ري المزروعات المنزلية بالمياه "الرمادية" غير المعالجة آفة صحية-بيئية متفاقمة في الريف الفلسطيني
مركز معا أوجد حلولاً عملية في عدة مناطق

الري المنزلي بالمياه الرمادية غير المعالجة في قرية بردلة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
أنبوب المياه الرمادية غير المعالجة لري المحاصيل في أحد المنازل الفلسطينية بقرية بردلة |
تعتبر عملية استخدام المياه الرمادية المنزلية غير المعالجة في ري الحدائق المنزلية آفة اخذة بالانتشار في أريافنا الفلسطينية، لما تشكله من أضرار بالغة ليس فقط على صحة الانسان، بل يتعدى ضررها البالغ إلى النباتات والتربة بحد ذاتها.
هذه الاضرار التي قد لا يلمس المواطن العادي أثرها في الوقت القريب، تشي مستقبلاً باختلال في طبيعة التربة ومكونات النباتات المزروعة، ما من شأنه نشر العديد من الأمراض والكوارث الزراعية.
فبالنسبة للتربة فإن التراكم المستمر للأملاح المختلفة والمواد الكيميائية يؤثر على فاعلية وخصوبة التربة من الناحية الزراعية، ومن ثم يطال أثرها السلبي النباتات نفسها عبر تراكم تلك الأملاح والمواد الكيميائية السامة في عصارتها التي تنتقل عبر السلسلة الغذائية للإنسان لتتراكم بعدها في أنسجة جسمه.
مشكلة قديمة حديثة
يذكر ان جذور المشكلة بدأت منذ فترة طويلة، فهي "عادة" عند كثير من المواطنين، حيث شملت السواد الأعظم من العائلات في ريفنا الفلسطيني، فمنذ عشرات السنين اعتاد المزارعون استخدام المياه الرمادية غير المعالجة الناتجة عن أحواض الاستحمام والمطابخ المنزلية في ري الحدائق المنزلية.
المزارع فهمي عدنان صوافطه (67) عاما من قرية بردله، عبر عن وجهة نظره في استخدام المياه الرمادية غير المعالجة والأسباب التي تدعوه هو وكثيراً من المزارعين في منطقة الاغوار الشمالية لهذا السلوك: "في ظل ارتفاع فاتورة شراء المياه، بالإضافة الى انحسار الموارد الطبيعية للمياه، عدا عن محدودية المشاريع المائية كالآبار المنزلية في الكثير من المنازل الريفية التي تسد الحاجة الأساسية من المياه لري الزراعات المنزلية ناهيك عن مياه الشرب، فكانت النتيجة العملية أن أصبحت نسبة كبيرة من الأسر الفلسطينية تستخدم المياه الرمادية غير المعالجة في ري المزروعات المنزلية.
هذه الواقع يزداد بشكل ملحوظ في التجمعات الريفية التي تعاني من عدم توفر شبكة مياه قطرية، خاصةً في شمال الضفة.
ضعف الأنشطة التثقيفية
يذكر ان قلة الوعي عند نسبة كبيرة من المواطنين حول المخاطر الحقيقية من الاستخدام الخاطئ لتلك المياه، و"اللا مبالاة" عند قسم آخر منهم كانا العامل الرئيس في تكثيف الضرر على النبات والتربة وبالتالي صحة الانسان.
أثناء تجول مجلة آفاق البيئة والتنمية في بعض الأرياف الفلسطينية شمالي الضفة، عبرت السيدة فاطمة خليل الزبيدات ( 38 عاما) من القرية التي تحمل عائلتها اسمها، عن القناعة الراسخة في أذهان الكثير من السيدات في مجتمعنا الفلسطيني بأن تلك المياه الرمادية بلا أثر سلبي على النباتات المزروعة، كونها تصدر عن المغاسل والمطابخ عكس مياه الصرف الصحي في المنازل ذات الخطر الكبير.
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه دائما، ما دور المؤسسات الرسمية والأهلية في مكافحة هذه الظاهرة المقلقة والآخذة بالازدياد؟؟؟
مشاريع ريادية
لعبت مؤسسات المجتمع المحلي دوراً بارزاً في مكافحة هذا السلوك السلبي، فخلال العام الماضي تم تنفيذ عددٍ من المشاريع التي تساهم في معالجة نقص المياه عبر استغلال المياه الرمادية بعد معالجتها، تحديدا من قبل مركز العمل التنموي " معا".
القصة بدأت في آذار 2013، حينما نفذ مركز معا مشروعاً في قرى بردلة والفارسية (منطقة المالح) في الأغوار الشمالية، لمعالجة المياه الرمادية لاستخدامها في الزراعة، تحت عنوان "تعزيز التكيف مع تغير المناخ في النظم الزراعية لمنطقة الأغوار الشمالية"، والتي شملت إقامة 15 محطة للتنقية، بحيث انطوت أحد الأنشطة المنفذة على إعادة استخدام المياه الرمادية المنزلية في الحدائق البيتية في بردلة من خلال نظام ألــــــ(rock-reed filters) أو ما يعرف مجازاً بأحواض الترشيح الطبيعية، حيث جرى إقامة 15 محطة للتنقية. ( مجلة افاق البيئة والتنمية – عدد52).
يذكر ان هذا المشروع لقي النجاح الباهر كون منطقة الاغوار الفلسطينية تشتهر بوفرة الزراعات الحمضية والحقلية والتي تعتمد على المياه الرمادية المعالجة في الري.
مثل هذه المشاريع الريادية، لها بالغ الأثر الايجابي في وقف هدر المياه واستغلالها مجددا في عمليات الزراعة في ظل انحباس الأمطار وقلة الموارد المائية، خاصة في مناطق الاغوار التي تشهد هجمة شرسة من الاحتلال للاستيلاء عليها وتضييق الحياة قدر الامكان على سكانها.
ري المزروعات بالمياه الرمادية غير المعالجة بقرية بردلة