عن الارتفاع الجنوني والمستمر لأسعار مستلزمات الطاقة البديلة

عقلانية ومنطقية، تبدو لدى الكثيرين الارتفاعات المستمرة في أسعار مستلزمات الطاقة الشمسية في العقد الأخير، والتي تأتي نتيجةً طبيعية لحجم الطلب الكبير على منتجات الطاقة البديلة بكل مجالاتها، لكن ما من أحد من المتابعين وذوي الاختصاص كان يتوقع هذا المعدل الهائل في ارتفاع أسعار الطاقة البديلة لا سيما الطاقة الشمسية، مما سيُلقي بأثره على سوق الطاقة البديلة برّمته.
ففي الأيام الأخيرة أعلنت الشركات المُصنّعة للألواح الخاصة بالطاقة الشمسية في أكثر من بلد حول العالم زيادة مفاجئة في أسعار هذه اللوحات وصلت حتى 20% من السعر التقليدي.
وإذا أضيف سعر النقل البحري الآخذ بالازدياد بصورة غير منطقية، فإننا نتحدث اليوم عن حالة من عدم الاستقرار في التوجهات الرسمية والشعبية والمنزلية في مجال الطاقة البديلة، وهي حالة إجبار لا حالة اختيار، فهذه الأسعار العالية ستُشكل عبئاً حقيقياً على الفرد والمؤسسة والجهات الحكومية على حد سواء.
إن التبريرات التي ساقتها الشركات المُصنّعة لألواح الطاقة الشمسية، وهي شركات تتحكم بالمطلق في مجالات تصنيعها، تعبر عن حالة من التصميم على رفع مستمر في أسعار هذه اللوحات، وليست أمام قرار برفع السعر لمرة واحدة، بل هي سياسة ستكون ثابتة لديها حتى عدة أشهر قادمة كما يبدو للمحللين والمتابعين، مما سيشلّ حركة التوريد والتركيب للمشروعات التي أُقرت أو ستُقر في الفترة اللاحقة، وهو ما سيدفع إدارات الشركات العاملة في هذا المجال للتردد في إبرام أي اتفاق في هذا المجال مع أي جهة كانت، سواء شخصية "منزلية" أو صناعية أو حكومية.
إن تبريرات الجهات المُصنعة بارتفاع أسعار المواد الخام، وبخاصة "البولي سيليكون التيت" العصب الحقيقي لصناعة اللوحات الشمسية، إضافة إلى تبريرات شركة GCL التي أعلنت عن سلسلة انفجارات في مصانعها، وهي واحدة من الشركات التي تتكفل بما حجمه 10% من الحاجة العالمية في مجال اللوحات الشمسية، إضافة إلى التبرير بارتفاعات الشحن وسلاسل التوريد ونحوها، كلها تبريرات لا ترقى إلى هذا المستوى من رفع الأسعار المطرّد، والذي سيؤثر بشكل مباشر ورئيس على قطاع الطاقة البديلة، هذا إذا لم يطل الارتفاع الجنوني بقية مستلزمات الطاقة من المحولات والمولدات والبطاريات والمستلزمات الخاصة بالتوصيل والتفعيل للمشروعات الصغرى والكبرى.
وفي وقت تتجه الأنظار فيه نحو تعزيز حضور الطاقة البديلة بديلاً ناجحاً للطاقة الكلاسيكية والوقود الأحفوري، وبعد انتشار الرغبة الدافعة لدى شرائح واسعة من الشعوب والمؤسسات والأفراد نحو توريد وتركيب هذه الأنظمة العملية في بيوتهم ومنشآتهم ومؤسساتهم، إلى أن انتشرت هذه الثقافة في نطاقات جغرافية واسعة، تأتي هذه التطورات بخصوص ارتفاعات الأسعار غير العقلانية لتنسف الجهود المبذولة في تعزيز ثقافة القبول للطاقة البديلة.
إن انعدام الرؤية التنموية في منطقتنا العربية في مجال الطاقة والطاقة المتجددة، فرضت علينا أن نتعامل مع المصادر الحصرية في تصنيع مصادر الطاقة ومواردها، وجعلتنا أسرى الأسعار التي تفرضها علينا دون أن نملك حق النقاش أو المفاوضة.
الصورة المستقبلية في مجال التعاطي مع ملفات الطاقة المتجددة، والحصول على ألواح الطاقة وأجهزة التحويل والتخزين ونحوها ليست واضحة بتاتاً، فالعالم اليوم منشغل بالنقل البحري، والصراع على مصادر النفوذ، وانقطاع سلاسل الإمدادات الغذائية، وتداعيات كورونا وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ما يدعونا إلى التفكير الجدي في سبل بديلة لإيجاد المعدات والآلات والألواح والمحولات ونحوها، وهذا لا يتحقق دون أن تنهض قطاعات رجال الأعمال في عدة دول بالاستثمار الأمثل في هذا المجال، وتأمين المواد الخام وخطوط الإنتاج اللازمة لتلافي أزمات المستقبل المرتبطة بهذا المجال، حتى لا نجد أنفسنا رهينة لتقلبات السوق ورغبات المُصنعين المتحكمين بكل شيء.