كان الاعتقاد السائد حتى تسعينات القرن الماضي، أن النمو الاقتصادي يقوم على حساب البيئة وأنه لا يمكن الجمع بين هذين التوجهين، وأن أي تحسين في نوعية البيئة يعني إعاقة النمو الاقتصادي، كما أن أي نمو اقتصادي يعني القضاء على البيئة وتدميرها.
في البداية اعتبرت التنمية إحدى وسائل الارتقاء بالإنسان. ولكن ما حدث هو العكس تماما، حيث أصبحت التنمية هي إحدى الوسائل التي ساهمت في استنفاذ الموارد الطبيعية، وإلحاق الأضرار بالبيئة عن طريق التلوث، مما أدى إلى الدعوة بضرورة العمل على حماية البيئة وسن تشريعات وأجهزة خاصة بها، دون أن تتأتى هذه الحملة على حساب حق الشعوب في التنمية والرقي، وفي نفس الاتجاه جاء تقرير الموارد العالمية الذي نشر سنة 1992 ليكسب مفهوم التنمية بعدا يكمن في الاستدامة، حيث أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن لا تدمر البيئة، وأن تتم هذه العملية ضمنالأطر التي يضعها علم البيئة". خاصة أن المختبرات العلمية توصلت إلى تأكيد على أن النمو الاقتصادي وارتفاع المستوى المعيشي لا يحتمان بالضرورة ارتفاعاً مماثلا في استهلاك الطاقة الملوثة، حتى يتم تفادي بعضالخلاف بين حكوماتالدولوبعضالشركاتالصناعيةالتيتعملفيها.هذهالشركاتترىفيهذهالقوانينقيوداعليهاوعبئاعلىإنتاجها.
ومنأمثلةهذهالتشريعاتالقانونالذيأصدرهالكونجرسالأمريكيتحت اسم"قانونسياسةالبيئةالأمريكية سنة1969"، ومثله قانون رقم 03-12 المغربي المتعلق بدراسات التأثير على البيئة دراسة أولية تمكن من تقييم الآثار المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تلحق البيئة على الأمد القصير والمتوسط والبعيد، نتيجة إنجاز المشاريع الاقتصادية، وهناكتشريعات أخرىلحمايةالبيئةفيكثيرمنالدول. مثل القوانين التي أصدرتها جمهورية مصر العربية والتي تحتوي على معاييرخاصةيجبمراعاتها كالقوانين المتعلقة بالمخلفات الصناعية والتي تحرم تحريما مطلقا إلقاءمياهالمجاري فينهرالنيلأوفيأحدفروعه، وحتى تتمشى هذه القوانين مع مبدأ التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئية، كان لابد من إيجاد توليفة بين هذه القوانين وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود من طرف كل دولة، وجاء اعتماد الطاقات المتجددة كبديل أمثل مع قوانين البيئة سواء على المستوى الوطني أو الدولي. وكانت البداية في المختبرات العلمية، ثم أظهرت التجربة الميدانية صحة ما توصلت إليه هذه المختبرات.
1-الطاقات المتجددة تحت مجهر المختبرات العلمية :
إن المشاريع والتصورات المستقبلية الرامية إلى الاقتصاد في استهلاك الطاقة وإلى إعطاء مصادر الطاقة المتجددة دوراً أكبر لم تصغ على نحو مفاجئ واعتباطي، بل جرت صياغتها تدريجيا وبلا إطار عام يوحد بينها في بادئ الأمر. وذلك لمواجهة الآثار التي أفرزتها الأزمة الأولى في أسواق البترول، ثم الوفاء بالالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية لمحاربة أزمة الاحتباس الحراري.
في سنة 1976 نشرت مجلة فورين أفيرز Foreign Affairs مقالة تتحدى الاقتراحات المريعة التي يستند إليها مخططو الطاقة، تحت عنوان (إستراتيجية الطاقة: الطريق الذي لم يسلكه أحد)، حيث قدم عالم الفيزياء أموري لوفينزتصوراً لعالم يعتمد كفاءة محسنة للطاقة وتقنيات متجددة بدلا عن الوقود الاحفوري والطاقة النووية، وذلك قبل أن يبدأ مخططو الطاقة التقليدية يأخذون هذه الطاقات والتقنيات الجديدة مأخذ الجد، كان لوفينز قد شرع في رسم الخطوط العريضة لاقتصاد يقوم على طاقة مستقرة وقابلة للاستمرار.
وفي سياق هذه الدراسة جرى لأول مرة نعت مصطلح نيكاواط Negawatt الذي يرمز إلى تلك الكمية من الطاقة التي يمكن للإنسان التخلي عن استهلاكها، أي التي يتم توفيرها. وكان ملخص النداء الذي وجهه لوفينز هو: "أن الكميات الممكن التخلي عن استهلاكها عظيمة، وأن المرء قادر على التخلي عن استهلاك هذه الكميات العظيمة من دون أن يكون مجبرا على التضحية بالمنافع التي يجنيها من الطاقة"، وقد كان يقصد هنا أن يتم تزويد المساكن والعمارات بمولدات الكهرباء الصغيرة كبديل عن توليد الكهرباء والحرارة بكلفة باهظة في المعامل المركزية، لأنه من العبث إنتاج طاقة بكلفة باهظة وتبديد حوالي ثلثي الطاقة المستخدمة في توليد قوة الكهرباء لا لشيء إلا من أجل تزويد مسكن يقع في مكان بعيد من المعمل أو عن الشبكات العامة.
وفي نظره من الأفضل تجهيز العمارة أو المنزل بمحرك يعمل بأحد مصادر الطاقة المتعارف عليها، وأن يستغل المرء الحرارة المنبعثة في سياق توليد المحرك للتيار الكهربائي لتسخين المياه سواء لأغراض التدفئة أو لأغراض منزلية أخرى.
فمنذ فترة السبعينيات من القرن الماضي صيغت عدة إطارات أولها عند تأسيس معهد البيئة في مدينة فرايبورغ الألمانية سنة 1977، حيث يعتبر المعهد المؤلف من مجموعة من الخبراء أول من صاغ سيناريوهات التحول عن الطاقة، مواجهاً أنماط التفكير القديمة.
وبإنشاء معهد غوبرتال للمناخ والبيئة والطاقة في عام 1991 من طرف الأستاذ أرنست أولريش فايتسريك (Ernst- Uluvh Werzsacher)، فقد تم خلق إطار مؤسساتي يسهر على تحليل العلاقة القائمة بين المدخلات من الطاقة من ناحية، والمدخلات من المواد الأخرى من ناحية أخرى، المرتبطة بالبضائع المختلفة منذ إنتاجها وحتى اندثارها، فمن خلال المعطيات والنتائج الجديدة اتضحت، على نحوٍ جلي، العلاقة المختلفة القائمة بين استهلاك السلع واستهلاك البيئة والطاقة، من هنا فقد أصبحت هذه المعطيات والنتائج بمثابة الأرضية المتينة لصياغة سيناريوهات مستقبلية مهمة.
وكانت دراسات وأبحاث الأستاذ فريدريش شمت بليكFrieduch schmick. قد أضفت على الجدل الدائر نبضات أخرى مهمة، فتصوراته عن التوليفة المناسبة لمتطلبات الحفاظ على البيئة، جعلت بالمستطاع تحديد الأضرار بالبيئة التي تسببها كل سلعة منذ إنتاجها إلى غاية اندثارها، ومن خلال أبحاثه كان "شمت" قد توصل إلى نتيجة مفادها إن بالإمكان خفض استهلاك الموارد الاقتصادية إلى النصف حتى وإن ارتفع المستوى المعيشي إلى ضعف المستوى الحالي، أو بتعبير آخر، أن بالإمكان مضاعفة الرفاهية بنصف ما يستهلك حاليا من الطاقة.
كانت جلّ هذه الدراسات ترشح البديل عن الطاقة الاحفورية، بتقنية بديلة عن طريق استغلال الطاقات المتجددة التي تنطوي على مزايا هامة، فضلا عن كونها تلعب دورًا رئيسيا في تخفيف التغيرات المناخية، فهي متوافرة بكثرة في جميع أنحاء العالم، كما تساهم في خلق فرص عمل في مجالات الصناعة ذات النمو المستدام، وتمثل الأساس لإمداد الدول الصناعية والنامية بالطاقة بشكل مستدام. إلا أن اقتناء التقنية المناسبة ضروري لنجاح المشروعات الاقتصادية.
2- التجربة الميدانية زادت من عنصر الثقة :
ظلت الدوائر السياسية ترى، لفترة زمنية طويلة أن مصادر الطاقة المتجددة ما هي إلا مشاريع وتصورات مستقبلية وانسجاما مع هذه الرؤية، كان الدعم المالي الحكومي ينتهي مع بدء المرحلة التجريبية لهذه المشاريع والتصورات، إن لم يكن قد توقف قبل هذه الفترة. ومع هذا وعلى الرغم من أن التشجيع الحكومي ظل محصورا في إطار ضيق الحدود، فلا مراء في أن هذه التوجهات الجديدة قد تركت العديد من الآثار وساهمت تدريجيا، في تغيير موقف الرأي العام، بشأن ضرورة مواجهة المشاكل التي سيفرزها استهلاك الطاقة مستقبلا، إلا أن التجربة الميدانية فندت هذه المخاوف، ففي سنة 1992 وبالضبط في ألمانيا شيد منزل من قبل وزارة البحث العلمي الألماني استرعى انتباهاً، كونه لم يتم ربطه لا بالشبكة العمومية للتزود بالكهرباء أو الغاز، بل كان يحصل على الطاقة الكهربائية من المصادر الشمسية فقط، وكان ذلك المنزل مسكونا على مدار العام كله، واستطاع أن يوفر لساكنيه كل أسباب الراحة المعتادة، وكان هذا المنزل سببا لإعادة النظر في النتائج التي كان المرء قد استخلصها من الجدل الذي احتدم من قبل بشأن الدور الذي ستلعبه هذه المصادر. فانكبت البحوث والمختبرات العلمية لتطوير هذا المجال وصدرت العديد من الدراسات الذي أكدت جدوى وكفاءة الطاقة المتجددة. ومن أهمها ذلك السيناريو الذي قدمته شركة شل عام 1994، والدراسة الصادرة عن الهيئة المكلفة من قبل المفوضية الأوربية سنة 1998...وغيرها.
3-التكلفة عنصر مهم في انتشار الطاقة المتجددة عالميا:
ينطوي استخدام النفط والغاز الطبيعي والفحم واليورانيوم على مخاطر أكبر مما كان متوقعا في السابق، فهذه الموارد ليست متوفرة إلا بكميات محدودة لأنها آيلة للنضوب، وأسعارها متقلبة في ارتفاع مستمر، فضلا على أنها تؤدي إلى بروز التبعية السياسية، وكونها مدمرة للبيئة. في حين نجد مصادر الطاقة المتجددة على النقيض من ذلك، فهي متوافرة لدينا دون توقف، لا تسبب في انبعاث الملوثات وتتجدد باستمرار في العمليات الطبيعية وينجم عن ذلك توافرها لفترات غير محدودة عبر العصور الإنسانية. وتشير الدلائل بشكل متزايد إلى أن الطاقة المتجددة تحدث أثرا إيجابيا مضاعفا في المجتمع من خلال الدفع لتحقيق مختلف الأهداف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية بذات الوقت. ولا تتحقق هذه الأهداف إلا من خلال إستراتيجية شاملة ومتكاملة تسعى لتعزيز الازدهار الاقتصادي ورفاهية المجتمع والبيئة الصحية بعيدا عن السياسات التقليدية المنعزلة. وقد اتفقت الدول في المؤتمرات والقمم العالمية للتنمية على ضرورة العمل على زيادة إمكانيات الحصول على مصادر للطاقة زهيدة التكلفة يمكن التعويل عليها تيسيرا لبلوغ الهدف الرامي إلى تخفيض نسبة السكان الذين يكابدون الفقر إلى النصف، وكسبيل لتوفير الخدمات الهامة الأخرى من أجل تخفيف وطأة الفقر. كما قررت الدول أن تعمل على تحسين كفاءة الطاقة، والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة واستخدام تكنولوجيات الطاقة المتقدمة الأكثر نظافة، وتنفيذ استراتيجيات للنقل تخدم التنمية والحد من تدابير الدعم الضارة واعوجاج السوق، وتشجيع استخدام أنواع أنظف من الوقود.
وأهم عنصر تسبب في انتشار الطاقة المتجددة عالمياهو أنها أصبحت بوسائلها المتعددة تنافس مختلف الأنواع من الطاقة التقليدية، وأصبحت المرشح الأول عند وضع الخطط الاقتصادية ودراسات الجدوى فعلى سبل المثال، تتراوح تكلفة الطاقة الشمسية من 14 سنتا إلى نحو نصف دولار أمريكي لكل كيلووات/ساعة حسب نوع التقنية المستعملة، وفي المقابل نجد أن سعر البرميل الواحد للنفط وصل إلى185 دولار سنة 2013، دون أن ننسى أن الإشعاع الشمسي متوافر، دون أن تسبب انبعاثات غازية أو مخلفات إشعاعية، والجدير بالملاحظة أن مسألة تبني سياسة الطاقة الخضراء فرضت نفسها بقوة من خلال اتفاقية كيوتو التي وقعت عليها 192، دولة ودخلت حيز التنفيذ في عام 2005، فوفقا لنصوصها فإن انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفينة صار له سعر (carbon Pricing) وبذلك أصبح من الممكن أن يقاس الأثر البيئي للطاقة التقليدية بشكل اقتصادي من خلال الأرقام وأن يوضع في ميزان الربح والخسارة
وتعتبر مصادر الطاقة الطبيعية و المتجددة بلا شك رافدا اقتصاديا مهما؛ فقد وجدت دراسة يابانية حديثة أن الفوائد تفوق التكاليف بمقدار الضعفين إلى ثلاثة أضعاف، بما في ذلك خفض معدلات استيراد الوقود الأحفوري انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ناهيك عن الآثار الاقتصادية والايجابية الأخرى المرتبطة بذلك. وعلى سبيل المثال، نتج عن اعتماد إسبانيا على مصادر الطاقة المتجددة توفير 2.8 مليار دولار أمريكي من واردات الوقود الاحفوري عام 2010. في حين تمكنت ألمانيا من توفير 13.5 مليار دولار أمريكي عام 2012.