خاص بآفاق البيئة والتنمية
يجلس عمر مصطفى صباح في صيدليته بقلب جنين، ويراقب التغييرات الطارئة على مدينته، منذ ثلاثين سنة، بفعل التوسع العمراني، وتغيير طبيعتها، واختفاء بساتينها، وينابيع مياهها، فيما يتذكر الكثير من مشاهد الطفولة، قبل أن تصبح صيدليته مُحاطة بالاسمنت من كل الجهات، وتزداد الشوارع المُعبدة حوله، وتتراجع البساتين والمساحات الخضراء، ويجرف التل القديم الذي كان معسكرا لنابليون، ويتحول لسوق للدواب، وينصب فيه مدفع رمضان.
يستذكر: اختفت أشجار النخيل والكينا، ولا أنسى رائحة العنبر والبرتقال التي كانت تطّوق المدينة، وخاصة من جهة شارع الناصرة. أما المياه فكانت في قلب البلد، وبجوار مسجدها الصغير، حيث كان الرعاة يحضرون مواشيهم إليها، ويغسلون الصوف، فيما ينقل الناس المياه لبيوتهم منها.
يقول: بدأت أهتم بالبيئة بفعل قلقلي على الصحة الشخصية بسبب الغبار، وانتشار النفايات العشوائية، والزحام، والتدخين في وسائل المواصلات العامة، وبخاصة خلال دراستي الجامعية في مصر من عام 1975 وحتى 1980.
جنين في الخمسينيات
من مدخن لعدو للسجائر
ومع أن صّباح، بدأ التدخين في سن العشرين واستمر حتى الثامنة والثلاثين، إلا أنه اتخذ قراراً بالإقلاع عنه، وفرض حظراً عليه في منزله، واشترط على ابنه إن أراد إشعال سجائره، الخروج إلى الحديقة صيفاً أو إلى شرفة المنزل شتاء. كما لا يضع صبّاح في سيارته منضدة للسجائر، ولا يسمح بالتدخين داخل صيدليته.
ووفق صبّاح، الذي أبصر النور في 10 أيلول 1955، فإن مشهد المدينة بدأ يتغير حين أخذ الجانب الاقتصادي يطغى على الطبيعة والبيئة، وظهر هذا بشكل جليّ في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات.
تغيّر
يتابع: كنا نزرع أرضنا، بمساحة 20 دونماً، ولمدة طويلة بالقمح والفول والحمص، وغرسنا فيها الزيتون واللوز، وحين بدأت المدينة تتوسع، أصبحت أرضنا حديقة عامة للبيوت التي أحاطتها من كل جانب، دون أن نتمكن من جني ما نزرعه، ولم نستطع أن نفعل شيئاً، فغيّرنا من طبيعة استعمالها، كأمر واقع.
وبحسب صبّاح، فإنه لا زال يواصل زراعة أرضه التي ورثها عن أجداده بالقمح منذ عشرات السنين، في مكان آخر غير مرج ابن عامر، ولكن أصبحت تواجهه موجات التوسع العمراني، وانخفاض العائد من الأرض، فالدونم الواحد من القمح ينتج نحو 110 دنانير، لكن القمح التركي يُباع بـ80 ديناراً!
ويرى أن الحل يكمن بوجود جهة قادرة على تنظيم البناء في الأراضي الزراعية، فتزيد من المساحات المسموح لأصحابها ببناء المنازل عليها، وتوازن بين احتياجات التوسع والزيادة السكانية والأراضي المتاحة.
عمر صباح
تحديات
يُعدّد صبّاح التحديات التي تواجه البيئة، ففي جنين تنتشر داخل السوق التجاري المصانع والمعامل والمخابز بطريقة عشوائية، كما تعج الشوارع بالنفايات، بينما لا تحظى البيئة باهتمام الناس، وتغيب الثقافة البيئية عن تصرفات الغالبية العظمى منهم.
يتابع: أظن أن عمال النظافة في مدننا يستطيعون السيطرة على تنظيف الشوارع، لكن المشكلة في المواطنين، الذين يلقون الأوساخ على الأرض، ويعبثون بحاويات القمامة، وبعضهم يلقي النفايات بجانبها، أو يضع فيها نفايات سائلة.
يتذكر: خلال فترة الحكم الأردني، كان مفتش البلدية أبو سيف، يٌغرّم من يلقي المياه العادمة، والمياه الرمادية في الشوارع مخالفة كبيرة بنصف دينار( وقتها كانت الرواتب بين 10-20 ديناراً)، فكان الجميع يلتزم بالنظافة.
ينهي: علينا أن نستثمر المدارس والمساجد والكنائس والأسواق، ونمرّر فكرة لأبنائنا أن نظافة بيئتنا ليست واجب عمال النظافة، وإنما مهمة شخصية لكل واحد منا، وهذا النمط في التفكير أيضاً بحاجة لقانون وفرض غرامات.
aabdkh@yahoo.com