خاص بآفاق البيئة والتنمية
تُعد المياه العادمة المعالجة مصدر مياه يمكن استغلاله في الزراعة، وقد بدأ الاهتمام به حديثًا في مناطق السلطة الفلسطينية لري بعض المحاصيل الزراعية والتغلب على نقص المياه، كما لجأت له العديد من الدول، وتشكل المياه العادمة المعالجة جزءًا مهمًا من المياه المستخدمة في الزراعة في عدد من البلدان.
|
 |
مواسير مياه لري اشجار النخيل |
لجأ المزارع فارس جرار من مدينة أريحا إلى استخدام المياه المعالجة من محطة تنقية أريحا، لري محصوله من النخيل لما تعانيه المنطقة جراء شح المياه خاصة في فصل الصيف.
وتعد المياه العادمة المعالجة، مصدر مياه يمكن استغلاله في الزراعة، وقد بدأ الاهتمام به في مناطق السلطة الفلسطينية حديثًا لري بعض المحاصيل الزراعية والتغلب على نقص المياه، كما لجأت له العديد من الدول، وتشكّل المياه العادمة المعالجة جزءاً مهماً من المياه المستخدمة في الزراعة في عدد من البلدان مثل المملكة العربية السعودية (674 مليون متر مكعب في السنة، والمكسيك 1125 مليون متر مكعب في السنة، وجنوب أفريقيا 143 مليون متر مكعب في السنة، وأبو ظبي 42 مليون متر مكعب في السنة).
يقول جرار الذي يمتلك حوالي 800 دونم نخيل: "توجهنا إلى هذا الخيار بعد أن تيقّنا من صلاحية المياه، بناء على تعليمات كثيرة وفحوصات من الجهات المختصة، تثبت أن المياه سليمة ولا يوجد أي أضرار أو مشاكل ممكن أن تسبّبها للمحصول".
ويضيف وهو يتفّقد نظام التنقيط الملفوف حول نخيله: "نستخدم هذه المياه بسبب الشح الكبير الذي نعانيه من المياه، خاصة في فترة الذروة أي الصيف، وعدم كفاية المياه لري المحاصيل، لذلك توجهنا إلى خيار المياه المعالجة لحل جزء من مشكلة نقص المياه".
ويشير جرار إلى أنه منذ سنتين بدأ في استخدام المياه المعالجة بما معدله 10% من حاجة مزرعته من المياه.
وفي أريحا يشترك العديد من المزارعين بعدادات خاصة لكلٍ منهم من محطة تنقية أريحا، لاستخدام المياه المعالجة لري محاصيلهم.
تُعد محطة تنقية أريحا من أحدث محطات التنقية في مناطق السلطة الفلسطينية، وعملية المعالجة فيها تتم بإشراف من اليابانيين بالتعاون مع بلدية أريحا، الذين يجرون فحوصات يومية للمياه المعالجة للتأكد من سلامتها لري المزروعات، وفي حال ظهرت نتيجة إحدى الفحوص سلبية، يُبلغ المزارعون ويُمنع استخدام المياه للري في هذا الوقت، ويُتخلّص منها في الوادي.
ويود الكثير من مزارعي النخيل استخدام هذه المياه، خاصة في الصيف، لري نخيلهم ريًا تكميليًا عوضًا عن نقص المياه العذبة، "لكن الطاقة الاستيعابية للمحطة لا تكفي جميع المزارعين" تبعًا لحديث جرار.
وفي أثناء تجوال "آفاق البيئة والتنمية" في المحطة ومزارع النخيل المستخدمة لهذه المياه، لم يُلاحظ انبعاث رائحة أو تجمع للحشرات حول المياه.
يُعد قطاع التمور في مناطق السلطة الفلسطينية أحد ركائز الاقتصاد الزراعي، فحسب إحصاءات وزارة الزراعة في أيلول 2021 بلغ عدد مزارع النخيل 571 مزرعة، تحتوي على 311 ألف شجرة نخيل، وتتراوح قيمة صادراتها بين 35 و 40 مليون دولار سنوياً، ويُقدّر إنتاج التمور للموسم 2021 بحوالي 13 ألف ونصف طن.

المزارع مأمون قديمات من خاراس يجهز ارضه باشجار الافوكادو استعدادا لاستخدام المياه المعالجة في ريها
إعادة الاستثمار في الأرض
في جنوب الضفة الغربية وتحديدًا في خاراس التابعة لمحافظة الخليل، ينتظر الشاب مأمون قديمات ضح المياه المعالجة من محطة تنقية البلدة بفارغ الصبر، فقد زرع حوالي 350 شتلة أفوكادو في أرضه البالغة تسعة دونمات، والمجاورة للمحطة، على أمل الاستفادة من المياه المعالجة الخارجة من المحطة لري هذه الأشجار.
فإمكانية إعادة استخدام المياه المعالجة في ري بعض المحاصيل، شجعه على الاستثمار في أرضه المصنفة "ج" والتي كانت لا تُزرع إلا بالمحاصيل البعلية نظرًا لشح المياه العذبة فيها.
ويشير قديمات إلى أنه في هذا الوقت تجري فحوصات مخبرية للمياه العادمة المعالجة من المحطة، والنتيجة إلى الآن جيدة، وقد وضع شبكة مياه وبانتظار المحطة لضخ المياه للمزارعين.
ويرى أن تكلفة المياه المعالجة ستكون أقل من المياه العذبة
التي تفتقدها المنطقة، ولا تصل شبكتها إلى مزرعته المجاورة للمحطة.
ويبلغ الاحتياج المائي في مناطق السلطة الفلسطينية، حسب وزارة الزراعة حوالي 150 مليون متر مكعب سنويًا.

تجهيز الأرض باشجار الافوكادو استعدادا لاستخدام المياه المعالجة في ريها
لإنتاج المحاصيل العلفية
من جانبه، يقول م. عماد خليف مدير دائرة استخدامات المياه الهامشية في وزارة الزراعة إنهم يعتمدون على مصادر غير تقليدية منها مياه الصرف الصحي المعالجة مصدرًا متوفرًا للمياه، من أجل تغيير النمط الزراعي المتوفر من بعلي إلى مروي، وللتغلب على مشكلة نقص المياه، وزيادة فرص العمل وكميات الانتاج وتعزيز صمود المزارعين بأراضيهم وتقليل هجرتهم إلى المدن، وزيادة حصة الزراعة من الدخل الإجمالي والمساعدة في الانفكاك عن الاحتلال، وتقليل الاستيراد من الخارج، واستغلال الأراضي الزراعية والاستثمار فيها، وتقليل الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصّة عن مياه الصرف الصحي والتي تصل إلى أكثر من مليون شيقل.
ويضيف خليف أن المياه العادمة المعالجة للري يُعاد استخدامها في حال كانت مطابقة للمواصفات الفلسطينية ويسمح باستخدامها للزراعات المقيدة أي لبعض أنواع المحاصيل استنادًا لقانون الزراعة رقم (2) لسنة 2003 وتعديلاته، وبخاصة المواد (54) و (55) منه.
ويوضح أنه استنادًا لهذا القانون، أُصدرت المواصفة القياسية الفلسطينية التي صدرت من مؤسسة المواصفات والمقاييس رقم 742 /2003 الخاصة بالمياه المعالجة، والتي حدد فيها الرؤية المستقبلية والكيفية لإدارة الاستخدام بطريقة آمنة ومستدامة محافظة على جميع الموارد الجوفية والسطحية.

محطة تنقية اريحا ويجاورها مزارع النخيل
في عام 2012 صدرت تعليمات فنية إلزامية من وزارة الزراعة بشأن إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة في الاستخدام الزراعي، فعملية الري بالمياه المعالجة تتم وفق معايير وشروط لا يُسمح بالتغاضي عنها أو تجاهلها، وتحظر هذه التعليمات استخدام المياه المعالجة في ري الخضار وسقاية الحيوانات والدواجن والحقن المباشر للمياه الجوفية والاستزراع السمكي، كما يقول.
ويواصل الشرح: "المياه المعالجة لها أربعة تصنيفات حسب درجات المعالجة، وتُفحص الجراثيم بالمختبرات ويوجد حدود قصوى للمعايير يجب عدم مخالفتها، ومطابقة للمعايير الدولية، وكل تصنيف له مجموعة من المحاصيل يُسمح بزراعتها وريها منه، بهدف الاستخدام الآمن والسليم والمستدام لهذه المصادر من المياه".
ويُشترط لإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة لري المحاصيل الزراعية التزام المُستخدم بتعبئة النموذج المعتمد من وزارة الزراعة، وأخذ الموافقة الخطية من الوزارة والتي تحتوي على شروط الاستخدام، ويحق للوزارة إضافة أو تعديل أو وضع أي شروط أو تعليمات تراها مناسبة لضمان حسن إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة في الري.

مزارع نخيل يدخل في سقايتها المياه العادمة المعالجة نظرا لشح المياه النقية في اريحا
ويُشترط أيضًا نقل المياه العادمة المعالجة بأنابيب مغلقة ومدهونة باللون البنفسجي، ويُكتب عليها عبارة "مياه عادمة معالجة"، وذلك بخط واضح من الجهتين، والري يكون بالتنقيط خوفًا من وصول رذاذ المياه للثمار.
هذا النمط من الزراعة، والكلام لخليف، "التوجه العام له هو لإنتاج المحاصيل العلفية التي يوجد بها نقص في السوق الفلسطينية يصل إلى 80%، وأشجار الفاكهة التي يصل النقص منها في السوق إلى 70%، مثل اللوزيات والحمضيات والأشجار التي لها قشور وغلاف وثمارها مرتفعة عن الأرض، ولا يحدث لها تلوث خارجي للثمار".
ويلفت إلى أن التدابير الوقائية داخل المزرعة تُتخذ عند التعامل مع المياه العادمة المعالجة، كما تنظم وزارة الزراعة زيارات كشف دورية للمزارع المستخدمة للمياه العادمة المعالجة، وتأخذ عينات من المياه والتربة والمحصول وتجري التحاليل والاختبارات اللازمة ضمن مختبرات رسمية.

مزرعة نخيل في أريحا
لا تُستخدم للخضار نهائًيا
في هذا الصدد، يؤكد جمال برناط مدير البرامج في المركز الفلسطيني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، أن المياه المعالجة في فلسطين تستخدم فقط للنباتات العلفية والأشجار، خاصة التي لها غلاف خارجي وتؤكل جافة، لأن ثمارها بعيدة عن الري، ولنباتات الزينة، ولا تُستخدم للخضار خوفًا من أن تلامس المياه الثمار، مضيفاً: "كما أن المياه المعالجة لدينا لا تحتوي على معادن ثقيلة فهي مياه منزلية".
ويشدد برناط على أن جميع الفحوصات لم تثبت أن للمياه المعالجة أي آثار سلبية أو مضار صحية سواء على الحيوانات أو الانسان، وهي تُستخدم في العديد من البلاد، وفي مجال أقل تقييدًا من القيود المستخدمة في مناطق السلطة الفلسطينية.
ويشير إلى أن المياه المعالجة تُعد مصدرًا جيدًا لمياه الري، لاحتوائها على أملاح ضرورية للنباتات مثل النيتروجين والفسفور وهي أسمدة للنباتات، وبالتالي تقلل من استخدام الأسمدة، علاوة على أنها مصدر رخيص للمياه في بعض المناطق، كما أنها تساعد في التخلص من المياه العادمة ومشاكل المجاري بشكل اقتصادي، علمًا أن هناك معالجة إضافية للمياه المعالجة قبل وصولها إلى المياه الجوفية.
وحسب برناط، للمياه غير المعالجة جيدًا سلبيات محتملة، منها زيادة تركيز بعض العناصر الكيميائية للتربة، وإمكانية وجود بعض العناصر السامة للنباتات في المياه المعالجة، وقد تحتوي على مواد عالقة بحيث تسبّب إغلاق فتحات الري والفراغات البينية في التربة، ويمكن أن تكون هذه المواد العالقة عاملًا ملطفًا تحتاج اليه التربة، كما أن حاجة الزراعة للمياه المعالجة موسمي.
وتبلغ كميات المياه العادمة الرمادية المنتجة يوميًا في الريف الفلسطيني المزود بشبكة مياه، ما بين ( 30-60 لتراً) لكل شخص، والرقم يختلف من منزل إلى آخر ويعتمد على المستوى المعيشي والعادات المتبعة في استخدام المياه.

مزرعة نخيل في أريحا يدخل في سقايتها المياه العادمة المعالجة