السلطة الفلسطينية والنظام الأردني "متلهفان" لشراء الغاز من "إسرائيل" لكن بصمت ودون ضجيج...والسلطة تنوي أيضا بيع نصف كمية الغاز الطبيعي المتوقع استخراجه من بحر غزة إلى الأردن!
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كشفت بعض التقارير الصحفية الإسرائيلية مؤخرا (هآرتس، معاريف وغيرهما)، بأن السلطة الفلسطينية والنظام الأردني قطعا شوطا متقدما في إبرام الصفقات التجارية مع "إسرائيل"، وتحديدا فيما يتعلق بصفقة الغاز الذي تنهبه الشركات الصهيونية من الأرض الفلسطينية؛ علما أن شركة "ديلك" الإسرائيلية تمتلك حصة الأسد في حقول الغاز الذي تستولي عليه "إسرائيل". وقد تبين بأن كلا من السلطة والأردن "متلهفان" لشراء الغاز المنهوب صهيونيا، ولكن "بصمت" ودون ضجيج ("هآرتس" 24 تموز 2014). ويتم تمويه مسألة "شراء" الغاز من "إسرائيل" من خلال إبراز وجود شركة أميركية تسمى "نوبل إنيرجي" وهي شريكة في حقلي "تمار" و"لفيتان".
بالنسبة "لإسرائيل"، يمثل الغاز الذي اكتشفته في حقلي "تمار" و"لفيَتان" مقابل الساحل الفلسطيني،"فرصة تاريخية لترسيخ العلاقات مع العرب والفلسطينيين وتطوير علاقات اقتصادية قوية...ويشكل الغاز قاعدة انطلاق لتغيير مكانة إسرائيل الجيوسياسية في المنطقة" (المصدر السابق). إذن، تتعامل "إسرائيل" مع مسألة الموارد الطبيعية النفطية والغازية، كما الموارد المائية، من منظور كولونيالي؛ فتستثمر تلك الموارد باتجاه تعزيز وجودها الاستعماري في المنطقة العربية، من خلال أدوات عربية محلية تشرع لها عملية النهب وتسهل تثبيت تفوقها ليس فقط الأمني والعسكري، بل أيضا الاقتصادي.
ووقع "الشركاء" الإسرائيليون في حقل "لفيتان"، في الربيع المنصرم، صفقة مع شركتين أوروبيتين هما BG البريطانية، و"فينوزا" الإسبانية، تهدف إلى تزويد "الشركاء" بالغاز لمدة 15 سنة؛ علما أن الشركة الأخيرة تشغل أيضا منشآت تسييل الغاز الطبيعي في مصر.
وفي شباط الماضي، اتفق القائمون على حقل "تمار" مع شركتين أردنيتين، ببيع الأخيرتين ما لا يقل عن 500 مليون دولار من الغاز طيلة 15 سنة. ويعتبر القائمون على حقول الغاز "الإسرائيلية" بأن "المفاوضات مع مصر والأردن حول الطاقة تؤسس لتعزيز المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة" (المصدر السابق). وفي ذات السياق، يقول "ألون ليئيل" المدير العام السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، بأن الطاقة والغاز تحديدا يساهم في "تسريع عملية تطوير العلاقات الإسرائيلية على امتداد الشرق الأوسط...فلا نهاية للعداء تجاهنا في المنطقة...أنا لا أقول بأن الغاز سيحل كل شيء، لكن يجب علينا أن نستثمره جيدا" (المصدر السابق).
"نمرود نوفيك" خبير الطاقة الإسرائيلي، يقول بأن من الضروري خلق "بيئة سياسية مناسبة" لكل من الأردن والسلطة الفلسطينية كي توقعان على اتفاقيات مع "إسرائيل"؛ إذ أن "عملية سياسية مع الفلسطينيين تحديدا، ستخفف من معارضة الرأي العام الفلسطيني، وتمكننا بالتالي من الحصول على توقيعاتهم...هذا هو المسار المفترض وليس العكس" (المصدر السابق).
صفقة الغاز التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في كانون ثاني الماضي، ستعمق عمليا التبعية الفلسطينية للاحتلال وستثبت تحكم الأخير بمواردنا الطبيعية. والحديث هنا يدور عن مورد طبيعي فلسطيني يخضع للاحتلال (وهذا المورد ليس ملكية خاصة أو عائلية لمسؤول أو شركة)، فعقدت بخصوصه صفقة مع الاحتلال الذي ينهبه، كما ينهب مواردنا الطبيعية والمائية الأخرى. والبلية الإضافية أن الاتفاقية تقضي (مستقبلا) تمليك الشركة الإسرائيلية نسبة معينة من أسهم محطة الطاقة الفلسطينية المنوي إنشائها في جنين! والأمر المخجل، أن الشعب الفلسطيني في الوطن وخارج الوطن، لم يسمع عن هذه الصفقة سوى من خلال وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية، بينما تم تغييب الإعلام الفلسطيني كليا عن الصفقة المريبة.
منصة إسرائيلية لاستخراج الغاز الطبيعي في البحر المتوسط
تحركات فلسطينية-أردنية-إسرائيلية مريبة
الأمر المريب في مسألة الغاز، أنه وأثناء العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة والمجازر البشرية الجماعية الرهيبة التي اقترفها الاحتلال ضد أهلنا هناك، أعلن (خلال الأسبوع الخامس من العدوان) بأن السلطة الفلسطينية والأردن "اتفقا مبدئيا على أن يشتري الأردن الغاز الطبيعي من الحقل الذي اكتشف قبالة سواحل قطاع غزة. ووافقت الحكومة الأردنية على بدء التفاوض مع السلطة الفلسطينية، لشراء الغاز من حقل الغاز المكتشف في المياه الفلسطينية بالقرب من شواطيء غزة" (رأي اليوم، 21/8/ 2014). وكشف جمال قموه رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني بأن "الاتفاق الأولي يتضمن تزويد الأردن بـ 150 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي من الحقل الفلسطيني يوميا، مشيرا الى أن هذه الكمية ستغطى 50% تقريبا من احتياجات الأردن من الغاز والبالغة نحو 300 مليون قدم مكعب يوميا" (المصدر السابق). ويتوقع أن تمتد فترة الاتفاقية التي سيوقعها الطرفان بين 15 إلى 20 سنة، سيحصل خلالها الأردن على نصف إنتاج حقل الغاز الطبيعي، المكتشف في غزة (المصدر السابق). وبحسب قموه "سيتم استيراد الغاز من غزة بداية بواسطة السفن، وذلك إلى أن يتم إنشاء أنبوب لنقل الغاز من الحقل الفلسطيني إلى ميناء الغاز الذي يجري تنفيذه في العقبة جنوب الأردن، والذى يتوقع إنهاؤه عام 2017" (المصدر السابق). واللافت أيضا عدم الإعلان عن السعر الذي سيشتري به الأردن الغاز من غزة.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن السلطة الفلسطينية "منحت" عام 1999 شركة "بريتش غاز" البريطانية واتحاد المقاولين امتيازاً للتنقيب عن الغاز في بحر غزة؛ وفي عام ألفين اُكتشف حقلان يبعدان مسافة ثلاثين كيلومترا من شواطئ غزة، وبعمق نحو 600 متر.
الأسئلة المطروحة هنا: ما دام الحديث يدور عن هذه الكميات الفلسطينية الاحتياطية الهائلة من الغاز الطبيعي، فلماذا عقدت صفقة الغاز الإسرائيلية-الفلسطينية التي تقضي شراء الغاز المنهوب أصلا من الأرض الفلسطينية لمدة 15 سنة؟ وما معنى عقد صفقة لبيع الثروة الطبيعية الفلسطينية المتواجدة في بحر غزة، علما أن السلطة الفلسطينية لا تملك أصلا أي نوع من السيادة السياسية على الأرض والبحر والموارد الطبيعية؟ ولماذا أعلن عن الاتفاق المبدئي على صفقة البيع مع الأردن، أثناء العدوان على قطاع غزة وتدميره تحديدا؛ في وقت يدور الحديث عن أن أي اتفاق سياسي مع "إسرائيل"، ضمن اتفاقية متوقعة لوقف دائم لإطلاق النار، سيكون بإشراف أمني لأجهزة أمن السلطة في رام الله، سواء في البحر أو على المعابر (من الجهة الفلسطينية)، أو في ما يسمى المنطقة العازلة، وغير ذلك؟ وهل المطلوب تجريد المقاومة الفلسطينية في غزة من سلاحها، كما يتمنى الاحتلال، وكما يطالب أيضا النظام الهاشمي، لإزالة هذه العقبة الكأداء أمام تسهيل عملية تمرير الصفقات التجارية والاقتصادية لصالح الرأسمال الريعي الفلسطيني والعربي، ولصالح الاحتلال الذي يسيطر فعليا على الأرض الفلسطينية وجميع الموارد الطبيعية التي تحويها، وهو بالتالي صاحب الكلمة الفصل النهائية في أية صفقة تبرم، بما في ذلك الغاز الطبيعي؟ ولماذا لم نسمع عن أن غاز غزة يمكن أن يغطي كل الاستهلاك الفلسطيني في القطاع والضفة، قبل الحديث عن عقد صفقات تصدير خارجية؟ ثم لماذا تتعامل السلطة مع الموارد الطبيعية الفلسطينية التي هي ملكية وطنية عامة لجميع الشرائح الشعبية؛ وكأنها ملكية عائلية أو شخصية؛ فتعقد بخصوصها صفقات سياسية أو تجارية مع الاحتلال أو شركاته أو شركات ومؤسسات وحكومات عربية وأجنبية أخرى؛ يتم إخفاءها وإخفاء المعلومات الحساسة والهامة المتعلقة بها عن الشعب الفلسطيني؛ فيتم إلهاؤنا بمعلومات شكلية وجزئية جدا عبر وسائل الإعلام؟