الطعام التراثي الموسمي الفلسطيني: الصبر (الصبار) من الرموز الوطنية وهو من قيظ الصيف
مركز حسن مصطفى الثقافي
أجد تناول موضوع الصبر الآن مناسباً جدا لرمزيته مع آلام وعذابات أهلنا في قطاع غزة وصبرهم وصمودهم على الإجرام والعدوان الظالم والمذابح الجماعية. فهو من معالم وآثار فلسطين الخالدة حيث تجد أشجار الصبر رمزا للصمود ولا تزال منغرسة في محيط القرى المدمرة منذ 65 عاما، حارسة وشاهدة على العنف والبطش في بلد الأنبياء والسلام حتى الساعة.
في السبعينيات وبعد النكسة خرج الناس إلى بلادهم السليبة التي انتزعوا منها عنوة لتهدى إلى عدوهم الغريب. وكانت لهفة الفلسطينيين لمشاهدة مدنهم وقراهم وبواديهم تبعث الحسرة والأسف، وقد اخذوا الأبناء ليعرفوهم على أوطانهم التي لن تنسى أبدا.
هناك، كانت أشجار الصبار بخضرتها الداكنة تحيط ببيارات البرتقال حاضرة ومعبقة بذكريات الماضي وقصص الأجداد التي لا يمكن أن تنسى مهما تمادى المحتل في طمسه لمعالم الوطن.
صفات الصبار
تتصف هذه الشجرة القوية الصامدة بقدرتها على مواجهة كل الظروف المناخية الصعبة من جفاف، وحرّ وبرد ورياح ... الخ أوراقها تتحور إلى أشواك أبرية ناعمة، ولكنها شديدة الوخز لمن يقترب منها. امّا سيقانها فهي ألواح تختزن الماء وجذورها عميقة ممتدة في الأرض. وتتكاثر هذه الشجرة بزراعة (الواح) الصبر بالعقل، حيث يتكون لها جذورٌ ثم تمتد لتكون أخرى وبعد ثلاث سنوات تصبح شجرة مثمرة لاكواز الصبر اللذيذة المفيدة – ومن أشهر أنواع ثمار الصبر النوع المسمى بالخضاري.
للصبر فوائد علاجية من المعروف ان سيقانه (ألواح الصبر) تختزن الماء وتستعمل في وصفات علاجية للأمراض الجلدية وكذلك لعلاج البثور والحروق وتستعمل لتجميل البشرة ومجال صناعة الكريمات للتجميل ومن الوصفات الشعبية الشائعة، هو شيّ هذه الألواح في الطابون أو الفرن واستعمال السليلوز والماء المبرد والمعقم للبشرة والملائم لكافة أنواعها، والآن تعد منه مواد تجميلية مختلفة وهناك زيت الصبار ايضا.
ثمار الصبر يحيط بها قشرة سميكة تنتشر على ظهرها الأشواك، أما اللب في داخلها فيحوي بذورا صلبة سوداء، وحبة الصبر حلوة لذيذة الطعم وله ميزات عدة منها مفعولها الملين والهاضم. ويتجنب الآكلون تناوله في أوقات متأخرة من الليل أو في الصباح الباكر على الريق، ويحتوي كوز الصبر (حبة) على مقادير من المواد السكرية تبلغ 14% من وزنه، وعلى1% من المواد البروتينية، وعلى كمية من الفيتامين (ج)، والفيتامين (أ) أما أهم المعادن الموجودة فيه فهي الكلس والفسفور، وموسم الصبر يكون طوال شهري تموز وآب ويعمل الجميع من نساء ورجال وفتيان في الجمع والبيع والتقشير والتسويق.
جمع الثمار وتقشيرها:
تجمع ثمار الصبار بواسطة (اللقاطه) وهي عبارة عن علبة معدنية مرتبطة بعصا طويلة تُركز على الحبة حتى تدخل في فوهة العلبة ثم تسحب. بعض الناس يفركونها بالتربة الرملية او الطينية ولكن الافضل من ذلك هو سكب الماء بواسطة حنفية قوية ذات ضغط عال او (بربيج) الانبوب المطاطي فيدفع بالشوك ان ينزل مع الماء ويصفى ثم تبدأ عملية قطع الطرفين وشق الحبة بسكين وفتح الطرفين ويقوم اخر بنزع الحبة من القشرة وهكذا كما في الصور بالترتيب.
تبرد ثمار الصبر في الثلاجة وتقدم، ويتم التخلص من القشور بطمرها تحت التراب كي تتحول إلى (دبال يغني التربة) أما في المناطق التي تعيش فيها الإبل فإنها تأكله بأشواكه.
يقول المثل الشعبي في تموز اقطف الكوز، (والكوز) هو الاسم الشعبي للثمرة.
واذا دخلت بعض الاشواك في الايدي فيمكن استعمال الزيوت النباتية الملينة والمضعفة لهذه الاشواك، حيث تدهن بزيت الزيتون او زيت السيرج وتمسح بعكس الاتجاه لغزة الشوكة في اليد فتخرج بسهولة. ومن المخاطر جمعها في اوقات فيها ريح حيث يخشى من اصابتها للعين حيث تطير في الهواء ويجب الحذر والانتباه ومراجعة الطبيب.
الصبر، الصبار في الوجدان الشعبي:
في المعتقد الشعبي الفلسطيني كما ورد في رواية الدكتور توفيق كنعان يقال: "ان النبي الخضر الذي كان يشرب من ماء الحياة فقط، سكب الباقي في طاسته فوق شجرة الصبر التي كانت بقربه، ومنذ ذلك الوقت بقيت شجرة الصبر دائمة الخضرة وغير قابلة للإتلاف، وهذه رمزية التجدد الدائم والخضرة الدائمة وقوة التحمل.
دخلت شجرة الصبر في عالم التعبير والرمزية في القصص والأدب الفلسطيني وفي اللوحات الفنية للفنانين الفلسطينيين الذين عبروا عن الألم والنكبة والحروب والويلات والآمال.
تقول الدلعونا:
يـا شـعبـي فينا التاريخ تغنّـا وخلد اوطاني وقدّس وطنّا
بوحدة معروف ومحمود وحنــّا نعلّي رايتنا، والارظ نصونا
بيني وبين ارظي وحده متيني جهدي بعطيها وخيرا بتعطيني
حبة الصبــر منها تـكفيني تامنو يرجع زهـر الحنونــا