خاص بآفاق البيئة والتنمية / غزة
اختصرت موجة الحر المرتفعة التي اجتاحت المنطقة خلال الأسابيع الماضية، على المزارع أبو سامي نسمان عدد أيام جني محصوله من الخيار البلدي من 25 يومًا إلى النصف تقريبا، بعدما أتت على معظم "نوّار" هذه الخضرة البلدية التي عادةً ما تزرع في مساحات مكشوفة من الأرض.
كان المزارع الخمسيني يعوّل على موسم زراعي وفير يدرّ عليه عائدًا يساهم في انتشاله من وحل الديون الذي غرق فيه، بعد خسارته قرابة 9 آلاف دولار أمريكي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة صيف العام الماضي، لكن الأحوال الجوية جاءت على عكس ما كان يشتهي، إذا قضت موجة الحر على نحو 60% من الإنتاج المفترض لمحصول الخيار الذي زرعه على مساحة ثلاثة دونمات في أحد الأراضي الزراعية جنوب غرب مدينة غزة، كما يقول.
ويقول هذا المزارع لمجلة "آفاق البيئة والتنمية" التي التقته في مكان عمله في الأرض الزراعية التي واظب للعام السادس على التوالي أن "يتضمنها" من مالكها في كل صيف: " الحرّ قضى على معظم محصول الخيار والفلفل الأخضر الذي زرعته. لم أرَ درجات حرارة في سنوات سابقة كتلك التي عايشناها أخيرا".
ويقدر نسمان خسارته بنحو ألفي دولار تتوزع ما بين تلف أشتال ورش سماد عضوي وتمديد قنوات مياه وأجرة نقل معدات من وإلى الأرض، وغير ذلك.
وشهدت الأراضي الفلسطينية منذ منتصف الشهر الماضي، موجات حرّ شديدة استمرت لأيام، وارتفعت فيها درجة الحرارة، بحسب دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية، بشكل غير مسبوق ووصلت إلى أكثر من 40% من معدلها السنوي في بعض المناطق.
وفي تقرير صدر عنها، حديثًا، أكدت الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي أن تموز الماضي كان أشد شهور العام حرارة على الإطلاق في جميع أنحاء العالم، بينما اعتبر 2015 الأعلى حرارة حتى الآن.
وطبقا للتقرير ذاته، فقد كان تموز من هذا العام أشد الشهور حرارة في السجلات التي يرجع تاريخها إلى سنة 1880، حيث بلغ متوسط درجة حرارة الأرض والمحيطات 16.61 درجة مئوية.
ويقول المزارع نسمان إنه قام بجهد مضاعف خلال أيام الحر للحفاظ على مصدر رزقه الوحيد المتمثل في زراعة الخيار والفلفل، من خلال سقي الأرض بالماء مرتين يوميًا، مرة قبل شروق الشمس ومرة أخرى قبل غروبها.
لكن ورغم هذه الاحتياطات يؤكد صعوبة الحفاظ على كامل المحصول سليمًا، فدرجة الحرارة شديدة وتتطلب إمكانات مادية كبيرة لا تتوفر لغالبية المزارعين في الأراضي الفلسطينية، ليس أقلها تعريش (تظليل) كامل مساحة الأرض المزروعة بالمحصول وحجب أشعة الشمس عنها.
ويشير إلى أن تأثير درجات الحرارة المرتفعة ينعكس سلبا على الأشتال الأرضية الصغيرة كالباذنجان والخيار والبندورة، أما الأشجار الكبيرة كالزيتون والتين والحمضيات بأنواعها فهي لا تتأثر بها إلا إذا تجاوزت الحرارة 37 درجة وأكثر.
وبدأ هذا المزارع يائسًا بشأن أي خطوة حكومية يمكن أن تساهم في تعويض خسائره ومساعدته على الاستمرار في زراعة الأرض، خاصة أنه مر بتجربة سابقة مريرة فيما يتعلق بالدعم الحكومي.
وجاءت موجة الحر لتفاقم من مشاكل المزارعين فقد توقف أكثر من 80% من العاملين في القطاع الزراعي عن العمل خلال سنوات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الوحيد جراء قصف وتجريف مزارعهم من جانب الاحتلال ومنع تصدير منتجاتهم للضفة الغربية والخارج.
ويقول نسمان: "في الحرب الماضية ضمنت فاكهتي التين والعنب في كرمين بشمال بيت لاهيا، وجاءت الحرب ولم نتمكن من جني المحاصيل سوى في ساعات محدودة من أيام التهدئة، وهو ما كبدنا خسائر كبيرة". وتبلغ قيمة الخسائر بحسبه نحو تسعة آلاف دولار أمريكي مسجلة رسميًا لدى وزارة الزراعة وينتظر حتى هذا اليوم أمرًا بصرفها له.
ويعمل في القطاع الزراعي وفق وزارة الزراعة الفلسطينية حوالي 11% من القوى العاملة في قطاع غزة، أي ما يقارب نحو 44 ألف عامل.
وعلى مدار عشرة أيام حرص المزارع محمد صالح على سقي محصول البندورة مرة عند الصباح ومرة بعد العصر ضمن إجراءات يتخذها لتفادي تأثير موجة الحر على المحاصيل التي يزرعها على مساحة تتجاوز الدونمين.
وعن ذلك يقول صالح لمجلة "آفاق البيئة والتنمية": "لولا هذه الإجراءات لأتت موجة الحر على كامل المحصول.. الحمد لله أن الخسائر لم تكن كبيرة لكنها موجعة بكل تأكيد".
لكن المزارع حسن أعرم بدت تقاسيم وجهه تشي بشيء من الغضب خلال حديث المجلة معه، إذ أن موجة الحر أدت –وفق إفادته- إلى هلاك نحو 30% من محصول العنب في أرضه الزراعية التي اعتاد على الاعتناء بها وتهذيبها قبل حلول موسم العنب بمساعدة نجليه الشابين.
ويشكو مما يعتبره تجاهلا رسميًا لخسائرهم التي لحقت بمحاصيلهم جراء موجة الحر التي تضرب البلاد. وقال إن كثيراً من المسؤولين يأتون إلينا ويقيمون الخسائر ويعدوننا بالتعويض، لكن يمر أسبوع وشهر وشهور ولا نجد شيئا من تلك الوعود.
وقَدر الخسائر التي تكبدها، بـنحو ألف دولار ويعتبر هذا الرقم كبيرًا جدا بالنظر إلى امكاناته المتواضعة، مشيرا إلى انه قام بقطف العنب في بعض الأيام الحارة قبل نضجها خشية من تلفها من جراء موجة الحر الشديدة.
وفي المقابل انعكست تأثير موجة الحر على ارتفاع أسعار الفواكه والخضروات في الأسواق المحلية، إذ يشير أبو أحمد الكومي البائع في سوق معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، إلى ارتفاع اسعار الخضراوات بنسبة 100% خلال أيام موجة الحر المرتفعة، فمثلا 6 كيلو جرامات بندورة ومثلها خيار كانت تباع بـ10 شواكل، أصبحت تباع بـ3 كيلو جرامات لكل صنف بـ10 شواكل.
ولا يعتقد أن التجار في حالة استغلال كما يروج بعض المتسوقين، مشيرا إلى المعادلة الاقتصادية القائمة في السوق "هناك قلة عرض مقابل زيادة في الطلب"، حيث أتلفت درجات الحرارة كثيراً من المحاصيل الزراعية من ذوات الأشتال الصغيرة التي لا تحتمل درجة حرارة تتجاوز الـ35، وفق إفادته.
تلف وجفاف المحاصيل الزراعية في قطاع غزة بسبب موجات الحر المتطرفة
انقلاب في الحرارة
من جانبه، قال المختص في الشأن البيئي م.ماجد حمادة إن ارتفاع درجات الحرارة هي ظاهرة عالمية وليست محلية، مشيرا إلى أن درجة الحرارة ارتفعت منذ عشرة أعوام من درجة الى درجة ونصف الدرجة، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على ذوبان الجليد في المناطق المرتفعة ما سيؤدى إلى تآكل الشواطئ جراء زحف المياه.
يشار إلى أن الاحتلال الاسرائيلي اصدر دراسة مؤخرا بيّن فيها إنه في حال استمرت الحالة الجوية تراوح مكانها، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي الى تآكل الشواطئ من رأس الناقورة شمالا الى رفح جنوباً.
وبين م. حمادة أن الانقلاب الحاصل في درجات الحرارة سيكون له تأثير سلبي على التنوع البيولوجي للكائنات الحية، حيث "ستختفى بعض الكائنات من القطاع وستحل اخرى غريبة عن البيئة الفلسطينية".
ولفت الانتباه الى ان موسم العنب لهذا العام لحق به الضرر جراء نضوجه في وقت مبكر على خلاف الاعوام السابقة، الامر الذي انعكس سلبا على المزارعين بالدرجة الاولى، مشيرا الى ان كافة المواسم لشتى أنواع الثمار ستزحف نحو الصيف، مما سيؤدى الى انقلاب في المواسم الزراعية.
وفي معرض رده على سؤال حول الآفات والامراض التي قد تلحق بالمزروعات جراء ارتفاع درجات الحرارة قال: "ان معظم المحاصيل الزراعية وفي ظل ارتفاع كبير في درجة الحرارة تنمو فيها الآفات والحشرات، مما يؤثر على الغطاء النباتي اضافة الى انتشار القوارض والزواحف في المنطقة، (...) كما انها تؤثر على خزان المياه الجوفي..".
وأضاف: "لدينا نقص كبير في الخزان الجوفي وستزيد موجة الحر من السحب الجائر للمياه من اجل عملية الري، ليتم تعويض التربة مما تفقده من محتوى الرطوبة واذا ما بقى فقدان هذا المحتوى، فإن التربة ستزداد ملوحة وتصبح غير صالحة للزراعة لأن الاملاح ستفكك تماسكها".
ونبه إلى أن موجة الحر ستؤدي إلى إحداث عملية التصحر "لأن ما نتعرض له هو مناخ صحراوي لما تفقده التربة من محتوى الرطوبة، إذ أن عملية البخر ستزيد من تفكك التربة"، محذرا في الوقت ذاته من أنه في حال عدم الاسراع في استخدام مياه عذبة للتربة، فإنها ستصاب بالتصحر.
وتابع المختص في الشأن البيئي أن المناطق ذات الملوحة العالية في حال تبخر المياه، فإن الاملاح ستتراكم في التربة وستصبح غير صالحة للزراعة.
واختتم حديثه قائلا أن الامر لا يقتصر على الزراعة والحيوانات والتربة فحسب، بل كان هناك نصيب للإنسان لاسيما من يعانون من ضيق في التنفس والربو وما شابه، اضافة الى الفطريات والحبوب.
نفوق الحيوانات في غزة بسبب التطرف الحراري
إجراءات السلامة
من جانبه، قال م.طاهر أبو حمد مدير دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، إن درجات الحرارة لها تأثير كبير على قطاع الثروة الحيوانية خاصة قطاع الدواجن وهو من أهم القطاعات التي تغطي احتياجات القطاع من اللحوم البيضاء، حيث يضم القطاع 1500 مزرعة تنتج نحو 2 مليون ومائتي ألف دجاجة شهريا. ويعمل في هذا القطاع 5 آلاف مزارع.
وأشار أبو حمد إلى أن الخسائر في الأعوام السابقة كانت تصل الى 25% نفوق، في حين انخفضت هذا العام الى 5%، وذلك نتيجة لإجراءات السلامة والوقاية التي اعتمدتها وزارة الزراعة منذ أن أُعلن عن اقتراب موجه حر الى المناطق الفلسطينية.
وتابع أبو حمد: "إن وزارة الزراعة استفادت من الأزمات السابقة في السنوات الماضية في ارتفاع درجات حرارة مما أكسبها خبرة في التعامل مع مثل هذه الأزمات وتلاشي الخسائر في الأزمة الحالية والتقليل من نسبة النفوق واتخاذ الاجراءات اللازمة في الوقت المناسب، وذلك قبل تفاقم الأزمة والدخول لمرحلة ارتفاع الحرارة بشكل فعلي".
ونوه أبو حمد إلى أنه قبل بدء الأزمة قامت الوزارة بإرسال رسائل عاجلة على الجوال لتحذير المزارعين من ارتفاع درجات الحرارة وأثرها على قطاع الدواجن، وقامت لأول مرة بإرسال 2000 رسالة عاجلة لتحذير المزارعين وفيها أهم الاجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة درجات الحرارة وتقليل نسبة النفوق داخل المزرعة.
ولفت النظر إلى أنه من أهم هذه الارشادات: رش المياه فوق سقف المزرعة وحولها، وريّ الأرضيات داخل المزرعة، والطلب من المزارعين تحضير فيتامين سي ووضعه في مياه الشرب، لأنه يعمل على تخفيف أثر الإجهاد الحراري على الطيور، وتحضير ألواح ثلجية ووضعها داخل براميل المياه، وتحضير المولدات الكهربائية وتقليل عدد الطيور داخل المزرعة الواحدة وغيرها من الارشادات وإجراءات الوقاية والسلامة.
ونوّه الى أن الضفة الغربية والدول المجاورة تكبدت خسائر كبيرة بحسب المعطيات والارقام التي تناقلتها وسائل الاعلام.
وتابع أن موجه الحرارة اثّرت سلبا على نسبة الحليب حيث تنخفض من 20-25%، مما يكبد المزارعين خسائر دون تحقيق أية أرباح، كما تؤثر درجة الحرارة على مستوى التسمين للحيوانات.
نفوق الحيوانات في غزة بسبب موجات الحر
إرشادات هامة
1- التقليل من أعداد الطيور المرباة مقارنة بباقي فصول السنة بنسبة 20-25% ودهان السقف باللون الابيض لعكس أشعة الشمس التي تسقط عليه، كذلك دهان خزانات المياه باللون الأبيض أو تغطيتها بالخيش المبلول وترطيبه باستمرار.
2- تقليل سماكة الفرشة بحيث لا تزيد عن 5 سم.
3- تقديم العلف في ساعات الصباح الباكر، ورفع المعالف من أمام الطيور عند بدء ارتفاع درجة الحرارة مع إعادتها عند انكسار موجة الحر.
4- زيادة عدد السقَّايات، مع رفع مستوى الماء فيها لتمكين الطائر من ترطيب جسمه خصوصاً العرف والدلايات.
5- تشغيل المراوح إن وجدت، وحتى بعد انحسار موجة الحر في ساعات المساء لكي يتمكن الطائر من التخلص من الحرارة المختـزنة في جسمه.
6- تشغيل الرشَّاشات لنثر المياه فوق الطيور بصورة متقطعة (دقيقة كل 10 دقائق)، وفي مزارع الدجاج البيَّاض نظرا لارتفاع الأقفاص عن الأرضية، يستحسن تركيب رشَّاشات فوق السقف لتبريده على أن يتم تسريب الماء النازل منها على ستائر الخيش الجانبية لترطيبها ووضع قطع ثلجية في براميل مياه الشرب.
7- إضافة فيتامين C لماء الشرب بمعدل 1 غم/ لتر، ويفضل بيوم واحد قبل موجة الحر.