خاص بآفاق البيئة والتنمية / غزة
وقف "الدرع الواقي" سدًّا منيعًا ضد قنبلة دخانية إسرائيلية كادت أن تخترق المنطقة العلوية من جسد الصحفي مثنى النجار (32 عامًا) أثناء تغطيته لإحدى تظاهرات الشبان الفلسطينيين الغاضبين ضد جنود جيش الاحتلال على الحدود الشرقية لقطاع غزة، لكنه عانى من صداعٍ نصفيّ وحرقانٍ في الصدر ظلَّ يلازمه على مدار أربعة أيام متواصلة.
اعتاد هذا الصحفي الذي يعمل مراسلًا لحساب إذاعة محلية بغزة، على تغطية المواجهات الشعبية التي تندلع بين الشبان الفلسطينيين وجنود جيش الاحتلال قرب السلك الحدودي الفاصل مع إسرائيل شرق محافظة خان يونس، طيلة سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية (الأقصى)، لكنها المرة الأولى التي يشعر خلالها بشيء غريب يصاحب قنابل الغاز الدخانية التي يطلقها الجنود، كما يقول لمجلة "آفاق البيئة والتنمية".
وكان المئات من المواطنين الفلسطينيين في غزة قد أصيبوا بالاختناق جراء استنشاقهم للغازات المنبعثة من هذه القنابل التي تلقيها قوات الاحتلال لقمع جموع الفلسطينيين الغاضبين في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بدء الهبة الشعبية مطلع أكتوبر الماضي، كما أن بعضهم أصيب بحالات إغماء وارتخاء في الأعصاب وآخرين بحالات تشنّج، وفق إفادة وزارة الصحة.
وسبق وأن أكدت الوزارة، أن الغازات التي تلقيها قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه المتظاهرين الفلسطينيين هي "غازات سامة مهددة للأعصاب بشكل كبير".
ويتضح من إفادة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم في قمع المواجهات المندلعة نوعا جديدا ومجهولا من الغاز المسيل للدموع، يسبب لمن يتعرض له تشنجات وإغماءات فورية.
وعن ذلك يقول النجار، بأن ما يميز قنابل الغاز الدخانية في عهد الهبة الشعبية الحالية أنها تتسبب بحرقة شديدة في العين وفي محيطها لمدة ما بين سبعة إلى عشرة دقائق ويصاحب ذلك ضيق شديد في التنفس.
ويضيف: "خلال تغطيتي لإحدى التظاهرات قرب السلك الحدودي شرق خان يونس ارتطمت قنبلة دخانية بصدري وعولجت على إثرها ميدانيًا، لكن سرعان ما بدأ يلازمني صداع نصفي في الجهة الشمالية من الرأس، ثم حرقان في البلعوم وإفراغ "بلغم" لمدة أربعة أيام متواصلة".
أمّا خليل حسن أبو عبيد، ابن الـ 25 عاما، فلم تكتب له النجاة حيث استشهد يوم السبت 25 أكتوبر متأثرا بجراح أصيب بها قبل أسبوع من وفاته جراء اصطدام قنبلة غاز بصدره، حيث استقرت في منطقة قريبة من الكبد وتسببت له لاحقا بمضاعفات خطيرة قبل أن يفارق الحياة.
الصحافة في غزة تتحدى الغازات الإسرائيلية السامة وتواصل تغطيتها للمواجهات- تصوير ياسر قديح
صوب الشباب
ويتحدث المواطن محمد أبو ريدة 27 عامًا من سكان شرق خان يونس، عن خطر الغاز المدمع على السكان القريبين من بؤرة الأحداث، حيث يختلط الدخان بالهواء الطلق في الجو، ويدخل إلى بيوت المواطنين، مشيرًا إلى أنه تم في أحد أيام المواجهات نقل ما يزيد عن 25 مصابا بالاختناق من سكان الفراحين شرق خان يونس إلى المستشفى غالبيتهم من النساء والأطفال.
ويقول أبو ريدة وهو أحد المتظاهرين الحريصين على المشاركة في التظاهرات –وفق إفادته-: "واجهت قنابل غاز دخانية كثيرة خلال انتفاضة الأقصى، كنا نتغلب على رائحة الدخان باستنشاق البصل كعلاج ميداني أولي، أما القنابل الحالية فبالكاد يجدي معها البصل نفعا".
وينوه إلى تعمد إطلاق جنود الاحتلال في أحيان كثيرة قنابل الغاز صوب الشبان مباشرة وليس في الجو، وعند لحظة سقوطها على الأرض تنشطر القنبلة إلى ثلاث مراحل، الأولى بشكل حلزوني ثم تبدأ بالدوران السريع في مكانها قبل أن تنفجر وتخرج الدخان المدمع منها.
بدوره يقول الفتى محمد "ح" 15 عاما :" كاد الدخان المتصاعد من قنابل الغاز أن يقتلني لاسيما وأنني لم أعد قادراً على التنفس بصورة نهائية"، لافتا إلى أن كافة الاحتياطات الأولية لم تخفف من قوة الدخان على التنفس".
ويشير إلى أنه وضع معه قطعة قماش مبللة بالمياه وقطعة من البصل إلا أن ذلك لم يسعفه حيث ازدادت حالته سوءاً مع استمرار الوقت، إلى أن استفاق وهو على سرير العلاج في مستشفى الشفاء بغزة.
شباب غزيون وسط الغازات الإسرائيلية السامة- تصوير ياسر قديح
شهادة في الميدان
أما الصحفي مصطفى حسونة فيعتقد أن قوات الاحتلال تقوم بإلقاء عشرة قنابل عادية ومن ثم تطعم العدد بقنبلة أخرى تبعث دخانا غير طبيعيًا يتسبب بضيق في النفس وحرق في الصدر وفي محيط العينين، ثم سرعان ما يفقد المصاب بالغاز السيطرة على جسمه.
ويبين أن الشبان يلجأون إلى شم البصل أو عضه بالأسنان، أما في حالة سقوط المصاب على الأرض فيحتاج إلى تنفس اصطناعي.
وكان للمسعفين نصيب وافر من اعتداءات الاحتلال واستنشاق الغاز المدمع. وعن ذلك يشير الصحفي النجار إلى حادثة وصفها بالغريبة وهي إصابة عدد من المسعفين بحالات اختناق بعدما اخترقت قنبلة غاز الجدار الحديدي لسيارة الإسعاف رغم وقوفها على بعد 300 متر من الخط الفاصل الذي يتواجد عنده الجنود الإسرائيليون.
شباب فلسطينيون في غزة يتحدون الغازات الإسرائيلية السامة- تصوير ياسر قديح
وللمسعفين نصيب
ويذكر ضابط الإسعاف حاتم شاهين، أحد ضحايا الغازات المدمعة، أن جيش الاحتلال استهدف سيارة الإسعاف شمال قطاع غزة في أحد الأيام التي شهدت تظاهرات غاضبة، وذلك بقنبلة غاز ما أدى لإغمائه إضافة لسائق السيارة، الأمر الذي دفع أحد الشباب للتطوع وقيادة سيارتهم والذهاب بهم لمشفى العودة شمال القطاع.
ويؤكد أن المسعفين يعانون من ضغط نفسي خلال عملهم، فهم معرضون للاستهداف رغم أنهم يقدمون خدمة إنسانية بغض النظر إن كان المصاب عدواً أم صديقاً".
شباب فلسطينيون في غزة يواجهون الاحتلال على مسافة أمتار من نقطة عسكرية إسرائيلية- تصوير ياسر قديح
غازات سامة
من جانبها، اتهمت وزارة الصحة الفلسطينية، قوات الاحتلال الإسرائيلي بإلقاء غازات سامة ضد المتظاهرين الفلسطينيين تؤثر على الأعصاب.
ووثقت وزارة الصحة أكثر من 180 حالة اعتداء بحق المسعفين خاصة وقد تنوعت ما بين إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي للرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز، فضلاً عن إعاقة الطواقم عن تأدية عملها.
ويقول الناطق باسم الوزارة في غزة أشرف القدرة إن كل الجرحى الذين أصيبوا بالاختناق بالغاز الذي ألقاه الجيش الإسرائيلي على المتظاهرين على حدود غزة قد تم علاجهم ميدانياً، وقليل منهم وصل إلى المشافي لمضاعفات أخرى".
ويضيف "إن هذه الغازات بالمجمل هي غازات سامة ومهددة للأعصاب، ويجب على دائرة الطب الجنائي في وزارة الصحة فحص هذه الغازات وكذلك المصابين فيها لمعرفة طبيعتها بشكل علمي".
غازات إسرائيلية سامة في غزة- تصوير ياسر قديح
الوقاية من الغازات السامة والمسيلة للدموع:
1. ارتداء ملابس تغطى أكبر قدر من الجلد.
2. عند سماع إطلاق النار تجنب الوقوع في مسار قنبلة الغاز فكثيرا ما تنفجر قنابل الغاز المسيل للدموع في الهواء.
3. أفضل وسيلة للدفاع ضد الغاز المسيل للدموع هي ارتداء قناع الغاز، ولكن إذا لم يكن لديك قناع فهناك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتقليل الضرر من الغاز المسيل للدموع، وهي كالتالي:
* وضع منشفة أو قناع قماش في عصير الليمون أو الخل وعصير الفاكهة وتخزينها في أكياس بلاستيكية، وعند التعرض للهجوم عليك أن تتنفس من خلال هذه القماشة المحمضة لعدة دقائق، وهو الوقت الذي ينبغي عليك فيه أن تبعد عن مصدر الدخان.
* استخدام نظارات السباحة الضاغطة على العينين أو نظارات السلامة الكيميائية.
* إذا كنت ترتدي العدسات اللاصقة، يجب إزالتها على الفور.
* إذا لم تكن لديك نظارات أو أي نوع من الأقنعة، عليك أن تتنفس الهواء داخل قميصك، لأن تدوير الهواء هناك يكون أقل، ومن ثم يحتوي على تركيز أقل من الغاز.
* البصل وجردل الماء يبطلان عمل قنابل الغاز
ومن الإسعافات الأولية التي توصي بها نقابة الأطباء على لسان د. عيسى العملة من اللجنة الإعلامية في النقابة، ضرورة غسل العيون بمحلول ملح معقم أو بالمياه حتى يبدأ الإحساس اللاذع بالإختفاء.
ضرورة العمل على غسل الجلد بالماء والصابون فور التعرض للغازات، وصعوبات التنفس يمكن أن تعالج بالأكسجين، وفي بعض الحالات باستخدام الأدوية والبخاخات التي تستخدم لعلاج الربو، وأحياناً يحتاج الأمر إلى أجهزة التنفس الصناعي.
مسعفون في غزة ينقلون صحافيا أصيب بالغاز الإسرائيلي- السام- تصوير ياسر قديح