المخاطر الطبيعية التي تسمى أيضًا بالكوارث هي كل الأخطار الحتمية والمرئية التي قد تحدث بطريقة فجائية، ويمكن أن يكون وقعها على جميع الكائنات الحية.
يتصدر موضوع المخاطر الكبرى بمختلف أنواعها اهتمامات الدول المتقدمة لارتباطه الوثيق بالحياة اليومية من جهة، ولضخامة الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها، والتي تؤثر بصورة مباشرة على الناحية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى (بوسماحة أحمد، 2013).
ويُعد الفيضان تهديداً تعانيه جميع دول العالم على غرار المخاطر الأخرى، وقد أصبح كثير الحدوث في الآونة الأخيرة مخلّفًا خسائر كبيرة، وذلك لعدة اعتبارات أهمها: التغير المناخي، وزيادة التحضر، و التعمير في مناطق الفيضان ( Hafnaoui et al).
وتُعرف إجراءات الوقاية من الفيضانات بأنها التدابير الضرورية الواجب اتخاذها لبلوغ درجة من الإعداد الأمثل لحماية وتأمين السكان والممتلكات في مواجهة أخطارها المحتملة، وذلك بأنظمة الإنذار، وخطط الإجلاء، وغرس الغابات، وبناء السدود وتوجيه المياه بالطرق الحديثة، ودراسة النتائج وإعداد المخططات المناسبة من قِبل الأفراد والجماعات والأجهزة المختصة.
إن البحوث العلمية في مجال الأرصاد الجوية والهيدرولوجية والهيدروليكية، والطرق الحديثة المرتبطة بتدارك هذه المخاطر نجحت إلى حدٍ ما في التخفيف من حدة الأضرار، إلا أنها مع ذلك تبقى جزئية وتتطلب ترسيخ مبادئ وقائية للتخفيف من آثارها، وأبرزها حماية المناطق المُعرّضة للفيضانات ودعمها ببناء السدود والبحيرات الجبلية والحواجز وقنوات تحويل المياه وأحزمة مياه أمطار تغمر المحلات والشوارع، انطلاقًا من وضع خارطة وطنية تنبئية خاصة بها (شنينة آمال وعمران نبيلة 2015).
يتميز مركز البحث العلمي والتقني للمناطق الجافة وشبه الجافة بولاية بسكرة بتقديم أدوات مساعدة للسلطات الولائية للمساعدة في التقليل من خطر الفيضانات ألا وهي الخرائط التنبئية، وهو واحد من المراكز العلمية الوطنية في البلاد.
وفي هذه الدراسة نلقي نظرة شاملة على هذا العمل البحثي.
الإشكالية:
للجزائر تاريخ طويل مع الفيضانات، فقد عانت الأمرَّين من كوارثها من الناحية المادية والبشرية، وما تزال تعاني هذا الخطر الكبير إلى يومنا هذا وبدرجة أكبر بسبب تزايد عدد السكان.
إن منطقة الجنوب الجزائري واحدة من المناطق المهددة بخطر الفيضانات نظرًا لتموضعها داخل حوض يحيط به الجبال من الجهات كلها، الأمر الذي يسمح بتجمع المياه فيه.
هذا النوع من المواضع يُحتّم على الإنسان احترامه وتسييره بشكل جيد أو التعامل معه بحذر شديد، كما أن وعي المواطن والتزامه بالإجراءات الوقائية والأمنية تفاديًا لوقوع الفيضانات له دور مهم في تجنب وكذلك الخروج من الكارثة بأقل ضررٍ إن وقع باعتباره مسؤولاً أيضًا.
الهدف العام للعمل:
يُبرز العمل أحد العوامل المساعدة في التقليل من خطر الفيضانات ألا وهي الخرائط التنبئية، التي يمكن بواسطتها تحديد المناطق المُعرّضة للخطر، وهي بمثابة أداة تساعد على اتخاذ القرار من قبل السلطات الولائية لتنفيذ الإجراءات المناسبة.
الفيضانات في الجزائر
تُشكّل ظاهرة الفيضانات مصدر قلق كبير في العالم بسبب الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تسببها، والجزائر ليست بمنأى عن هذا الخطر، ففي العقدين الماضيين حدثت فيضانات في بعض مناطقها.
على سبيل المثال: فيضان باب الواد عام 2001 (أزيد من 900 وفاة ومفقود)، أدرار عام 2004 (3 قتلى) ، غرداية عام 2008 (47 قتيلًا بتدفق 3200 م 3 / ث) ، بشار عام 2008 (8 قتلى)، البيض عام 2011 (12 قتيلاً)، فيضانات تمنراست عام 2015 (13 قتيلاً) وفي 2018 (5 قتلى).
وأخيراً فيضان الشلف الذي أودى بحياة 10 أشخاص (الحماية المدنية)، الجدول (1) يبين لنا أهم الفيضانات التي ضربت الجزائر من حيث الخسائر البشرية.
بعض العوامل المساهمة في حدوث الفيضانات بالجزائر:
التغيرات المناخية:
في السنوات الأخيرة، شهدت العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم فيضانات مدمرة جراء التغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري والمتمثل في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ففي الجزائر تزداد هذه الظاهرة بوتيرة متسارعة وتكبد خسائر فادحة في الأرواح وتوقع أضرارًا مادية، وكان أسوأ هذه الفيضانات كارثة باب الوادي.
وتتميز عموماً بعواصف رعدية متقطعة قصيرة المدة وعالية الشدة ( Hachemi et Ben Khaled, 2018).
إليكم بعض الأمثلة على ذلك:
- فيضان باب الوادي في العاصمة في نوفمبر 2001: بلغت كمية التساقط 204 ملم في 24 ساعة، وهي كمية لم تُسجل منذ عام 1936 (Tabet et al, 2012 ، الحماية المدنية)،
- فيضانات البيض سنتي 2008 و2011: بلغت كمية التساقط 60 و 65.9 ملم على التوالي في 24 ساعة، وهي كمية لم تُسجل منذ عام 1970 (Hafnaoui et al, 2020)،
- فيضان بشار في أكتوبر 2008: بلغت كمية التساقط 84.6 ملم في 24 ساعة، وهي كمية لم تُسجل منذ عام 1963 (Madi et al, 2020)، الشكل (1) يبين القيم اليومية القصوى لتساقط الأمطار من 1963 إلى 2012 في مدينة بشار.
جدول(1): كرونولوجيا- علم تحديد الأحداث في الزمن- أهم الفيضانات من حيث الخسائر البشرية
المكان
|
التاريخ
|
الخسائر
|
ملاحظات
|
بسكرة
|
26-30/09/1969
|
26 وفاة
|
دوأج
|
عزازقة (تيزي وزو)
|
12/10/1971
|
40 وفاة
|
ح م
|
العاصمة و تيزي وزو
|
28-31/03/1974
|
52 وفاة
|
ح م
|
العلمة (سطيف)
|
01/09/1980
|
44 وفاة
|
ح م
|
عنابة
|
11/11/1982
|
21 وفاة
|
ح م
|
الجلفة
|
22/08/1983
|
10 وفاة
|
ح م
|
جيجل
|
03/02/1984
|
20 وفاة
|
و و م م
|
غرداية
|
03/06/1991
|
09 وفاة
|
و و م م
|
غيليزان
|
20/10/1993
|
23 وفاة
|
ح م
|
برج بوعريريج
|
23/09/1994
|
16 وفاة
|
ح م
|
الأغواط
|
28/10/1995
|
40 وفاة
|
ح م
|
عنابة
|
04/04/1996
|
05 وفاة
|
و و م م
|
ادرار
|
14/01/1999
|
12 وفاة
|
و و م م
|
النعامة
|
23/10/2000
|
05 وفاة
|
و و م م
|
باب الواد ( العاصمة)
|
10/11/2001
|
أزيد من 900 وفاة و مفقود
|
ح م
|
سيدي بلعباس
|
18 و 19/04/2007
|
07 وفاة
|
ح م
|
غرداية
|
01/10/2008
|
43 وفاة
|
و و م م
|
بشار
|
08/10/2008
|
08 وفاة
|
ح م
|
البيض
|
01/10/2011
|
12 وفاة
|
ح م
|
تمنراست
|
15/09/2015
|
13 وفاة
|
ح م
|
تمنراست
|
04/08/2018
|
05 وفاة
|
ح م
|
الشلف
|
06/03/2021
|
10 وفاة
|
ح م
|
- دوأج: الديوان الوطني للأرصاد الجوية.
- ح م: الحماية المدنية.
- و و م م: الوكالة الوطنية للموارد المائية.
التوسع العمراني
إن التوسع العمراني هو محصلة لزيادة عدد السكان، ويلعب دورًا مهمًا في حدوث الفيضانات، وذلك بعدم احترام المعايير التقنية، ومخططات البناء والتهيئة المُعدّة لذلك.
إن البناء الفوضوي خصوصًا على حواف الوديان يؤدي بالضرورة إلى تقليص عرض مجرى الأودية، مما يتسبب في زيادة احتمالية فيضان في هذه الأودية عند هطول أمطار غزيرة وبشدة عالية.
يبين الشكل (2) مدينة بشار القديمة في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي والمدينة نفسها في الوقت الحالي، وهو يعد مثالًا على أثر التوسع العمراني في تناقص عرض مجرى الوادي لمدينة بشار، مما يساهم في احتمالية حدوث فيضانات.
 |
الشكل (1): القيم اليومية القصوى لتساقط الأمطار من 1963 إلى 2012 في مدينة بشار |
|
 |
الشكل (2): التوسع العمراني لمدينة بشار |
طريقة بناء المنشآت
يساهم سوء التصميم في بناء المنشآت على غرار الجسور في زيادة احتمال حدوث الفيضانات.
يوضح الشكل (3) تصاميم بعض الجسور التي بُنيت في مدينة بشار، والتي ساهمت في حدوث فيضان بشار في أكتوبر 2008.
نلاحظ من الشكل (3 أ) أن ارتفاع الجسر لا يكفي لاحتواء السيول، كما يوضح الشكل (3 ب) أن جزءًا مهمًا من الجسر بُني في الوادي مما يسهم بشكل كبير في فيضانه.
 |
الشكل (3): طريقة بناء المنشآت |
أنظمة تصريف مياه الأمطار
إن وجود مصارف مياه الأمطار في المناطق الحضرية ضروري لتصريفها، وعدم وجود مصارف قادرة على احتواء العواصف المطرية الشديدة أو إهمال صيانتها الدورية يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة مخاطر الفيضانات في المدينة.
يوضح الشكل (4) ركود المياه في شوارع مدينة البيض بعد فيضان أكتوبر 2011، مما يكشف عن عدم قدرة مصارف مياه الأمطار على تصريفها.

الشكل (4): ركود المياه بعد فيضان أكتوبر 2011 (بلدية البيض)
الوقاية من خطر الفيضانات
هناك العديد من الطرق التي تساعد في التخفيف من آثار الفيضانات، على سبيل المثال: تهيئة الوديان بما يسمح باحتواء تدفق المياه مما يمنع حدوث الفيضان، أو إنشاء حواجز أو سدود صغيرة تقلّل من تدفق المياه، وبالتالي تمنع كذلك حدوث الفيضانات.
ومن بين هذه الطرق كذلك، إنشاء الخرائط التي تساعد على اتخاذ القرارات قبل حدوث الفيضان.
ويتطلب إعداد هذه الخرائط المرور بجملة من المراحل، أولها إجراء دراسة هيدرولوجية أو هيدروليكية، هدفها تقدير تدفق الأقصى للمياه وفترات عودتها، تليها النمذجة الهيدروليكية باستخدام البرامج الخاصة بذلك مثل برنامج HEC-RAS (الشكل )، ثم إتمام الخريطة بواسطة نظام ArcGis.

الشكل (5): النمذجة الهيدروليكية لفترة العودة 100 سنة لمدينة بشار
هناك نوعان من الخرائط، خرائط الفيضانات التي تُستخدم مرجعًا لدى السلطات المحلية في إعداد مخططات البناء والتعمير، كما في الشكلين اللذين يمثلان خريطتي الفيضانات لمدينتي بشار والبيض على التوالي، الأولى لفترة عودة 100 سنة والثانية لفترة عودة 50 سنة.


أما النوع الثاني من خرائط الفيضانات فيمكن استخدامه "نظام تنبيه" من قبل السلطات الولائية وكذلك الحماية المدنية من أجل تحذير المواطنين، وكذلك القيام بعمليات إجلاء في حال توقع سقوط أمطار يُمكن أن تحدث فيضانات.
تعتمد هذه الخرائط على النشرات أو التقارير الخاصة بالطقس الصادرة عن الديوان الوطني للأرصاد الجوية عبر توقع كميات التساقط اليومية ثم إسقاطها مباشرة على الخريطة، بهدف معرفة المناطق الأكثر عرضة لخطر الفيضان، والشكل (8) يبين خريطة الفيضانات لمدينة البيض بالاعتماد على كمية التساقط المتوقعة.

الخلاصة:
أدت الخصائص الطبيعية وفي كثير من بلدان العالم وخاصة المناخية منها إلى تأثيرات سلبية على حياة الإنسان، مما تطلَّب دراسة مستمرة للوقوف على ماهية هذه الأسباب ونتائجها.
وتُعد السيول من الظواهر المتكررة التي تحدث في منطقة معينة ومدة محددة بسبب الهطول الغزير للأمطار على المنخفضات والصحاري، وهذه الفيضانات والسيول من الظواهر المتكررة ذات ارتفاع المياه القليل مع سرعة تدفق مياهها باتجاه السهول الفيضية، مسببة تأثيرات ضارة، مما يشكل خطراً على الأراضي والسكان.
و تعد الفيضانات والسيول من الكوارث الطبيعية الأكثر انتشارًا في قارة إفريقيا وبخاصة الجزائر، وينجم عنها خسائر مالية وبشرية وعمرانية وبيئية كبيرة، إذ تُقاس شدة الكارثة وخطورتها بمقدار التكاليف البشرية والمادية التي تسببها، ومدى قدرة الإنسان على السيطرة عليها.
ولتحقيق تنمية فعالة والحد من الخسـائر الناجمــة عــن الكــوارث لابــد مــن دمـج عمليات إدارة الكوارث والتخفيـف مـن مخاطـرها في التخطيـط للتنميـة المسـتدامة لتتكامل مع بعضها البعض في أي منطقة.
وبالنظر إلى العلاقـة التبادلية بـين التنميـة والكـوارث، ينبغي تحديد اتجاهات التنمية المكانية المستقبلية لتُتبنى ضمن خطة مستقبلية، وذلك بالاعتماد على خريطة المخاطر.
ويتوجب أن تُدمج خريطة المخاطر مع خطط التنمية لتحقيق إدارة فعالة للكوارث لتحد من مخاطر كوارث الفيضانات والسيول، بغرض تحديد المناطق الواقعة ضمن نطاق الخطر حتى يتسنى لأصحاب القرار فهم مدى خطورة الفيضانات والسيول، ومن ثم التوصل إلى نتائج قبل وقوع الخطر لتوفير الاستعدادات اللازمة للتصدي لها مستقبلاً وتحديد اتجاهات النمو المستقبلية.
قائمة المراجع:
المراجع العربية
بوسماحة أحمد (2013)، الفيضانات في مدينة باتنة بين حتمية الموضع وفعالية التسيير. قسم علوم الأرض والكون. جامعة العربي بن مهيدي.أم البواقي.
شنينة آمال و عمران نبيلة (2015)، تسيير خطر الفيضانات في مدينة وادي العثمانية. قسم علوم الأرض والكون. جامعة العربي بن مهيدي.أم البواقي.
جمال باقر مطلك و حيدر محمد جواد جاسم الجزائري (2017). إدارة كوارث الفيضانات والسيول في منطقة حبر النجف. مركز التخطيط الحضري والإقليمي للدراسات العليا. جامعة بغداد. العراق.
مكتب اليونسكو الإقليمي (2009)، الظواهر الطبيعية - نحو بناء ثقافة الوقاية من كوارثها في البلدان العربية، مكتب القاهرة. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، القاهرة.
محسوب محمد صبري ومحمد إبراهيم أرباب (1998)، الأخطار والكوارث الطبيعية. الحدث والمواجهة معالجة جغرافية، دار الفكر العربي، القاهرة.
المراجع الأجنبية
Hachemi A, Benkhaled A (2016). Flood- duration-frequency modeling application to wadi abiodh, biskra (algeria). modelisation debit-duree-frequence application a oued abiodh, biskra (algerie). Larhyss 27: 277–297.
Tabet HMA, Baghli A, Bensaoula F, Mami EF, Ghellaï N (2012). La crue centenaire de Bab EL Oued, Alger (Algérie). In: Evénements extrêmes fluviaux et maritimes. Leurs variabilités spatiales et chronologiques dans l'ouest de l’Europe. 34èmes journées de l’hydraulique Paris, 1 et 2 février 2012.
Hafnaoui, MA, Madi M, Hachemi A, Farhi Y (2020). El Bayadh city against flash floods: case study. Urban Water Journal, 1-6.
Madi M, Hafnaoui MA, Hachemi A, Ben Said M, Noui A, Chaa AM, Bouchahm N,
Farhi Y (2020). Flood risk assessment in Saharan regions. A case study (Bechar region, Algeria). Journal of Biodiversity and Environmental Sciences (JBES) 16(1):42-60.