الاقتصاد الأخضر هو الاقتصاد الذي يوجه فيه النمو في الدخل والعمالة بوساطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تفضي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الحيوي. ويرتكز مفهوم الاقتصاد الأخضر على ثلاثة محاور أساسية: التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. والتقدم نحو الاقتصاد الأخضر يتطلب حراكا على مختلف المستويات للوصول إلى درجة تكون فيها المتطلبات البيئية ملزمة في قطاعات عدة كالمواصلات مثل الحرص على استيراد السيارات التي تصنف على انها صديقة للبيئة. وأيضا قطاع الإنشاءات وما يتطلبه من استحداث قوانين تفرض المستلزمات الصديقة للبيئة. كما لا بد من توجيه الاقتصاد المحلي نحو الممارسات الفضلى في قطاع الطاقة، والاستثمار في مجال الطاقة النظيفة والبديلة، خصوصا في بلد يرزح تحت الاحتلال ويعتمد عليه في التزود باحتياجاته.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يبدو مفهوم الاقتصاد الأخضر جديدا في فلسطين، ويصنف على أنه ما زال في طور النشأة ومقتصر على تجارب فردية، دون وجود سياسات وتشريعات تمهد لهذا النوع من الاقتصاد الذي يحظى باهتمام عالمي في ضوء تغيرات المناخ وما تفرضه من تحديات أمام العالم أجمع.
الاقتصاد الأخضر يطرح الآن رؤيةً لحياةٍ اقتصاديةٍ عادلةٍ ومستدامة، حيث إن التحوّل نحوه يحقق العديد من الفوائد؛ فهو يساعد على تخفيف أوجه القلق إزاء توفير الأمن في مجال الغذاء والطاقة والمياه، كما أنه يدعم تحقيق التنمية المستدامة وبلوغ الأهداف الإنمائية، فضلاً عن أنه يوفر فرصةً لإعادة النظر في هياكل الإدارة الوطنية والدولية، ويبحث إذا كانت هذه الهياكل تسمح للمجتمع الدولي بالتصدي للتحديات البيئية والإنمائية الحالية والمقبلة وبالاستفادة من الفرص الناشئة.
مفهوم الاقتصاد الأخضر
أطلقت منظمة الأمم المتحدة في عام 2008 مبادرة الاقتصاد الأخضر ضمن مجموعة من المبادرات التي تسعى إلى مواجهة الأزمات العالمية المتعددة والمترابطة التي أثرت في المجتمع الدولي، وأهمها، الأزمة المالية التي اجتاحت العالم عام 2007 حيث أسفرت عن فقدان العديد من فرص العمل والدخل في مختلف القطاعات الاقتصادية، وقد انعكست الآثار المترتبة جراء الأزمة المالية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مختلف أنحاء العالم.
الأزمة المالية ولدت أزمات غذائية في العديد من دول العالم بسبب زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية التي يعزى سببها جزئياً إلى زيادة تكاليف الإنتاج، والتوسع الكبير في قطاع الوقود الحيوي
وهنا، لا يمكن إغفال أزمة المناخ التي برزت كأولوية عالمية، تتطلب تضافر الجهود اللازمة لمواجهة التغيرات الحادة في المناخ والتكيف معها والتخفيف من آثارها.
وأمام عدم وجود تعريف متفق عليه دولياً لمصطلح (الاقتصاد الأخضر)، استحدث برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفاً عملياً، يفهم بناءً عليه بأنه اقتصادٌ يؤدّي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع العناية في الوقت نفسه بالحدّ على نحوٍ ملحوظٍ من المخاطر البيئية. أما على مستوى عملياتي أكثر، فيمكن إدراك الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يوجه فيه النمو في الدخل والعمالة بوساطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تفضي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوّث ومنع خسارة التنوّع الحيوي. وهذه الاستثمارات هي أيضاً تكون موجّهةً بدوافع تنامي الطلب في الأسواق على السلع والخدمات الخضراء، والابتكارات التكنولوجية، وكذلك في حالات كثيرة بوساطة تصحيح السياسات العامة الضريبية والقطاعية، فيما يضمن أن تكون الأسعار انعكاساً ملائماً للتكاليف البيئية.
باختصار، يرتكز مفهوم الاقتصاد الأخضر على إعادة تشكيل وتصويب الأنشطة الاقتصادية لتكون أكثر مساندةً للبيئة والتنمية الاجتماعية بحيث يشكل الاقتصاد الأخضر طريقاً نحو تحقيق التنمية المستدامة.

الاقتصاد الأخضر
فلسطين والاقتصاد الأخضر..الدرب طويل
يبدو هذا المصطلح حديثا جدا في فلسطين، حيث أنه مقتصر على تجارب محلية لبعض القطاعات الإنتاجية والشركات المحلية التي تصدر منتجاتها إلى الخارج، وتحاول مواءمة متطلبات بعض الأسواق التي تصدر إليها، فالبيئة القانونية والتشريعية غير ممكنة لهذا النوع من الاقتصاد، كما أن الوعي بأهميته تبدو شحيحة لدى مختلف المكونات في القطاعين الخاص والحكومي.
وأمام هذه الحالة، عقد مركز التجارة الفلسطيني (بال تريد)، في منتصف شهر تموز، ورشة عمل في رام الله، تحت عنوان "التحول للاقتصاد الأخضر في فلسطين" ، ضمن مشروع "خلق بيئة ممكنة للتحول للإقتصاد الأخضر في فلسطين" والممول من الاتحاد الاوروبي.
ويهدف المشروع، إلى خلق بيئة ممكنة للأعمال ضمن مفهوم الاقتصاد الأخضر، من خلال بناء سياسة وطنية تخدم هذا التوجه تماشيا مع التوجه العالمي، ومن جانب آخر سيتم العمل على بناء قدرات الشركات الفلسطينية ضمن قطاعات يتم تحديدها، بحيث تكون قادرة على مواكبة التطورات ومتطلبات الأسواق العالمية ضمن هذا المفهوم، وبالتالي يساهم ذلك في تنمية الصادرات الفلسطينية.
وحضر الورشة العديد من ممثلي الجهات ذات العلاقة من مؤسسات القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى العديد من الشركات الفلسطينية المصدّرة وأعضاء من اللجنة التوجيهية للمشروع.
وأكد مدير السياسات التجارية في مركز التجارة الفلسطيني شادي شاهين أن هذه الورشة تعتبر الخطوة العملية الأولى في المشروع وتهدف للتشاور مع كافة الجهات ذات العلاقة حول تطبيق هذا المفهوم في فلسطين، وكذلك تعتبر بمثابة خطوة توعوية ضمن حملة ستخصص لهذا الموضوع في قطاعات عدة منها: الصناعات الزراعية، والإنشاءات والأبنية الخضراء، والحجر والرخام، والتدوير، والصناعات الدوائية.
وأجمع الحضور على أهمية خلق سياسات بما يتلاءم مع هذا المفهوم، مع ضرورة العمل بالتوازي بين القطاعين العام والخاص على حد سواء. وتوصف المرحلة الحالية من المشروع، بأنها مرحلة جمع معلومات، وسيتخلل المرحلة المقبلة العديد من الأنشطة منها التوعوية، حيث سيتم عقد العديد من ورشات العمل التوعوية في المحافظات كافة.
ويرتكز مفهوم الاقتصاد الأخضر حسب شاهين على ثلاثة محاور أساسية: التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، مع الأخذ بعين الاعتبار حق الأجيال القادمة للاستفادة من الموارد الموجودة وعدم استنزافها والمحافظة على البيئة. وأضاف: "في فلسطين نحن ما زلنا غير جاهزين للاقتصاد الأخضر لعدم وجود بيئة ممكنة، فالقوانين والإجراءات ذات العلاقة يجب أن تخدم هذا المفهوم، وهذا بدأنا نعمل عليه من خلال مشروع خلق البيئة الممكنة ومدته ثلاث سنوات، ويهدف لخلق التوعية اللازمة ابتداء من المواطن والشركات والقطاعين العام والخاص، نحن الآن نحضر لتوفير الركائز الأساسية للحاق بالركب العالمي، لذلك يجب العمل على الكثير من الجوانب لنصل إلى درجة يكون فيها السلوك العام منعكسا بطرق إيجابية على البيئة".
وتابع بأن التوسع بالتجارة الخارجية والمنافسة العالمية والصادرات، يتطلب مواكبة منتجاتنا المحلية للمتطلبات ضمن مفهوم الاقتصاد الأخضر من خلال بناء القدرات للشركات وإقناعها بجدواه، وهذا يتطلب حراكا على مختلف المستويات للوصول إلى درجة تكون فيها المتطلبات البيئية ملزمة في قطاعات عدة كالمواصلات مثل الحرص على استيراد السيارات التي تصنف على انها صديقة للبيئة، وهذا ينعكس على الإنبعاثات من هذه المركبات، وأيضا قطاع الإنشاءات، يضيف شاهين، بضرورة استحداث قوانين تفرض المستلزمات الصديقة للبيئة، ولكن هذا الأمر لا يمكن لجهة واحدة تحقيقه بل عبر التنسيق مع كل الأطراف.
جانب مهم آخر لا بد من الالتفات إليه محليا، وهو قطاع الطاقة، يضيف شاهين، من خلال توجيه الاقتصاد المحلي نحو الممارسات الفضلى فيه، والاستثمار في مجال الطاقة النظيفة والبديلة، خصوصا في بلد يرزح تحت الاحتلال ويعتمد عليه في التزود باحتياجاته.
يلفت شاهين أيضاً إلى أن قطاع المحاجر ومناشير الحجر تعتمد على التيار الكهربائي في عملها، ويستهلك بعضها قرابة 10 آلاف دولار شهريا، فإذا ما تم توجيه هذا القطاع للطاقة الشمسية والطاقة الناتجة عن النفايات مثلاً، فسيتم تقليص التكاليف إلى حدود ألفي دولار، وهنا تحدث الجدوى الاقتصادية والبيئية ويتم تقليل الاعتماد على الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن سحب هذا المثال على قطاعات أخرى.

دورة الاقتصاد الأخضر
سلطة البيئة: نحن بحاجة لتكامل أدوار كل الأطراف
ترى سلطة جودة البيئة الفلسطينية أن الاقتصاد الأخضر هو موضوع الساعة على المستوى العالمي، وفلسطين جزء من السعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن الأجندة التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2030 وتبناها رؤوساء دول عدة، ومن ضمنها الحفاظ على البيئة واستدامتها.
يرى زغلول سمحان المدير العام للإدارة العامة للسياسات والتخطيط في سلطة جودة البيئة، أن تحقيق مفهوم الاقتصاد الأخضر في أي بلد ينطوي على عدة اتجاهات أبرزها:
سياسيات مالية: بمعنى كيف يمكن للدولة أن تعطي بعض الصناعات والشركات والمبادرات حوافز ضريبية تشجيعية لانتهاج الأسس البيئية في أنماط الإنتاج، كمشاريع الطاقة الشمسية مثلا، من خلال خفض الضرائب على المستثمرين، بحيث يتم تشجيع جهات أوسع على الاستثمار في هذه المجال، والمجالات الأخرى التي تصنف بأنها صديقة للبيئة.
إطار مؤسسي: نريد مؤسسات لديها القدرة من حيث الكفاءة والخبرة والإمكانيات للتعاطي مع هذا الموضوع، فوزارة المالية هي طرف مهم في هذا الإطار، وفي حال عدم وجود طرف يطبق السياسات المنضوية تحت مفهوم الاقتصاد الأخضر، فستصبح هنالك مشكلة ولن يتم التمكن من التنفيذ والمضي قدماً.
مشاريع على أرض الواقع: لا بد من تنفيذ مشاريع على أرض الواقع من خلال تشجيع المبادرات التي تصب في مفهوم الاقتصاد الأخضر، وهذا الأمر بحاجة إلى بنية تحتية تتيح إمكانية تنفيذ المشاريع التي توصف بأنها صديقة للبيئة، كالطاقة الشمسية مثلا، أو مشاريع معالجة المياه العادمة واستخدامها في الري، أو مشاريع الحصاد المائي والآبار الزراعية ومصائد المياه والسدود، كل هذا يوفر مصادر الطاقة والمياه، ويقلل الكميات المهدورة.
تقليل كميات النفايات: لا بد من تبني مشاريع تعزز الصناعة في مجال تدوير النفايات، وهي أساس في الاقتصاد الأخضر، بحيث يتم تقليل النفايات إلى أقصى درجة ممكنة، والاستفادة منها في إنتاج الأسمدة العضوية، واستخدام ما أمكن من هذه النفايات، فإذا تحقق هذا الأمر فستقترب فلسطين من الهدف.
كفاءة استخدام الطاقة: لا يكفي الحديث عن مشاريع في الطاقة المتجددة، لكن لا بد من اللجوء إلى الأساليب التي تعطي أقصى درجات توفير الطاقة، من خلال ترشيد الاستهلاك في المنازل، بالإضافة إلى مراعاة تصاميم المباني الخضراء في الأبنية الجديدة، بحيث تزيد قدرتنا من استغلال المصادر الطبيعية، كالشمس والرياح، ونواحي التهوية والإضاءة المتاحة من خلال هذه التصاميم.
تخطيط وتنظيم قطاع المواصلات: إذا وجدَ تخطيط يحدُّ من الاختناقات المرورية فإننا سنوفر كميات هائلة من الوقود، وبالتالي تقليل الإتبعاثات الناتجة عن وسائل النقل، وتقليل تلوث الهواء، وهذا ينعكس في نهاية المطاف على تقليل فاتورة علاج أمراض الجهاز التنفسي مثلا.
وحول الورشة التي عقدت في مركز التجارة الفلسطيني، فوفق سرحان هي مقدمة للسير نحو الاقتصاد الأخضر، حيث تأتي في سياق تطوير السياسة الوطنية المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك المستدامين. وأضاف: "التعاون بين القطاعين العام والخاص مهم في هذا الجانب، للمضي قدما نحو توفير البيئة القانونية والتشريعية، هذا أمر مبشر وكل ما يتم عمله في هذا الإطار يوصلنا إلى المكان الذي نريده من خلال تغيير أنماط الانتاج والاستهلاك".