للجسد فيمكن علاجه باستخدام كربونات الصوديوم عن طريق خلطها مع الماء ومسح الجلد فيها، بالإضافة إلى شرب الحليب أو اللبن، كما يشير الدكتور حسن إلى إمكانية استخدام الليمون و"الفيزالين" للتخفيف من الآثار السلبية للإصابة، وفي حالة استنشاقه بكميات كبيرة فالحل هو الذهاب إلى المشفى وتلقي العلاج تحت إشراف طبي. .
أما غاز الـ "سي إس" (CS) فهو غاز مسيل للدموع ذو رائحة حادة شبيهة برائحة الفلفل الأسود. وهو يأتي على شكل رذاذ لمادة متطايرة مضاف إليها "الكلورو-بنز-المالو-نونيتريل"؛ وتأتي أعراض استنشاقه مشابهة لأعراض استنشاق "سي إن" إلا أنها تتفاوت في حدتها؛ فكما الأخير يؤثر على قرنية العين ويسبب التقيؤ وظهور الطفح والتقرحات الجلدية، إلا أن علاجه يكمن في استخدام الماء وخاصة إذا أصاب العين وهكذا نحميها من التلف.
التأثير على الأعصاب
وعن آثار استنشاق الغازات المسيلة للدموع على الجسم والأعصاب، يؤكد أخصائي الأعصاب الدكتور محمود سحويل، على أن استنشاق الغازات هذه يسبب زيادة في تدفق الأدرينالين، ويصل التأثير إلى العصب الخامس الذي يغذي المنطقة الحسية في الجسم وهكذا يزيد من إفراز الأنزيمات في الغدة الدمعية، كما يصل التأثير إلى الجهاز المخاطي مسبباً التهاباً وصعوبة في التنفس وذلك نتيجة تقليله من تدفق الأكسجين على الدماغ، وبالتالي عدم وصول الأكسجين إلى الشعب الهوائية وهكذا يحصل الاختناق.
ويضيف الدكتور سحويل: "تأثير استنشاق الغازات على الجهاز العصبي يمكن أن يتسبب على المدى الطويل في حدوث أعراض اكتئاب ناتجة عن تغيير استنشاق الغازات للتركيبة الكيميائية للجسم إلى جانب قلة النوم، ناهيك عن إمكانية تعرض الأشخاص الذين لدى جسمهم استعداد إلى الإصابة بنوبات من الصرع وربما الموت المفاجئ".
الآثار البيئية
بالرغم من وقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، وتعرض السكان إلى الكثير من الانتهاكات ومنها توجيه هذه الغازات ضدهم لتفريق المظاهرات إلى أن الأبحاث حول الآثار البيئية للغازات شبه معدومة، لكن الظاهر من هذه الآثار يتلخص بأن وصول الغازات إلى الأرض ومكوناتها وإلى المياه يؤثر سلبياً عليها، وبالتالي تلوث الخضار والفواكه وغيرها من المزروعات نتيجة تسرب مركبات الكلور التي تتكون منها الغازات بشكل رئيسي، خاصة إذا ما علمنا أن عمليات المعالجة صعبة ومعقدة جداً ولم تسمح بالوصول إلى النقاء الكامل.
|
|
كرم من حركة التضامن الدولي يشرح عن القنابل المستخدمة خلال المواجهات ضد الاحتلال |
مخلفات الغازات السامة الإسرائيلية في منزل الناشط كرم |
التصنيع
تعتبر قنابل الغاز المسيل للدموع وفقاً لاعتبارات الشركة المصنعة والتي في الغالب إسرائيلية أو أمريكية، بأنها ذخائر غير فتاكة، غير قابلة للاشتعال، تستخدم ضد المخلين بالأمن، ومع ذلك تعترف هذه الشركات في نشرات الاستخدام الخاصة بهذه الغازات بأن تأثيرها قد يتسبب في حالات نادرة بالموت أو بإصابة جسدية بالغة. فتاريخياً ووفقاً لمنظمة العفو الدولية شهدت الانتفاضة الفلسطينية الأولى استشهاد 40 فلسطينياً ما بين شهري كانون أول 1987 وحزيران 1988، نتيجة استنشاقهم للغازات السامة التي أطلقها الاحتلال، أما العام 2001 فاستعمل الاحتلال في قطاع غزة "الغاز الغريب" والذي يحمل الرقم 667
[2] ويرجح أن يكون نوع من أنواع غازات الأعصاب وربما يتكون من مواد عضوية مضاف إليها الفسفور، والذي أثر استنشاقه على الخلايا بعد ساعتين من ضربه، فتولد لدى الناس شعور بالدوخة والغثيان والتبول اللاإرادي، خاصة أن هذا النوع يقضي على الأنزيمات فيصبح الشخص غير قادر على التمييز، لذلك تم تحريمه دوليا، علما أن الولايات المتحدة استخدمته في العراق عام 2003.
وما بين الأعوام 1987، و 2000، و 2008، و 2014 يبقى الاحتلال قائماً على أرض فلسطين وتبقى انتهاكاته برسم التسجيل والتوثيق، انتهاكات تطال البشر والشجر والحجر، حرمت الغازات أم لم تحرم... فهي لا زالت تستخدم ولا زال شعبنا يتعرض للتنكيل ويصمم على الاستمرار بالمقاومة وتلقي الغاز، حتى وهو يعلم أن الإنتاج العالمي من هذه المواد سيزداد مع حلول العام 2020 بنسبة 20%.
[1] الغازات المسيلة للدموع هي مركبات حلقية تحتوي على الكلور والنيتروجين
[2] ا667 هو قرار من الأمم ألمتحدة بتحريم هذا الغاز وهو من المركبات العضوية المحتوية على الفسفور وهذا نوع من مركبات المبيدات الحشرية (وقد استخدمته أميركا في فيتنام مع الغازات الأخرى مثل ال
DM والمركب الأصفر الذي أحدث أضرارا بيئية وتشوهات وراثية وخلقية شنيعة حتى يومنا). ويهاجم مركز الخلايا العصبية والإنزيمات في هذه الخلايا، لذا من أعراضه التشنجات.