خاص بآفاق البيئة والتنمية

أثبتت الوقائع الصارخة على الأرض الفلسطينية المحتلة، أن الاحتلال الإسرائيلي شكل ولا يزال يشكل، أخطر عامل مدمر للأرض والبيئة الفلسطينيتين.
وتتمثل أبرز الجرائم الصهيونية، في الآثار التخريبية الناتجة عن جدار العزل الكولونيالي، على مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية المزروعة والخصبة، التي جُرِّفَت ونُهِبَت، فضلا عن تدمير الغطاء الأخضر، واقتلاع وسرقة مئات آلاف أشجار الخروب، والزيتون، واللوزيات، والنخيل، واجتثاث النباتات البرية النادرة، وسرقة التربة السطحية الخصبة، وتهديد التنوع الحيوي، وبعض الأنواع الحيوانية في منطقة جنين والأغوار، مثل بعض الطيور البرية، والغزلان، والقنفد الصخري، والذئاب، والضباع، وتهديدها بالإنقراض.
كما نهب الاحتلال الصهيوني، ولا يزال، المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية، وجفف ويجفف الآبار الأرتوازية، والينابيع المتدفقة بشكل طبيعي، لصالح مستعمراته في الضفة الغربية وقطاع غزة، وللصهاينة داخل "إسرائيل" نفسها، مما أدى، بشكل مباشر، إلى تدمير الزراعة الفلسطينية، وبشكل غير مباشر، إلى تصحر بعض الأراضي الفلسطينية.
وفي أثناء انتفاضة الأقصى (الأعوام 2000-2004)، وصلت عمليات التخريب الصهيونية الوحشية للبيئة الفلسطينية، إلى ذروة لم تصلها من قبل، من ناحية تجريف وتدمير واسع للأراضي الزراعية، والمناطق الحرجية، واقتلاع نحو مليوني شجرة مثمرة.
وبالرغم من عوامل التدمير البيئي الموضوعية، المتعلقة أساسا بالاحتلال ومستعمراته، فإننا أيضا، كمجتمع فلسطيني، نتحمل قسطا هاما من المسؤولية عن التدمير البيئي الجاري.
فعلى سبيل المثال، وفي ظل غياب القانون وانتشار الفقر، لا يتورع بعض العابثين من حرق وتقطيع آلاف الأشجار في محافظة جنين التي يوجد فيها نحو 270 ألف دونم من الأحراش. كما أن بعض الأحراش والغابات في مناطق أخرى، تتعرض للتدمير أو التدهور، ما يتسبب ليس فقط في خسارة النظم البيئية الطبيعية والتنوع الحيوي والموارد المتجددة، بل أيضا، في ظواهر خطيرة مثل انجراف التربة وتآكلها والفيضانات.
وبالإضافة لدور الاحتلال الرئيسي في تدمير أشجارنا، فإن الحرائق والتمدد العمراني، يعدان أيضا من الأسباب الهامة لدمار تلك الأشجار. وبسبب التمدد العمراني، وزيادة الطلب على الحجارة والحصى والرمل، كمواد للبناء، أصبحت المقالع والكسارات تلعب دورا هاما في تدهور الأحراج والغابات، علما بأن معظم المقالع والكسارات أنشئت عشوائيا، ودون الالتزام بمبادىء وقواعد السلامة البيئية والصحية في عملها.
وهنا، لابد من التنويه، إلى أن عملية تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة، كفلسطين، هي ما يعرف علميا بالتصحر، وليس كما يظن الكثيرون، بأن التصحر عبارة عن زيادة المساحات الصحراوية. بمعنى، أن التصحر عبارة عن تراجع البيئة التي كانت مستقرة سابقا، وذلك بسبب النشاطات البشرية، مثل اجتثاث الغابات، وتعرية الغطاء النباتي، والرعي الجائر، وتملح الأراضي المروية، وإنهاك التربة عبر الإفراط في الزراعة الكيميائية التجارية المكثفة والأحادية، وأسباب أخرى.
الأحراج والغابات الطبيعية والمعدَّلة تعد مخازن رئيسية لغاز الكربون. ولدى امتصاص الحرارة والماء وإطلاقهما، تلعب الغابات والأحراج دورا أساسيا في تنظيم المناخ. كما تمنع الغابات انجراف التربة والانهيارات الأرضية، وذلك بسبب امتصاصها لمياه الأمطار الغزيرة وتقليل هدرها. وترفع الغابات رطوبة التربة والهواء. وتلعب الأشجار دور مِصَدات للرياح في الأراضي الزراعية، وتقلل بالتالي من خسارة سطح التربة الخصبة. وتقلل الأشجار أيضا من ضرر عواصف الغبار، والتيارات الهوائية الباردة على الأراضي الزراعية والمزروعات. وفي المحصلة، تَحول الأشجار دون تفاقم ظاهرة التصحر. ناهيك عن كونها مصدرا للطعام، والفاكهة، والأعشاب الطبية، والوقود، ومواد البناء، وعلف الحيوانات، والسماد العضوي، ومواد خام لإنتاج الصمغ، والسليولوز، والورق، والألياف، والمطاط، والزيوت، والغلوكوز، والخل، والكحول، وغير ذلك.
وفي المدن، تمتص الأشجار ضجيج السيارات والمصانع. وتنقي الهواء من الغبار والملوثات والغازات السامة، وتوفر بيئة صحية، علما أن الأوراق الخضراء تمتص ثاني أكسيد الكربون، وتُطْلِق الأكسجين.
ويمكننا الالتزام، على الصعيدين الفردي والجماعي، ببعض الممارسات البيئية التي تساهم في الحفاظ على أراضينا وتخفيف عملية تدهورها. ومن أهم هذه الممارسات نذكر ما يلي:
أولا: الغرس المكثف للأشجار، لتفادي العواقب المتوقعة من تعرية الأراضي. وبإمكان المدارس أن تلعب دورا تربويا بيئيا هاما، عبر ترويجها لغرس الأشجار، وتعليمها الأطفال والطلاب طرق وتقنيات زراعة الأشجار، فضلا عن إنشاء مشاتل الأشجار المدرسية.
ثانيا: التطوع لزراعة الأشجار في محيط السكن، وإقامة الحدائق العامة وصيانتها، فضلا عن صيانة الأحراج والأراضي البرية.
ثالثا: التخفيف من استعمال منتجات الورق وإعادة استعمالها وتدويرها، فضلا عن استعمال الورق المعاد تدويره، لأن ذلك يساعد في إنقاذ الأشجار.
رابعا: شراء منتجات أُعيد تدويرها.
خامسا: في حال استهلاكنا الحطب من الأحراج، يجب أن نعمل على تعويض الأشجار التي قُطِعَت، من خلال زراعة الأشجار مجددا.
سادسا: جمع البذور من الأحراج والغابات، وتوزيعها، بهدف زراعتها.
سابعا: تنظيم حملات لتوعية الجيل الشاب بأهمية الأشجار والأحراج، من خلال جهاز التربية والتعليم. فضلا عن مكافحة حرائق الغابات، عبر تنظيم حملات تثقيفية، وتشكيل فرق عمل، وما إلى ذلك.
ثامنا: تجنب الألعاب النارية في المناطق الحرجية، والامتناع عن الحَفر على جذوع الأشجار.