لمكافحة البعوض.. غزة تنجح في إنتاج مبيد حيوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

لا يُسبّب البعوض المتواجد في قطاع غزة أيًا من الأمراض الخطيرة مثل الملاريا، إلا أن الإزعاج الناجم عن لسعه، كان ولا زال مشكلة طويلة الأمد تُنغص على المواطنين في أغلب مناطق القطاع.
إنها مشكلة تتكرر كل عام، وبخاصة في فصل الصيف والأجواء الدافئة، لا سيما في المناطق القريبة من تجمعات المياه مثل وادي غزة، وبِرك معالجة المياه العادمة، ومناطق تجميع مياه الأمطار، وهذه المستنقعات تعد بيئة ملائمة لتكاثر البعوض، مما يُشكّل خطراً على الصحة العامة.

الطرق المُتبعة لمكافحة البعوض في قطاع غزة:
يقول موسى مطر الخبير في مجال مكافحة البعوض في بلدية غزة، إن المشكلة قديمة وتؤرّق المواطنين، فمنذ أكثر من 20 عاماً يستمر قسم الصحة الوقائية في البلدية في تلّقى الشكاوى من سكان مدينة غزة، والتي قد تتجاوز في موسم الصيف 500 شكوى وفي بعض الأعوام أكثر، تبعاً لكلامه.
ويضيف مطر: "يتواجد البعوض على مدار العام، لكن ينشط في الصيف، وفي مدينة غزة تساعد بعض الظروف في كثير من الأحيان على توفر بيئات مواتية لنمو البعوض، بسبب التجمعات المفتوحة للمياه سواء المطر أم المياه العادمة، وأيضاً بعض الأراضي الزراعية التي يتخلص أصحابها من المياه العادمة في مناطق مفتوحة وليس عبر شبكات الصرف الصحي".
وعن المواد التي تستخدمها البلدية عادةً في مكافحة البعوض، يذكر منها: "المشتقات البترولية كالسولار، وأيضًا الزيت المحروق، وهذه المواد تُستخدم للقضاء على اليرقات الموجودة في التجمعات المائية، وفي كثير من الأحيان نلجأ إلى كميات ضخمة من المواد المرشوشة في الهواء للتقليل من أعدادها لا سيما في وقت الذروة".
داعيًا السكان إلى المساعدة في مكافحة البعوض، بالتخلص من تجمعات المياه الراكدة، وخاصة في فترة ما قبل الذروة لتكاثر البعوض والتي تكون في شهريّ إبريل ومايو من العام.

المكافحة الحيوية:
وتُعرف بالاستفادة من أعداء البعوض في الطبيعة، وزيادة فعاليتها للقضاء على أكبر عدد منه، ومن هذه الطرق مكافحة اليرقات عن طريق أسماك صغيرة تتغذي على يرقات البعوض، وأهم هذه الأنواع (جمبوريا افينس).
وتبيَّن أنه ليس بإمكان هذا النوع من الأسماك القضاء كليًا على يرقات البعوض في حال توفرت أعشاب مائية أو مواد غذائية أخرى تستطيع السمكة التهامها دون مجهود، إلا أنها باستطاعتها الحد من أعداد اليرقات.
ومن مميزاتها
1 آمنة لا تضر الإنسان والبيئة.
2 اقتصادية ورخيصة التكاليف مقارنة بطرق المكافحة الأخرى.
3 سهلة التطبيق.
ونظرًا لأن طرق استخدام الزيوت ومشتقات البترول في مكافحة البعوض ليست طريقة آمنة بيئياً، عملت
الجهات المعنية كالبلديات والوزارات على توفير مواد أخرى أكثر أمانًا على البيئة والصحة العامة مثل المبيد الحيوي المعروف بـ ـ Bacillus Thuringiensis (BT) وهو مبيد يُستورد من الداخل المحتل، لكن هذا البديل من الصعب الاستمرار في استخدامه نظراً لارتفاع سعره، وأحياناً لا يُسمح باستيراده بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة.
ما هو المبيد الحيوي BT(Bacillus Thuringiensis)
عبارة عن بكتيريا عصوية يتراوح طولها بين 3-5 ميكرون، وتتميز بقدرتها على تكوين جراثيم تحفظها داخل أجسامها في أبواغ - خلايا تكاثريّة لديها المقدرة على إنتاج فرد جديد دون الحاجة إلى خليّة إنجابية- أو حافظات جرثومية عندما تستشعر الخطر. وتوجد بشكل طبيعي في التربة، وقد عُزلت واُستخدمت في عام 1982 بنجاح كبير في المكافحة ضد كثير من الحشرات ومسببات الأمراض بواسطة مكافحة اليرقات مثل البعوض والذباب الأسود وغيرها.

تغذية يرقات البعوض على بكتيرياBT
عندما تتغدى يرقات البعوض على بكتيريا BT تتحول هذه الجراثيم إلى مادة سامة في الجهاز الهضمي لليرقة، فتغرس نفسها داخل الغشاء البلازمي للخلايا المبطنة للقناة الهضمية لليرقة وتموت في غضون أيام، وتصبح جراثيم بكتيريا BT سامة فقط في معدة البعوض والذباب الأسود، إلا أنها آمنة تمامًا لكل أنواع الحشرات والسمك. ويتوفر العديد من منتجات مكافحة البعوض المعتمد على هذه البكتيريا، منها السوائل أو الأقراص والحبوب.
ويؤثر نوع التجهيز على مدة صلاحية المبيد وقوة ومجال التأثير، فمثلًا تُستخدم الأقراص في المياه الراكدة كونها تدوم مدة أطول، بينما تستخدم السوائل عالية التركيز غالباً في المياه المتحركة.

إنتاج المبيد الحيوي بقطاع غزة BT
حاول مجموعة من الباحثين استنبات هذه البكتيريا في المختبر بغرض الإنتاج التجاري، وفي محاولة لإيجاد بديل محلي أرخص وأكثر فعالية من المنتج المستورد من مادة الــ BT.
تمكن الفريق من إنتاج البكتيريا باستخدام مواد أولية رخيصة ومتوفرة محليًا كغذاء للبكتيريا مثل ريش الدجاج وبعض الإضافات الأخرى التي تساعد في نمو وتكاثر البكتيريا، مما أدى إلى الاستغناء عن الأوساط المُصنّعة ذات التكلفة العالية والتي يصعب استيرادها مع الحصار الإسرائيلي المستمر، وأُنتج بنجاح ما يعادل 50% من حاجة قطاع غزة السنوي للمبيد الحيوي.
وبذلك يكون تطوير عملية الإنتاج، سالف الذكر، الأول من نوعه في قطاع غزة، علمًا أن الباحثين يعكفون حاليًا على إنتاج البكتيريا بشكل مُركز وقابل للتخزين لفترات طويلة.

طريقة استخدام الـ BT
يُنتج محليًا عادة سائلاً مُركزاً يُخفّف عند الاستخدام، ويُحفظ في درجة حرارة لا تزيد عن 4 درجة مئوية.
تبدأ العملية بتحضير المواد العضوية التي تتغذى عليها البكتيريا، وتتكون من خليط من ريش الدجاج والبطاطس وأعلاف الأرانب، فتُخلط هذه المكونات وتُعقّم في 121 درجة مئوية كي يُقضى على كل أنواع البكتيريا الموجودة فيها، ثم تُنقل إلى جهاز مُصنع محليًا يساعد على تحلل المادة العضوية الموجودة فيها لتجهيزها وسطاً ملائمًا لنمو وتكاثر بكتيريا الــ
BT ثم تُضاف إلى الجهاز لمدة 48 ساعة وفي أثنائها تنمو وتتكاثر البكتيريا لتصل الى التركيز المطلوب وبذلك تُصفّى سائلًا جاهزًا للاستخدام.
ومن المثير للاهتمام أن إنتاج الـــ BT محليًا يقلّل من تكلفة مكافحة البعوض حيويًا إلى الربع، مقابل حوالي 20 دولارًا للتر في المستورد، فيما يكلف الإنتاج المحلي تقريبا 5 دولارات للتر الواحد، فضلاً عن أن توفير إنتاج هذه البكتيريا محليًا فرصة للاكتفاء الذاتي خصوصاً مع الحصار القائم.
وأخيراً، تشكل المكافحة الحيوية للبعوض بديلاً عن استخدام المبيدات الكيميائية التي ثبت ضررها على الإنسان والبيئة على حد سواء، وبالتالي هي الخيار الأفضل والأكثر أمانًا للبيئة والصحة العامة.
المراجع:
1 "انتشار البعوض شمال غزة"
https://hadfnews.ps/post/47180
2 بكتيريا لمكافحة البعوض والحشرات حيوياً
https://arsco.org/article-detail-1163-8-0