الأرض دائماً معطاءة طالما تمت رعايتها: المزارع أبو محمد ينجو من الفقر معتمداً على نبات الزعتر
عبد الرازق توبة في حقل الزعتر
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يقف الستيني عبد الرازق توبة وسط حقله المزروع بالزعتر في كفر جمال التي لا تختلف عن قرى الكفريات السبع بهدوئها وطابعها الزراعي، يتحسس الأوراق متابعاً حجم نموها، على وجهه خطوط تعب الغربة حيث عمل معلماً للغة الانجليزية في السعودية، وفي حديثه يبدو قلق مستمر على بناته الأربع، وبين كلماته حزنٌ يحاول اخفاءه على فراق ابنه الوحيد الذي قضى شاباً قبل سنوات.
قرر توبة العودة الى الوطن في مطلع الألفية الثالثة، استلم مهنة معلم في مدرسة القرية وكان في منتصف الخمسينيات، وبعد خمس سنوات كان عليه ان يتوقف عن العمل قانونياً حيث وصل سن التقاعد "الستين"، وفي المقابل ورغم عطاء السنين، لم ينل توبة فلساً من مخصصات التقاعد لأنه عاد الى الوطن متأخراً ولم يجمع سنوات كافية تؤهله الانتفاع من ميزات التقاعد، مع انه كان يقتطع جزءاً من راتبه في السعودية لدعم أسر الشهداء والجرحى.
وقف ابو محمد حائراً، امام اسرة كانت في ذلك الوقت مؤلفة من تسعة افراد معظمهم يتعلمون ما بين الجامعة والمدرسة، وأراضٍ يملكها في منطقة الحرايق شبه مصادرة حيث أضحت غرب الجدار الفاصل، وأصبح يدخلها بتصاريح ومواسم معينة. لذلك ولإعالة أسرته قرر توبة ان يتضمن ارضاً من اقربائه مقابل 100 دينار على الدونم سنوياً يزرعها بالزعتر، لكن مع تكاليف الزراعة من تأهيل الأرض وشراء الشتلات ونفقات الماء والكهرباء كان الايراد الكلي متدنياً. وشاءت الأقدار في "بدايات العمل بحقول الزعتر" أن يرحل ابنه محمد الشاب بمرض عضال.
يقول: "الحمدلله، بلا شك فقدان ابني محمد كان قاسياً علينا جميعاً، لكن لا اعتراض على مشيئة الله".
تعرف ابو محمد على مركز العمل التنموي "معا" من خلال مجلس الخدمات المشترك في الكفريات، حيث تقدم لمنحة ضمن مشروع الأمن الغذائي "أمنيكا" لاستصلاح خمسة دونمات تضمنها من أقاربه، وجاءت الموافقة من معا ومعها عاد الأمان المعيشي لأبي محمد وأسرته.
عبد الرازق توبة يرعى إنتاجه من الزعتر في كفر جمال بمنطقة طولكرم
وقفة أخوية لا تنسى
قام مركز معا بتأهيل الارض وتوفير تراب و9 آلاف شتلة زعتر بما قيمته 5 آلاف شيكل فيما تابع "أبو محمد" المهمة كمزارع يفهم المهنة التي ورثها عن أبيه. وعند جني المحصول، ينسق مع تجار عدة لتسويق زعتره، ولجودته، فقد وصل الى موائد عائلات في الأردن وسوريا والداخل المحتل.
"كانت الأرض خرابة، مليئة بالباطون والصخور، بفضل الله ثم مركز معا دبّت فيها الحياة". يقول أبو محمد ومن بعيد تطل مدينة اسرائيلية شاهقة المباني يقال ان جنرال الاحتلال شاؤول موفاز يسكنها.
"وقفة معا كانت وقفة اخوية، حيث جاءت وسط أشد الظروف الاقتصادية قسوة والتي يمر بها المزارعون في الضفة الغربية، ومع أن مشروعي الزراعي يعد بسيطاً، إلا أنه وفّر قوت اسرتي للعام الثالث والخير قادم بإذن الله". ويقول ابو محمد بأن مركز معا دعمه أيضاً في تأهيل دونمين اضافيين لزيادة الارباح.
تصل أرباح "توبة" من زراعة الزعتر الى 2000 شيقل شهرياً تكفي نفقات أسرته.
"أعتني بزعتري جيداً، من يتذوقه يشيد بمذاقه". لم يبالغ "توبه" ففي كفر جمال الكل أصبح يميز زعتر "الحج رشدي" كما يلقبه أهالي القرية".