
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ما فتئ قطاع غزة يغرق في المياه العادمة. وقد تفاقمت مؤخرا أزمة الوقود اللازم لتوليد كمية كافية من الكهرباء الضرورية لتشغيل محطات معالجة المياه العادمة؛ وذلك بسبب تشديد الحصار المصري المضروب على القطاع منذ شهر تموز الأخير، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي المفروض أصلا منذ عام 2006. وتقدر كمية المياه العادمة التي ينتجها سكان القطاع بنحو 30 مليون متر مكعب سنويا. 83.8٪ من إجمالي الأسر في القطاع تتخلص من المياه العادمة عبر شبكات الصرف الصحي، وحوالي 16٪ من إجمالي الأسر تتخلص منها عبر الحفر الامتصاصية، وهذا يعني أن 16٪ من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة لا تتوفر لديها شبكات صرف صحي. وتشير الإحصاءات إلى أن 90٪ من إجمالي المياه العادمة هي مياه غير معالجة، و80٪ من المياه العادمة المنتجة يتم تصريفها إلى البحر في حين يتسرب 20٪ منها إلى مياه الخزان الجوفي.
وتتجسد الكارثة الإنسانية بأبشع أشكالها في أن أكثر من 90٪ من مياه الشرب في قطاع غزة ملوثة؛ وسبب ذلك هو تسرب مياه الصرف الصحي من المنازل نحو المياه الجوفية، ما أدى إلى تلوث مياه الخزان الجوفي بتركيز مرتفع من النترات بلغ أحيانا أكثر من 250 مليغرام/لتر، وهو أكبر بكثير من توصيات منظمة الصحة العالمية، أي 45 مليغرام/لتر.
كما أن تلويث مياه البحر بالمياه العادمة يجعل البيئة البحرية المحيطة بغزة غير صالحة للحياة، إذ أن تلك المياه تطال الأسماك وتستنزف الأكسجين وتتسبب في موت وهجرة الأسماك والكائنات البحرية؛ ما يشكل أيضا خطرا على مستهلكي الأسماك الملوثة، ناهيك عن الخطر الجاثم على صحة المطافين، بسبب ما تحويه المياه العادمة من تركيز كبير للمواد والمذيبات العضوية والمخلفات البشرية والمواد الكيميائية والجراثيم والفيروسات والكائنات الممرضة الأخرى.
أكثر من 20 ألف متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة تقذف يوميا في مجرى وادي غزة؛ ويأتي جلها من التجمعات السكانية المحيطة بالوادي وتحديدا مخيمات البريج والمغازي والنصيرات والمغرافة ومدينتي غزة والزهراء. وحاليا يوجد تراكيز مرتفعة من النترات وأملاح الكلورايد في المياه الجوفية بمنطقة وادي غزة. والملاحظ أن السكان المحليين يعانون من تهيجات واحتقان الأنف والبلعوم والصداع والغثيان، والتهاب الشعب الهوائية والربو.
ومن المعروف أن المياه العادمة تحوي خليطا من المواد السامة وعوامل الأمراض المتمثلة بالبكتيريا والفيروسات والطفيليات المعوية والروائح الكريهة التي تهدد صحة سكان المنطقة والحياة البرية في المنطقة.
محطات المعالجة مشلولة
بتمويل أجنبي، وبخاصة من البنك الدولي، أقيمت محطة كبيرة لمعالجة المياه العادمة في قطاع غزة؛ وهي مشلولة عمليا بسبب النقص الحاد في الكهرباء اللازمة لتشغيل المعدات المختلفة المستخدمة في المحطة لتنقية المياه العادمة. ومنذ أكثر من خمسة أشهر، طلبت السلطة الفلسطينية من إسرائيل زيادة سقف الكهرباء التي تزودها الأخيرة لقطاع غزة؛ إلا أن الموضوع لا يزال معلقا حتى كتابة هذه السطور.
ومنذ نحو سبع سنوات يعاني أهالي القطاع من وضع بيئي وصحي مزر بسبب عجز الجهات المعنية عن معالجة المياه العادمة الناتجة عن أكثر من مليون ونصف المليون نسمة. وللتعامل مع هذه الأزمة، بادرت السلطة الفلسطينية في رام الله إلى إقامة محطة طوارئ ممولة أجنبيا لمعالجة مياه الصرف الصحي في شمال القطاع؛ علما أن السلطة (في رام الله) لا تزال تتابع بعض الأمور المدنية في القطاع؛ وذلك رغم سيطرة حركة حماس على سلطة غزة. ويتعلق تشغيل المحطة بتزويدها بالكهرباء لتشغيل المضخات والمعدات الأخرى الخاصة بمعالجة المياه العادمة.
الشح الكارثي في الكهرباء بقطاع غزة ناتج عن الهبوط الهائل في تزويد الكهرباء، وذلك بسبب الحصار الإسرائيلي على قطع الغيار والوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة (في مدينة غزة) والتي هبط إنتاجها إلى أقل من الربع بالمقارنة مع أوائل عام 2006؛ علما أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت المحطة في ذات العام...كما أن نقص التمويل لشراء الوقود الصناعي اللازم لتشغيل المحطة فاقم الأزمة؛ ونتيجة ذلك، يعاني أكثر من 1.7 مليون فلسطيني في قطاع غزة (باستثناء منطقة رفح) من انقطاعات يومية في الكهرباء تتراوح بين 10-12 ساعة، وبخاصة أثناء الليل؛ ما أدى إلى انتشار عشرات آلاف مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين في مختلف أنحاء قطاع غزة، وينبعث منها غازات سامة ملوثة للهواء وروائح كريهة وضجيج خطير.
نقل الكهرباء من محطة الطاقة في غزة إلى محطة معالجة المياه العادمة، سوف يعني، في ظل الوضع الحالي، المزيد من شح الكهرباء في المنازل.
ومنذ نحو نصف عام، طلب د. عمر كتانة رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية من شركة الكهرباء الإسرائيلية بأن تزيد كمية الكهرباء المُزَوَّدَة لقطاع غزة، وبالتالي تمكين محطة الطوارئ (في شمال القطاع) من تنقية المياه العادمة؛ إلا أن طلبه لم يلق تجاوبا حتى اليوم.