الإنتاج السنوي لزيت الزيتون الفلسطيني في تناقص ومختصون يؤكدون على غياب التكاملية في عمل المؤسسات الفاعلة في قطاع الزيتون
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعد شجرة الزيتون في العرف الفلسطيني رمزا للعطاء والخير، عدا عن كونها رمزا لعروبة الارض، فوجود الأشجار المعمرة خاصة الرومية منها التي تملأ أريافنا لدليل واضح على أهمية تلك الشجرة المباركة، حيث ساهمت قديما وحتى اليوم إلى حد كبير في تغطية الدخل المحلي لمعظم العائلات الريفية في فلسطين، عدا عن كونها تساهم في تغطية 3% من الدخل القومي الفلسطيني، و12% من الدخل الزراعي الفلسطيني.
لكن مع الوقت، بدأ الإنتاج الزراعي في قطاع الزيتون بالتناقص التدريجي، لدرجة أن الموسم الحالي لعام 2014 يعد الأدنى من نوعه مقارنة بالأعوام الثمانية الماضية بحسب المؤشرات الأولية لمجلس الزيت الفلسطيني. فعلى الرغم من أن المساحة المزروعة بالزيتون في فلسطين تقدر بنحو 950 ألف دونم، إلا أن الإنتاج المتوقع هذا العام بحسب تقديرات المجلس هي 15 ألف طن، وهذا الرقم يعد أقل من الأعوام الماضية، ففي عام 2013 على سبيل المثال بلغ الانتاج 17 ألف طن، وفي 2012 كان الانتاج 21 ألف طن، وعام 2011 كان حوالي 18 ألف طن.
مجلة "آفاق البيئة والتنمية" مع بداية موسم الزيتون، سلطت الضوء على واقع قطاع الزيتون، وتساءلت عن الأسباب الرئيسية في التراجع والانخفاض الكبير في الانتاج، علما أن السنة الحالية يفترض بها أن تكون من السنوات الماسية في إنتاج الزيتون بحسب ما هو متعارف عند غالبية المزارعين، حيث تصنف السنة الزوجية بأنها سنة جيدة الحمل أو ماسية، والسنة الفردية هي سنة "شلتونية" أو قليلة الحمل.
خبير الزيتون الفلسطيني المهندس فارس الجابي أكد أن "هناك عدداً من المعضلات الكبيرة التي تواجه تطور قطاع الزيتون الفلسطيني، بعضها مرتبط بالمناخ والتقلبات في الطقس، إلا أن غالبيتها له علاقة بالمزارع نفسه، وفي الدور المفترض من الجهات الرسمية في الاعتناء بتلك الشجرة المباركة"، وتابع: "هناك تقصير واضح، ويجب أخد زمام الأمور لتدارك الأمر قبل فوات الأوان".
ويمكن تلخيص تلك العقبات، حسب الجابي، كالتالي:
ضعف في تطبيق القانون
إذ يعاني الريف الفلسطيني من انحصار المساحات المزروعة بأشجار الزيتون عاما تلو عام، نتيجة للتوسع العمراني على حساب شجرة الزيتون المباركة، حيث يتم قطعها لصالح التمدد العمراني في أريافنا ومدننا دون إذن وتنسيق مسبق من الجهات الرسمية.
ونوه الجابي بأن هناك قانوناً زراعياً قديماً معمولٌ به على زمن الحكم الأردني ويطبق حاليا في وزارة الزراعة الفلسطينية، ينص على منع قطع الأشجار المعمرة تحت أي سبب من الأسباب، ولكن على ارض الواقع هناك ضعف في آلية الرقابة من وزارة الزراعة، بل أن هناك العديد من المشاريع الإنتاجية أو حتى السكنية منها باتت تقام على أراض مزروعة بالزيتون.
وهناك ظاهرة خطيرة ومقلقة، تتمثل في إقامة عدد كبير من مكبات النفايات التابعة للمجالس القروية والبلدية بين غابات الزيتون كما هو الحال في مدينة سلفيت وبلدة بروقين التابعة لها، حيث أن موقع المكب يقع في عمق الأراضي المزروعة بالزيتون، وتم اختيار مكانه بطريقة غير مدروسة، ما كان له اثرٌ سلبي على الانتاجية.
بالإضافة إلى ما تقدم، يعد التوسع الاستيطاني وسرقة الأرض وإقامة المناطق العازلة المحيطة بالمستعمرات، التي يفرض الاحتلال قيودا على دخولها من المزارعين.. يعد عاملاً أساسياً في انخفاض كمية زيت الزيتون المنتج، فتلك الأراضي تعاني الإهمال بسبب التعقيدات التي يفرضها الاحتلال.
وبحسب دراسة لمعهد الأبحاث التطبيقية (أريج) لعام 2013، فإن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية بلغ 207 مستعمرة، تسيطر على مساحة 453كم2 من مساحة الضفة الغربية، في حين تبلغ مساحة الأراضي المعزولة خلف الجدار العنصري 555كم2 أي بما يعادل 10% من مساحة الضفة.
ضعف الوعي لأهمية تشبيب الأشجار
يعد المزارع الفلسطيني نفسه، شريكاً رئيسياً بشكل مباشر أو غير مباشر في انخفاض إنتاجية الأشجار، لضعف خدمته للأشجار بالشكل الجيد وحراثة الارض بالطريقة الصحيحة، ما يؤثر على الانتاجية.
وحسب المؤشرات –وفقا للجابي- فإن هناك تقصيرا واضحاً في الكثير من المناطق في حراثة الارض أو أحيانا عدم حراثة الارض بشكل جيد، وقد لوحظ في كثير من المناطق التوسع في ظاهرة رش الأعشاب الضارة بالمبيدات الكيميائية في محيط شجرة الزيتون كحل بديل بدل الحراثة، ما الحق المزيد من الضرر في أشجار الزيتون بدل معالجتها.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن نسبة كبيرة من الأشجار في أريافنا قديمة وقد بدأت بالهرم، ما ساهم في انخفاض الانتاجية لديها، بالتالي أصبح لزاما القيام بعملية "تشبيب" لها.
وتتمثل تلك العملية في إعادة تجديد الأشجار الهرمة عبر قص الأفرع اليابسة الجانبية والأغصان غير المجدية، بحيث يوفر نموا خضريا جيدا تنعكس آثارة على إنتاجية الأشجار في السنوات المقبلة.
لكن تكمن المعضلة الكبرى في عدم معرفة الكثير من المزارعين لتلك الطريقة، كما أن قسماً لا بأس به لا يؤمن بتلك الطريقة على الرغم من نجاحها بشكل كبير في إعادة القدرة الإنتاجية لأشجار الزيتون.
يذكر ان عدم معرفة الكثير من المزارعين بآلية التعامل مع أمراض النباتات التي فتكت بأشجار الزيتون مؤخرا ساهم في تفاقم مشكلة ضعف الإنتاج، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية تم تسجيل حالات كثيرة من الإصابة بأمراض الزيتون منها "ذبابة الزيتون" و"عين الطاووس"، بالإضافة إلى "عثة الزيتون"، ما أدى إلى انخفاض الإنتاجية بشكل ملموس..، حيث ساهمت تلك الأمراض وعدم وعي المزارعين لخطورتها في تفاقم الأزمة.
غياب خطة عمل متكاملة
يشار إلى أنه على الرغم من وجود إستراتيجية تم تبنيها من وزارة الزراعة عام 2010 لقطاع الزيتون في فلسطين، إلا أن نسبة كبيرة من المؤسسات العاملة في هذا القطاع لا تلتزم بتنفيذ تلك الخطة، كما أكد المهندس الجابي.
وأضاف: "لا يوجد حتى اليوم فريق متجانس ذو فاعلية في قطاع الزيتون، بل هناك تخبط في تنفيذ عدد كبير من المشاريع الزراعية غير المجدية، والتي تلقي بظلالها بشكل مباشر على المزارع نفسه.
وأكد أن "هناك ضعفاً واضحاً في المرشدين الزراعيين أنفسهم وانخفاض جودة الإرشاد لديهم، فلا يمتلكون الخبرة الكافية والتراكمية التي تتيح لهم العمل وفق منهج واضح وفاعل، بالتالي لماذا نحن نلوم المزارع نفسه؟".
واكد الجابي ان هناك مشروعاً قد بدأ حديثا يهدف إلى بناء شبكة من الخبراء في قطاع الزيتون من خلال وزارة الزراعة الفلسطينية وعدد من المؤسسات العاملة في قطاع الزراعة بتمويل من مؤسسة اوكسفام GB
تقلبات المناخ
تعد التقلبات الحاصلة على المناخ من أبرز العوامل الأساسية في انخفاض الإنتاجية لهذا العام تحديدا، إذ شهد انخفاض درجة الحرارة وانقطاع الأمطار لمدة تزيد عن 70 يوما مع عملية إزهار مبكر للأشجار العطشى، سبب إتلافَ عدد كبير من الأزهار ونمو "الدلب" أي التفرعات البرية التي أثرت على قدرة الشجرة على تحمل الأزهار، والنتيجة الحتمية هي انخفاض نسبة الأزهار المتبقية، ما انعكس على كمية وجودة الزيتون.
ومن هنا، حان الوقت لتبني إستراتجية واضحة وملزمة بهدف إعادة النهوض بقطاع الزيتون، بحيث يكون هناك برنامج متكامل ومتابعة حثيثة تؤسس لنتائج واضحة ومستدامة، تنعكس على قطاع الزيتون وعلى المزارع نفسه، بما يخدم القطاع الإنتاجي الزراعي في فلسطين.