خاص بآفاق البيئة والتنمية
تساؤلات عديدة أُثيرت في الأعوام الماضية حول مشروع ناقل البحرين، وتصاعدت في الشهور الأخيرة مع سير المشروع قدماً الى الأمام خصوصا بعد توقيع الاتفاقية مؤخرا بين الاردن وإسرائيل. ما الهدف من هذا المشروع؟ ما هي مخاطره البيئية؟ ما هي حصص الأطراف الثلاثة من المياه (إسرائيل، السلطة الفلسطينية، الأردن)؟ ما هو دور السلطة الفلسطينية؟ كيف سيؤثر المشروع على الحقوق المائية الفلسطينية؟ لماذا لم تنشر الاتفاقيات الخاصة بهذا المشروع؟ كيف سيؤثر على أزمة المياه التي تعيشها الأراضي الفلسطينية؟ وهل فعلا سينقذ هذا المشروع الضخم البحر الميت من الجفاف؟
هذه الاسئلة تم التوصل لإجابات عليها، في حين بقيت أخرى مبهمة، في ظل حديث عن مشروع ضخم بمليارات الدورلارات، وسط ترويج من أطراف مختلفة أن الهدف منه إنقاذ البحر الميت من الجفاف.
غنيم: لا اتفاق سرياً
رئيس سلطة المياه مازن غنيم نفى وجود أي إطار سري يحيط بالاتفاقية، وقال "تم الاعلان عن تفاصيلها بشكل كامل أكثر من مرة، وان الهدف منها هو انقاذ البحر الميت من الجفاف". وأضاف في الوقت نفسه سيتم نشر الاتفاقية في حال وافق مجلس الوزراء الفلسطيني على ذلك. لكنه وعد بالشفافية في كل ما يتم توقيعه من اتفاقيات لاحقة في فترة توليه رئاسة سلطة المياه.
أقوال غنيم هذه في اطار جلسة استماع عقدها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان لرئيس سلطة المياه المهندس مازن غنيم، بخصوص إنشاء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت والمصلحة الفلسطينية المرتبطة بهذا المشروع. وجرت الجلسة في منتصف شهر حزيران بحضور مختلف الأطراف والجهات المعنية بقطاع المياه ومراكز الأبحاث المهتمة بالأراضي والاستيطان اضافة الى نواب وحقوقيين.
وبين غنيم أن "الاتفاقية جاءت على جزئين، اتفاقية اردنية اسرائيلية وأخرى اسرائيلية فلسطينية. تتمثل المرحلة الأولى أو التجريبية من الاتفاقية بإنشاء محطة التحلية في العقبة والتي كان من المتوقع ان تنتج 85 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
وفيما يتعلق بالحصص المائية للأطراف الثلاثة، اعتبر غنيم ان الأردن هو المستفيد الاول من المشروع حيث يعتبر واحدا من أفقر خمس دول مائيا في العالم. وفيما يتعلق بحصة السلطة الفلسطينية، فتتمثل وفقا للمذكرة ب 20-30 مليون متر مكعب مياه محلاه من البحر المتوسط، والتي سيتم شراؤها من شركة "مكروت" الاسرائيلية بأسعار التكلفة، وأشار غنيم إلى ان "الاتفاقية الاردنية الاسرائيلية تم توقيعها في شهر شباط من العام 2015 والتي تم بموجبها تنظيم العلاقة والتفاصيل الفنية الخاصة بالجزء الأردني الإسرائيلي".
أما التساؤلات حول عدم توقيع الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية، فأوضح أن السبب هو تلكؤ الحكومة الاسرائيلية في عقد الاجتماعات وبحث نقاط الاختلاف، حيث أن مذكرة التفاهم التي وقعت في واشنطن (في كانون أول 2013) لم تنص على إلزام الاطراف بتوقيع متزامن لشقي الاتفاقية.
مسار مشروع قناة البحرين
سلطة المياه: المشروع لن يؤثر على الحقوق المائية
وشدد غنيم على أن الاجتماع مع الحكومة الاسرائيلية تم لمرة واحدة فقط لنقاش الاتفاق، مؤكدا انه يأتي في إطار "التعاون الإقليمي" وليس له أي تأثير على الحقوق المائية الفلسطينية ولا على قضايا "الحل النهائي"، حيث ترفض السلطة الفلسطينية الاجتماع باللجنة المشتركة للمياه بسبب ربط المياه بقضايا الاستيطان.
وأشار غنيم إلى أن الاجتماع المذكور ناقش الامور الفنية، من حيث كميات المياه التي يمكن استيعابها وكيفية تقسيمها على مراحل، فضلا عن المشاريع التي يجب تنفيذها لاستيعاب الكمية، وتشكيل لجنة فنية من الجانبين لدراسة عدد من القضايا اهمها: نقاط التزود بالمياه في الضفة وغزة، نوعية المياه (محلاة بالكامل، مياه عذبة، مياه مخلوطة)، موضوع التعرفة وتحديدها بشكل واضح للتأكد من أن السعر المطروح هو سعر التكلفة وليس أعلى من ذلك.
"الهيدرولوجيون": ملف المياه مرتبط بالاستيطان
شدد مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي على اهمية وعي الفلسطينيين بكيفية التفكير والتخطيط الإسرائيلي حتى يكونوا قادرين على المواجهة، مبررا ذلك بكون إسرائيل أكثر قدرة على التخطيط، من خلال البنية التحتية التي تقيمها دولة الاحتلال والتي تؤكد أن المياه متصلة تماما بموضوع الاستيطان.
وتابع التميمي: "يجب علينا ان نعرف كيف يفكر الاسرائيليون حتى نعلم كيف نستطيع مواجهتهم، وذلك لسببين أولهما أنهم أكثر ذكاء في التعامل والآخر هو أنهم أفضل في التخطيط، الشيء الاخطر هو البنية التحتية التي تقيمها دولة الاحتلال، والتي تبرهن أن المياه متصلة تماما بموضوع الاستيطان، هو ما يثبته التخطيط للمستوطنات في المحافظات المختلفة".
وحول حصة السلطة الفلسطينية من هذه الاتفاقية والتي سيتم شراؤها من إسرائيل، اعتبر التميمي أنه "لا مشكلة في شراء الماء تحت وطأة الحاجة، ولكن علينا ان نأخذ مياه من بحيرة طبريا وبالتالي نهر الاردن، وذلك لتشكيل سابقة في هذا الاطار تثبت حق الفلسطينيين فيه، المذكرة ليست مهمة لكن الاهم هو ان تفهم اسرائيل اننا نفهم مخططاتها وخاصة فيما يتعلق بشؤون الاستيطان، وانا اعتقد ان موضوع المياه لا يجب ان يناقش على انفراد، وإنما بربطه بموضوع الاستيطان والمناطق الصناعية حتى يكون التحرر ليس فقط في مجال المياه".
وفي تعليقه على ما ورد شدد غنيم على ان التخوفات التي تنبع من ضياع الحقوق المائية الفلسطينية لا مبرر لها وذلك لأن الاتفاقية تأتي "كتعاون إقليمي" ولا أثر لها على الحقوق المائية الفلسطينية.
وأشار غنيم إلى أن من اهم المواضيع المطروحة هو إنشاء محطة التحلية المركزية في قطاع غزة بقدرة انتاجية تقدر ب 55 مليون متر مكعب حيث يواجه هذا المشروع صعوبات كبيرة بسبب رفض السلطة الفلسطينية أن تكون سوقا لإسرائيل في قضية المياه، لما تمثله هذه المسألة من قضية سياسية تمس بسيادة اي دولة مستقبلية.
وتشير احصائيات إلى أن حاجة الفلسطينيين لمياه الشرب حتى العام 2026 ستصل إلى 260 مليون م3، وإذا ما بقيت الموارد المائيّة على حالها فإنّ الجهات المعنيّة، لن تكون قادرة على تلبية أكثر من 50% من احتياجات المواطنين للمياه. أمّا بالنسبة لقطاع غزّة فالوضع أصبح كارثياً حيث أنّ 97% من المياه الجوفيّة الساحليّة ملوثة وباتت غير صالحة للاستخدام الآدمي.
ناقل البحرين ..أهداف سياحية أيضا
مدير معهد الابحاث التطبيقية-أريج جاد اسحق شدد على أن موقف الفلسطينيين كان واضحا منذ بدء الحديث عن هذا المشروع وهو الرفض المطلق لكل المشاريع الاقليمية، وأبدى اسحق تفهمه لحاجة الاردن للمياه في ظل ما تعانيه من شح فيها مستدركا أن البحر الميت هو جزء من حوض نهر الاردن وأن التعامل معه يجب ان يكون بشكل متكامل عن طريق ادارة مستوى الحوض.
واعتبر اسحق ان "المشروع الحالي يخدم المطامع الاسرائيلية ذات الاهداف السياحية لا المائية والتي تهدف لرفع مستوى البحر الميت لتشجيع السياحة العلاجية، وأضاف: "يجب أن نحقق بعض المكاسب واهمها نقطة تلاقٍ على البحر الميت او نهر الاردن، وأن على السلطة الفلسطينية ان تتعنت للحصول على الحقوق في البحر الميت مع عدم ترك المجال لإسرائيل التي تبدو يائسة جدا لتوقيع هذا الاتفاق وادخاله حيز التنفيذ فضلاً عن ضرورة استشارة رأي قانوني فيما يتعلق بشرعية شراء المياه من شركة مكوروت".
السلطة الفلسطينية غطاءٌ لتمرير الاتفاقية!
بدوره، اعتبر المفوض في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ممدوح العكر أن السلطة الفلسطينية قد تم استخدامها في هذا المشروع كغطاء لتمرير اتفاق اسرائيلي أردني مشددا على ان عدم نص مذكرة التفاهم على توقيع متزامن للاتفاقيتين (الاردنية-الاسرائيلية والإسرائيلية-الفلسطينية) كان مقصودا لتمرير هذا الاتفاق مع التشديد على أن الأهم حاليا هو كيفية إنقاذ الحقوق المائية الفلسطينية، مشددا على أهمية نشر مذكرة التفاهم والاتفاقية فور توقيعها.
في سياق متصل، شدد النائب في المجلس التشريعي أيمن ضراغمة على ضرورة عدم انقياد السلطة الفلسطينية الى التوقيع على اتفاقيات اقليمية لخدمة مصالح اسرائيلية حتى ولو كانت تخدم الأردن. وأشار ضراغمة إلى تقرير سابق كان يجري العمل عليه قبل تعطل المجلس التشريعي وخرج بنتيجة أهمها وجوب التعامل مع البحر الميت كحوض مائي تتشارك فيه عدة دول هي "فلسطين والأردن وإسرائيل" بالإضافة إلى سوريا ولبنان كمصب لمنابع نهر الأردن، مع التوصية بالاستقواء بأطراف عربية عدة لها الحق في هذا الحوض، فضلا عن ضرورة استحضار كل ما ينصف الفلسطينيين في القانون الدولي والشروط المرجعية، مع الفصل بين الحق الفلسطيني في شراء المياه لسد الحاجة وبين اجباره على شراء الماء الاسرائيلي والتنازل عن حقوقه المائية في حوض نهر الاردن.
وذهب مدير دائرة المياه في وزارة الزراعة فرح صوافطة الى أبعد من كل ما سبق حينما قال ان "الاحتلال يتعامل مع السلطة على انها شركة موازية لشركة "مكروت". قائلا: "نحن من اكثر الدول حاجة الى المياه، وان الاسرائيليين حتى في توقيعهم على الاتفاقية في العقبة خدموا مخطط برافر لتهجير فلسطيني النقب".
ندوة مؤسسة أمان حول موقع السلطة الفلسطينية في مشروع قناة البحرين
أبعاد بيئية وسياسية كارثية
من ناحيته اعتبر الخبير البيئي جورج كرزم أن "الاحتلال الاسرائيلي هو المستفيد الاكبر من المشروع، وذلك بالنظر الى كل الوقائع والمعطيات الجيوسياسية والهيدرولوجية والتاريخية التي تقول بأن اسرائيل هي من اخترعت فكرة مشروع قناة البحرين". مشيرا الى أن "هذا التوجه تكرر باستمرار على ألسن الاسرائيليين والذين اعتبروه مشروعا إسرائيليا تاريخيا وتحقيقا لحلم ثيودور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية، كما أعلن سلفان شالوم قبل ساعات قليلة من التوقيع على مذكرة التفاهم في واشنطن في كانون أول 2013". وتابع كرزم: "صرح شارون في حينه، وتحديدا بعد الإعلان عن اتفاقية دراسة جدوى قناة البحرين (عام 2005)، بأن هدف إسرائيل من الآن وحتى عام 2020 هو توطين مليون يهودي في صحراء النقب. ومن هنا جاء ما يسمى بمخطط برافر الصهيوني الخاص بمنطقة النقب".
وأضاف: "لتوفير الغطاء البيئي الإقليمي لمشروع قناة البحرين؛ وبالتالي إخفاء الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية والإستراتيجية الإسرائيلية التي يتضمنها المشروع، تحتاج إسرائيل إلى جهات عربية لتنفيذ "الحلم الصهيوني التاريخي" الاستراتيجي والمتمثل بشق القناة، تماما كما نفذت في الماضي مشاريع أخرى بأيدٍ عربية. هذا هو تحديدا التجسيد العملي على الأرض لما ورد في مذكرة واشنطن من أن المرحلة التجريبية لمشروع قناة البحرين تهدف إلى "بناء رمز للسلام والتعاون في الشرق الأوسط"، وذلك في اجترار واضح لما يقوله المسؤولون الإسرائيليون الذين يتعاملون مع مشروع "قناة البحرين" باعتباره مشروعا "وطنياً إسرائيليا".
واعتبر كرزم أن دراسة البنك الدولي حول مشروع قناة البحرين مشكوك في مصداقيتها ومليئة بالمغالطات العلمية. إذ أنها اعترفت بمحدودية مثل هذا المشروع التجريبي على تقدير الآثار البيئية؛ ذلك أن البحر الميت قد يتعرض إلى مزيد من التدمير الهيدرولوجي بسبب الكميات الضخمة من مياه البحر الأحمر التي ستتدفق إليه والمختلفة تماما في تركيبها المائي الملحي والمعدني عن تركيب مياه البحر الميت. كما تتناقض دراسة البنك مع ما كشفه بحث أعلن عنه ذات البنك في أوائل عام 2012 ورد فيه بأنه في حال إنشاء القناة بين البحرين الأحمر والميت، فقد تتفاقم ظاهرة الحفر البالوعية.
وتابع كرزم منتقدا دراسة البنك الدولي التي أعدها بشكل أساسي "باحثون" إسرائيليون بينما خلت من أي فلسطيني: "العديد من علماء الجيولوجيا ومنهم إسرائيليون، يؤكدون بأن تنفيذ هذا المشروع سيتسبب في حدوث زلازل مدمرة، وذلك نظرا لأن تدفق كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر في البحر الميت الذي يعد أخفض منطقة في العالم، سيؤدي إلى زيادة الضغط على قعر البحر الميت، ما سيولد اختلالات في طبقات الأرض في منطقة الأغوار التي تقع فوق ما يعرف بفالق شمال أفريقيا النشط زلزاليا؛ بمعنى أن تدفق المياه في تلك المنطقة قد يحرك الفالق وينشط الزلازل في المنطقة".