الطعام التراثي الموسمي: الخروب ... الخرنوب
وصف شجرة الخروب
شجرة دائمة الخضرة يصل ارتفاعها إلى 15 متراً ويمكن أن تعمر من 200- 300 سنة، وهي ثنائية الجنس وثنائية المسكن ومع ذلك توجد نباتات ثنائية الجنس (خنث) توجد فيها الأزهار الذكرية والأنثوية على الشجرة نفسها. وتعمر الشجرة طويلا وهي مقاومة للرعي والقطع والحرائق حيث تبقى قواعدها لسنوات عديدة بعد القطع.
ثمار شجرة الخروب عبارة عن قرون عريضة يتباين طولها في الشجرة الواحدة وقد يصل طولها إلى 30 سم. تنضج الثمار في شهري تموز وآب (في السنة التالية أي بعد سنة من الإزهار) حيث يتحول لون القرن إلى البني عند النضج، وفي بعض بلدان العالم تطحن وتستخدم دقيقا في عمل الخبز كما تستخدم علفا للحيوانات خاصة الخيول.
الخروب الفلسطيني في الوجدان الشعبي:
وجد الخروب واستخدم في فلسطين منذ أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد منذ عهد الكنعانيين.
يقال في المثل الشعبي: "زي قرن الخروب لا ببينعض ولا بينمضغ" و "أنت زي قرن الخروب". أي كل ما طال عمر (من يضرب فيه المثل) اسود وجهه وانحنى ظهره".
ويقول الدكتور توفيق كنعان في مقالته بعنوان فلكلور النبات في الخرافات الفلسطينية: يعتبر المكان المفضل لاجتماعات الجن شجر الخروب والتين لاعطائهم ثماراً سوداء اللون ولذلك يحاول الفلاح تجنبهم بقوله: "النوم تحت الخروب غير ممدوح". ويعتقد أيضا بأن شجرة الخروب هي ملك لكوكب زحل ذو الفأل السيء، وكل شيء له علاقة بهذا الكوكب فهو ينتمي إلى الأرواح الشريرة.
ويعتقد بأن أرواحاً شريرة وصالحة يمكن أن تسكن سويا في الينابيع بينما لم يسمع بتاتا عن وجود تلك الأرواح في الأشجار، ومن نفس المصدر فإن الخروب في الأحلام وتفسيراتها يعني مصيبة، وهدم وموت وضياع، ويرتكز التحليل على التلاعب في الكلمات، وعلى بعض الخرافات الشائعة والاشتقاق لكلمة خرب أي يهدم.
تغني نساء فلسطين:
هب الهوا ورماني ع الخروبة *** ست الصبايا لفلان مخطوبة
أما الرجال فيرددون هذه الأهزوجة:
هبت النار في رأس الخروبة *** أبو فلان يا حامي العروبة
كان العرب يسمون بذور الخروب (عيون الديكة) لأنها صلبة جدا، مبططة لونها بني، ويقال أنها في الأصل لوزن القيراط المستعمل في وزن الأحجار الكريمة كالماس وهي تساوي 0.2 غرام للحبة أي قيراط، واستخدمها الكنعانيون قديما في فلسطين كأداة للوزن وربما للعدد حيث اكتشفت جرار بذور الخروب في جلجوليا وكفر ثلث ومن أشهر الأماكن التي تهتم بزراعة الخروب قرى عزون وكفر ثلث والكفريات، وتنتج بلدة كفر ثلث لوحدها ما يزيد عن 200 طن.
ويرتبط الخروب بقصة النبي يحيى، فتقول الرواية أنه اختبأ في خروبة في قرية سبسطية الفلسطينية وقد تبعه جنود القائد الروماني هيرودس وشاهدوا رداءه من الخروبة التي لم تستطع حمايته فنجحوا في قتله من خلال منشار أو جازور، قبل ان يقذف برأسه في نهر الأردن.
الخروب في الطب القديم
ذكره الرازي في كتابه الحاوي فقال:
"انه اذا دلكت الثآليل بالخروب الفج دلكا شديدا أذهبتها البتة" وقال صاحب المرشد: "ومن أعجب ما فيه قوة القبض، وإذا طحن ونقع في الماء واتخذ من مائه الرب المسماة (رب الخروب) كان ربه مطلقا للبطن.
وقد وصف بأن اليابس منه حابس للبطن، رديء للصدر والرئة، مقوٍ للمعدة، اما عصيره (دبسه) فهو يطلق البطن وينشط إفراز المرارة، وكان يستعمل في النزلات الصدرية والحميات ويحمص وتصنع منه قهوة.
وكتب عنه بعد الأطباء الأوائل كابن سينا حيث يقول: "اصلحه الخرنوب الشامي وهو قابض، والرطب منه يطلق البطن"
الخروب في الطب الشعبي الحديث
يستخرج من الخروب دبس يشبه العسل الأسود ويأكل مع الطحينة، ويفيد كعلاج جيد لما فيه من قيمة غذائية ويوصف لوقف إسهال الرضع والأطفال ويصنع منه مركبات خاصة ومعروفة ... أما الكبار فيسبب لهم إمساكا إذا أدمنوا تناوله... والمقادير الكبيرة منه تساعد في علاج الدزنطارية والإسهال، والخروب قلوي لذلك يعالج الحموضة ويمتص السموم من الأمعاء ويقضي على الجراثيم، ويعمل على تخفيف السعال الحاد ويوسع الشعب التنفسية، وينشط وظائف الكلى، ويخلص الجسم من الماء الزائد، ويساعد المرأة المرضعة في إدرار اللبن وزيادة قيمته الغذائية، ويقلل حالات القيء، وينشط الدورة الدموية، ويقوي جهاز المناعة.
القيمة الغذائية للخروب
يحتوي لب قرون الخروب على مواد غذائية عدّة من أهمها السكر بنسبة 55% وبروتين عالي الجودة بنسبة 15% ودهون بنسبة 6% أمّا مسحوق البذور فيحتوي على 60% بروتين وكميات وافرة من الزيوت الخالية من الكوليسترول كما يوجد في ثمار الخروب فيتامينات (أ، ب1، ب2، ب3، د) وعناصر معدنية مهمة مثل: البوتاسيوم، والكالسيوم، والحديد، والفسفور، والمنغنيز، والباريوم، والنحاس، والنيكل، والمغنيزيوم، وغيرها، وتخلو الثمار من حمض الأوكساليك (Ox) الذي يحول دون امتصاص الكالسيوم والعناصر المعدنية الأخرى وهذا من شأنه تسهيل عملية امتصاص الأمعاء لهذه المعادن والإفادة منها بشكل كبير، ويتميز بكتين الثمار بعدم تسببه بظهور أعراض الحساسية.
الخروب طعام وغذاء
هذه وصفات للأكلات الشعبية وما يصنع منه من حلويات ومشاريب لذيذه:
1- المكيكا كما تلفظ باللهجة العامية، في الربيع تكون قرون الخروب خضراء والحليب متوفر بكثرة وهذا موسم المقيقة وهي عبارة عن الحليب الطازج الفاتر مضافاً إليه عصير قرون الخروب الخضراء بعد دقها واستخلاص عصارتها مع التحريك، ومن الطريف أنهم يقومون "بالتنقير" بالفم واللسان أثناء التحريك كي يقوم الخروب بمفعول تخثير الحليب جيداً.
والتنقير هو إخراج صوت نقرات يستمتع بسماعها الأطفال وهم يرقبون إعداد هذا الشراب الموسمي والذي كانوا يستسيغونه ويقبلون عليه وهو وسيلة للتنويع في طعم ونكهة الحليب، وهو شراب لذيذ يمكن ان يؤكل معه الخبز أو بدونه، ويمكن أن يحلى بالسكر أو بالعسل وكله حسب المتيسَر وحسب الرغبة.
2- شراب الخروب: ويكثر وجوده في موسم الصيام شهر رمضان وخلال فصل الصيف كشراب منعش ولذيذ ومفيد.
بعد جمع القرون وقبل موسم الأمطار يتم نشرها في الشمس لمدة يوم أو يومين حتى تجف نسبة الرطوبة من 75% إلى 80%، وتخزن القرون في مكان جيد التهوية وجاف وتوضع على حوامل خشبية بحيث لا تلامس الأرض.
طريقة إعداد شراب الخروب:
تدق قرون الخروب الجافة أو تجرش أو تكسر بالكسارة (درداس الزيتون الحجري) ثم تنقع بالماء، وتغلى ثم تهرس لتنزل العصارة وتصفى بقطعة قماش ويضاف إلى هذا الشراب قليل من ماء الزهر.
3- الخبيصة: هي عبارة عن مهلبية الخروب وتقوم على استخراج ماء الخروب بعد نقعه وغليه وهرسه وتصفيته ثم يضاف إليها النشاء كما هو في عمل مهلبية الحليب، ويضاف السكر حسب الرغبة (لكن عدم إضافة السكر إلى الشراب أو الخبيصة يكون صحيا أكثر حيث يستفاد من الحلاوة الطبيعية) ثم تعد مهلبية بالحليب وتسكب طبقة فوق طبقة مهلبية الخروب للطعم والزينة والقيمة الغذائية.
4- البسيسة: تصنع بسيسة الخروب من طحين القمح أو السميد الناعم والسمسم ورب الخروب وزيت الزيتون كما هو الحال في بسيسة دبس العنب. يحمص الطحين بالزيت ثم يضاف دبس الخروب والسمسم ويحرك حتى يصبح متماسكا ثم يشكل كرات صغيرة أو يفرد في صحن التقديم ويقطع إلى قطع صغيرة ويقدم كحلوى لذيذة.
5- رب الخروب (دبسه): معموسم قطاف الزيتون، تُقطف قرون الخروب باستخدام مقصات الجمع الصغيرة ويتم نشر الخروب في الشمس لمدة 1 – 2 يوم حيث تنخفض نسبة الرطوبة من 70 – 75% إلى 80% أو أقل وتخزن القرون بعد الجفاف في مكان جيد التهوية جاف وتوضع على حوامل خشبية بحيث لا تلامس الأرض وتطحنها إلى قطع صغيرة جدا توضع في أكياس.
تنقل الأكياس إلى غرفة كبيرة لا يدخلها نور الشمس ولا المطر، وتترك في الغرفة (المخزن) لمدة تتراوح بين أربعين وخمسين يوما حتى يصبح الخروب أكثر حلاوة. وبعدها يصبح الخروب صالحا للتدبيس. وهذه العملية تمر بعدة مراحل هي:
- تكسير الخروب بالدق أو الدرداس الحجري وفصل البذور الصلبة منه، ويمكن أن يصنف بواسطة الغربال إلى ثلاث درجات من الخروب المكسر والمدقوق وهم: ناعم وخشن ووسط ما بينهما، ثم يتم ترتيبهم في أوعية النقع الخشن إلى أسفل والوسط ثم الناعم.
- نقعُ الخروب المكسر والمدقوق في الماء لمدة 24 ساعة حتى تذوب المادة الحلوة الموجودة فيه.
-تصفية ماء النقع من مجروش الخروب جيدا وقد اكتسبت لون الخروب البني ونزلت عصارة الخروب في هذا الماء.
-غلي ماء الخروب على نار هادئة بحيث يتبخر الماء ويصبح السائل لزجا يميل لونه إلى السواد.
- تعبئة الدبس للحفظ بعد ان يبرد وقد صار جاهزا للأكل.
صورة دبس الخروب المميز بطعمه ونكهته الطبيعية، كما يكون لزجا في قوامه يصلح لتزيين الكعك والحلويات، والبوظة، ويمكن غمسه بكسرات الجوز واللوز وإضافة السمسم مما يزيد في قيمته الغذائية، وهذه وصفة عربية تراثية يستعمل فيها دبس الخروب والمعروفة في الشمال ومناطق انتاج دبس الخروب (ناديا البطمة)
(صفوف بدبس)
المقادير:
طحين فرخة (سميد ناعم جدا) 4 أكواب، طحين ابيض 2 ونصف كوب، زبدة واحد ونصف كوب، حليب سائل 2 كوب، بيكنغ باودر 1 ملعقة صغيرة، ينسون ناعم 1 ملعقة كبيرة، صنوبر نصف كوب، دبس الخروب 2 إلى 3 أكواب، طحينة 2 ملعقة كبيرة.
1- نخلط طحين الفرخة بالطحين الأبيض ثم نفرك المزيج بالزبدة ونضيف البيكنغ باودر واليانسون ثم نجعل حفرة في الوسط، نضع فيها الحليب السائل وتعجن المواد، ثم يوزع بعد ذلك الدبس ونخلط مجددا حتى يمتزج الدبس ويتماسك مع باقي المواد.
2- تدهن صينية الخبيز (جوانباً وقعرا) بالطحينة كما نفعل عند خبز الهرايس ثم نضع فيها العجينة الرخوة ونزين وجه سطحها بالصنوبر ثم نخبزها في فرن متوسط الحرارة لمدة 40 دقيقة، نعرف أنها نضجت بإدخال سكين في وسطها فإذا خرجت جافة نظيفة هذا دليل نضجها وتصبح جاهزة للتقطيع وإلا تترك لبضع دقائق أخرى حتى يتم النضج، تقطع إلى مربعات وتقدم باردة.