شذرات بيئية وتنموية.. مُهربون وانتخابات بلدية ورسائل بيئية أسيرة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

أحلام مؤسفة
تضطر للعودة من أريحا إلى جنين في وقت متأخر، وترافق حافلة قادمة من الجسر الذي لم تصله منذ سنتين بسبب الجائحة.
يتطوع مُهرّبان يجلسان بجوارك للحديث بصوت عالٍ عن فنون التحايل على الجمارك، وخفة اليد في السوق الحرة، وأسرار التجارة السوداء، وطرق إدخال بضائعهما، واحتساب أرباحهما.
مؤسف وصولنا إلى هذا الحد، وتقزَّم أحلامنا إلى الظفر برزمة سجائر، أو أجهزة خلوية، أو حليب أطفال، أو علب مكياج. والمؤلم تخلينا عن خصوصيتنا، وعدم الاستعانة على قضاء حوائجنا بالكتمان.

رسائل اسير
رسالة وعتمة
اعتقلني الاحتلال في 14 أيار 1992. كنت في السادسة عشرة.
أسترد لأول مرة جزءًا من رسائلي لأهلي، فبعضها كان عبر بوابة إدارة المعتقل، والثانية بأمعاء إخوة القيد ورفاقه، الذين يبتلعون الورقة بعد تحويلها إلى ما كان بـ (الكبسولة)، ثم يسرعون بها إلى الأهل.
تكشف رسائل الأسير نقاط ضعفه، عندما يقر فيها بتوقه للشمس والعودة لهواياته، ويتمنى أن يرجع لدفء حضن أمه، ويتخيل شكل المدرسة، ويتوق للامتحانات التي درس نصوصها، واستلام جائزته في الكتابة الإبداعية.
المؤسف أن أمي لم تكمل إلا نصف صفها الأول الابتدائي، علي يد (ميمنة) ابنة الشيخ الثائر عز الدين القسام، التي رحلت عن البلدة، وهذا يعني أنها لم تكن تقرأ رسائلي إلا بقلبها ودموعها.
كتبت في إحدى البرقيات طلبًا لأبي -رحمه الله- ولإخوتي أن يكملوا غرس الحديقة، التي بدأت بها أنا وأخي زيدان الذي شاركني القيد. رجوتهم زرع ليمونة شهرية في الجهة الغربية، وزيتونة نبالية في المنتصف، وأن يقنعوا والدي بعدم اجتثاث التوتة الحمراء، فقد كان لا يُطيقها، وأوصيتهم بالزعتر والنعناع.
مما رسمته في كتاباتي لأهلي مخططًا للحديقة، كنت مجنونًا بها، وأتخيلها كيف تكبر شيئًا فشيئًا، خاصة أن شتاء 1992 كان ثلجيًا وخصبًا وقفز عن كل المعدلات، كنت أحلم بالزيتون واللوز، وأتخيل مشهد الدراق الأحمر والمشمش، وأشتهى أن أقطف التوت الأحمر، وأرى أثره على يدي.
احترق قلبي على موسم الزيتون، ومتابعة جريان ينابيع انفجرت لأول مرة من "الحاووز" و"الوادي" و"الهدف".
اشتقت لقطاف ثمار الفقوس الذي غرسته قبيل الاعتقال، وشم النرجس في "الصفحة"، واللهو بقرن الغزال، والذهاب في يوم صيفي إلى أرض النجمة لجني الصبر والتين.
وضحكت حد الجنون، حين تذكرت سطونا على بيارة (أبو عباس)، وسرقتنا للخيار من دفيئة الجيران، وتفاخرنا ببواكير اللوز الأخضر.
تُعيد لنا شهادات الأسيرين محمد ومحمود العارضة كثيرًا من التفاصيل القاهرة، لقد استطاعا ملء عيوننا بالدموع ليلة بأكملها، إذ لا يعرف معنى الاعتقال إلا من ذاق مرارة السجن، أو تقمص دور الفاقد للحرية.

انتخابات محلية
تنافس صاخب
أتابع منذ سنوات السباق الانتخابي للهيئات المحلية، الذي تحتدم فيه المنافسة على مقاعد المجالس والبلديات.
في هذه الفترة تتغير النفوس، وتكُثر الوعود وغالبًا ما تكون دون رصيد، وتُعقد لقاءات عائلية وحزبية، وتلمع قاعدة (وما أنا من غزية، إن غوت غويت، وإن ترشُد غزية أرشد).
سألت مرة متنافسين عن معرفتهم بصلاحيات الهيئات المحلية، وبرامجهم البيئية، فذُهلت من إجاباتهم، فسوادهم الأعظم لم يقرأ القانون، ولا يعرف واجباته ومسؤولياته، ويحصر البيئة في زيادة عدد حاويات النفايات.
لا يحتاج التنافس لخدمة المواطنين إلى برامج رومانسية، أو تعبيرات إنشائية بلاغية، ويكفي القوائم-وهي نظام انتخابي عقيم ويحتاج العودة للترشح الفردي- كتابة سطر واحد: متنافسون لخدمة بلدنا بكل ما نستطيع، ولتنفيذ قانون الهيئات المحلية، وللاهتمام بنظافة مدننا وتجمعاتنا.
أتمنى على المترشحين والحالمين بمقاعد البلديات معرفة واجباتهم جيدًا، وتوفير إجابات صادقة على مواعيد التخلص من حفر الطرقات، وتدشين نظام صرف صحي، ومعالجة الكلاب الضالة، وتنظيم الباعة المتجولين، وتنظيف تلال القمامة، وتطوير شبكات المياه والكهرباء، وصيانة المقابر، وغيرها، فالأمر تكليف لا تشريف.

حبر وورق
ورق وحبر
استمعتُ إلى زعيم عربي قال مرة إن قرارات بلاده ليست ورقًا على حبر، وكأنه نسي من الذي يحتل الآخر: الحبر أم الورق.
وسألت دبلوماسيًا ونحن في مقر الأمم المتحدة الرئيس: كم قضت خطاباتكم وقراراتكم دون رصيد على شجرة بريئة وغابة جميلة؟
ضحك الدبلوماسي صاحب الشعر الأبيض وأجاب: هذه مهنتنا.

تجارة علمية
تشاهد إعلانات عن بيع أبحاث دراسات عليا ودنيا، ويضع المعلنون عناوينهم وهواتفهم، وبعضهم يحدد أسعار خدماته.
بهذه الطريقة وبمثل هذه الإعلانات تضيع هيبة الدرجات العلمية، وعلى هذا النحو صارت السماء تُمطر ألقابًا.
من لا يُلاحق بيع الشهادات العليا والدنيا هو شريك في جريمة تزويرها.

تواصل وانقطاع
غرق العالم مطلع الشهر الماضي في انقطاع مواقع التواصل عدة ساعات، وتكبدت شركاته العملاقة خسائر فادحة. الأهم في كل ما حدث، شعور غالبيتنا بفقدان شيء لا يُعوض، وهو ما أثبت أننا رهائن لافتراض وقوة عظمى غير مُعلنة.
يبدو أننا قبلنا بالعالم الأزرق باعتباره مساحة إما للإفراط في الهروب من الواقع، أو للمغالاة في نقده، وقلما نوظف هذا السلاح غير التقليدي للبناء والتواصل.