خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
عبد الرحمن يتأمل قريته كفر رمان |
الجذور الأولى ومنبع الذكريات وسط أشجار الزيتون واللوزيات وبين التلال وعند الينابيع، هي السنوات الأولى للإعلامي عبد الرحمن عثمان، الذي أمضى أكثر من ثلاثين عاما في ألمانيا، ليعود في السنوات الأخيرة بشكل دوري إلى قريته الأم كفررمان التابعة لمحافظة طولكرم والمجاورة لبلدة عنبتا.
عثمان يحاول إعادة الذاكرة الأولى لما كانت عليه قبل أكثر من نصف قرن، فيكرس لذلك وقته وماله لترميم البيوت القديمة باثاً الروح والحياة فيها، بعد أن تحولت مع الزمن إلى غرف أشباح مهجورة وعفنة.
يقول عثمان، والذي غزا الشيب شعر رأسه: "الزائر للداخل الفلسطيني يمر على القرى الفلسطينية التي أصبحت أطلالا بعد أن كانت تنبض بالحياة وتفيض بالذكريات. هذا الإحساس بالفقدان يجبرنا على التنبه إلى الكنز الموجود بين أيدينا الآن في الضفة الغربية".
ويضيف: "إرثنا الحضاري مهدد بالزوال ما يهدد هويتنا ووجودنا، فإن لم نطل من عمره سيتلاشى ويصبح أطلالا في المقابل نحن أمام احتلال يستغل كل معلم وحجر لتثبيت وجوده".
الزائر لكفر رمان اليوم يرى عشرة بيوت تدب فيها الحياة من بعد سبات طويل.وككل القرى الفلسطينية تمتد البيوت حديثة البناء على أطراف التجمع السكاني للقرية، فيما تبقى البيوت القديمة في مركزها شاهدة على الماضي والتجذر في الأرض، ويمكن تمييزها من شكل البيت: الحجارة العتيقة والقباب، النوافذ المقوسة وطبيعة الغرف عالية السقف والتي على الرغم من كونها صغيرة الحجم لكنها تلاءمت آنذاك مع طبيعة الحياة البسيطة في القرى عموماً.
يكمل عثمان ومن خلفه شباك بزجاج ملون منخفض الارتفاع -كما هي البيوت القديمة - يكشف عن تلال كفر رمان الساحرة- بأن اهتمامه بترميم إرث قريته كان يشغله منذ كان طالبا في جامعة بيرزيت. واستمر معه "الشغف بالفكرة" لا بل أصبحت أكثر إلحاحا مع مرور السنوات في بلاد الغربة. وأضاف عثمان: "أنا معجب بالاحترام الشديد لدى الألمان بكل ما يتعلق بتراثهم وحضارتهم".
الصالح العام هو الهدف
حين بدأ عبد الرحمن عثمان بترميم بيوت البلدة القديمة قبل عام، وهي عشرة، على حسابه الخاص (باستثناء "تزفيت" السطح والذي كان بدعم من مؤسسة رواق) حفزت تلك التجربة الكثير من أهالي القرية على ترميم بيوتهم القديمة بعد أن أهملوها أو هجروها، كما أبدى كثيرٌ منهم ندمه جراء هدم العقود القديمة لاستبدالها ببيوت حديثة.
يهدف عثمان من ترميم البيوت إلى تعميم الفكرة على أهالي القرية وتقديمها هدية لهم، فالنساء يجتمعن في هذه البيوت لممارسة أنشطة ثقافية واجتماعية أو تفعيل هواياتهن وتعلّم مهن تساهم في تحسين وضعهن الاقتصادي. فيما يجتمع الشباب والشابات أيضا لممارسة هوايات خاصة بهم من ألعاب تفكيرية ومناقشة كتب وعرض أفلام وورشات فنية، ما يجعل وقتهم الطويل في القرية بعد العودة من العمل أو المدرسة والجامعة فاعلاً ومثمرا.
عثمان الذي يعمل في الإعلام في مؤسسة دويتشه فيله الألمانية وفي إخراج الأفلام الوثائقية، يسعى دائماً لاستقطاب الشباب في مشاريعه. وفي بحثه عن فنانين ومبدعين، دعا قسم الفنون في جامعة النجاح إلى الحضور للقرية ورسم جداريات مختلفة داخل الغرف وخارجها، لإضفاء لمسات إبداعية جمالية حديثة تتمازج مع أصالة التاريخ لتلك البيوت المقببة. يقول عثمان ومن خلفه بيت عتيق على جدرانه الخارجية فتحات مربعة الشكل لاحتضان أعشاش الحمام: "معظم مؤسسات الترميم لا تهتم إلا بترميم الأماكن ذات البعد السياحي، فيما يبقى التراث الأصيل في القرى مهملاً وربما يتعرض للزوال".
|
فناء أحد المنازل التراثية التي تم ترميمها في كفر رمان |
الأمان والضياء يعودان للحي
من أمام بيوت القرية المرممة أطل الشاب أشرف يعقوب، الذي يتعلم الحوسبة التطبيقية في كلية الخضوري، وتحدث عن المشروع لمجلة آفاق البيئة: "قبل مبادرات عبد الرحمن عثمان، كان الظلام والرعب هما الصفة الأبرز في الحي القديم في القرية، لدرجة كانت الناس تخشى المرور من بين البيوت بعد العشاء. أما الآن فترميم البيوت وتنظيفها بث النور والأمان في الحي وأحيا التراث المهمل". ويضيف يعقوب، الذي يسكن كفر رمان الهادئة والتي لا يتجاوز سكانها الألف نسمة: "سيتم تشكيل لجنة من الشباب تشرف على إدارة هذه البيوت أوالنوادي، لدي أفكار عديدة لأنشطة من شأنها أن تجعل الوقت الضائع أكثرجدوى".
الحاجة أم إيهاب تقول وهي تطل من باب بيتها المجاور للبيوت المرممة: "لقد هدمنا عدة بيوت قديمة لنقيم بيتنا الحديث مكانها، لا أخفيكم نحن نشعر بالندم بعد أن رأينا ما صنع السيد عثمان".
يستريح عبد الرحمن عثمان خلال زياراته القصيرة والمنتظمة للوطن في بيت عائلته الموجودفي القرية، بيت بني منذ الستينات، محاط بالأشجار والأعشاب الطبية والأزهار، وقد قام بترميمه وتوسيعه وحافظ على البلاط القديم بداخله.
التأمل وسط الزيتون...في خلوة الرمان
خلوة الرمان هي المشروع الثاني الذي مهد له عثمان الطريق، عبر تعاون لتصميم شكل هندسي بين طلبة الهندسة في جامعة النجاح والمعهد العالي للتقنية والاقتصاد والثقافة/ لايبزيج بألمانيا وبدعم من منظمة نجمة، المنظمة الألمانية- الفلسطينية غير الحكومية، ومؤسسة التبادل الأكاديمي الألماني"داد". المشروع عبارة عن عشر غرف ينوي عثمان بناءها على أرض يملكهاعلى قمة تلة في القرية، لاستضافة فنانين وكتاباً ومبدعين. التلة موشاة بأشجار الزيتون ومطلة على ساحل المتوسط. والموقع خالٍ من أي بيوت سكنية.
يقول عثمان: "الفكرة هي بناء عشر وحدات سكنية كل وحدة عبارة عن غرفة مريحة لشخص بشكل يتناسب مع البيئة المحيطة. وبناء قاعة يلتقي فيها المشاركون والزوار. هؤلاء الزوار يمكن أن يكونوا من أطفال القرية وشبابها أو من قرى مجاورة. يجلس المبدعون من كتاب وفنانين وموسيقيين معهم ويعطونهم شيئا من مجال إبداعهم مرة أسبوعيا".
يرى عثمان في خلوة الرمان، التي ستدار من قبل أهالي القرية، فرصة للابتعادعن ضوضاء المدن والاسترخاء والتعمق في مكامن النفس والذات وتفجير ملكات الإبداع. البيوت المريحة محاطة بحدائق لتعمق علاقة المقيم مع الطبيعة والأرض. كما أن تلك البيوت ستجذب المؤسسات لتنظيم لقاءات وورشات عمل والزوار للمشاركة في قطاف الزيتون أوائل كل خريف. وسيعود المشروع بالنفع على سيدات القرية ويملأ وقت فراغهن ويحسن وضعهن الاقتصادي عبر بيع منتجاتهن.
|
|
في المنطقة الواقعة أعلى القمة بين التلال يملك عبد الرحمن عثمان أرضا سيقيم عليها خلوة فكرية |
في هذا المنزل التراثي المرمم في كفر رمان ستنظم نشاطات ثقافية وفنية واجتماعية |
|
|
قرية كفر رمان |
كفر رمان الحالمة |
|
|
كل مبنى قديم في قرانا يحوي قيمة معمارية تراثية غنية |
كم جميل هذا المنزل التراثي القديم في كفر رمان عندما سيزين بالأبواب والنوافذ الملونة |
|
|
منزل تراثي مرمم في البلدة القديمة بكفر رمان |
نموذج من منازل كفر رمان التراثية الجاري ترميمها |
|
|
نافذة عتيقة جميلة في أحد منازل كفر رمان التي تم ترميمها |
هذا المنزل التراثي في كفر رمان سيتم ترميمه قريبا |