ترجع فكرة التأسيس لنظرية العقد البيئي Environmental Contract Theoryباعتبارها نظرية جديدة من أجل حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة Sustainable Developmentإلى الشروط البيئية الواردة في طائفة واسعة من العقود، واستنادا كذلك على الحق الممنوح للأفراد والأشخاص المعنوية؛ لإنشاء ما يرونه من عقود بمناسبة تصرفاتهم وأعمالهم القانونية المختلفة.
وتعتبر عقود الاستثمار من أهم العقود التي عادة ما تخصص بنوداً متعلقة بالجوانب البيئية
[1]؛ إلى جانب بنودها الاقتصادية المتعلقة بالجوانب الجبائية والربحية للمشروع؛ ولكن في الغالب ما تأتي تلك البنود البيئية الواردة في عقود الاستثمار في شكل بنود هامشية؛ بالمقارنة مع البنود الاقتصادية للمشروع الاستثماري.
ونظرا لحالة الانحطاط والتدهور التي آلت إليها أوضاع البيئة في عالم اليوم، يتطلب الأمر من الأطراف المتفاوضة في جميع العقود خاصة الاقتصادية منها؛ ضرورة الارتقاء بالبنود البيئية الواردة فيها؛ وذلك بصبها في شكل عقد بيئي قائم بذاته يحفظ الحقوق، ويوفر حماية قانونية للبيئة في إطار التنمية المستدامة.
لذلك تأتي أفكار هذا المقال في سياق محاولة التأسيس للعقد البيئي كعقد جديد قائم بذاته من حيث مفهومه، وأطرافه، وأهدافه، وكذلك المسؤولية الناتجة عن انتهاكه.
أولا / مفهوم العقد البيئي
يقوم التأسيس لنظرية العقد البيئي Environmental Contract Theory لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة؛ على أساس المفاوضات التي تجمع بين الفواعل المدافعة عن البيئة من جهة، والفواعل الملوثة من جهة أخرى، وذلك من أجل الوصول إلى إبرام اتفاق ملزم لجميع الأطراف؛ يهدف إلى حماية البيئة، ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة .
فالعقد البيئي Environmental Contractمحل التأسيس؛ يتضح من خلال مفهومه بأنه عقد يتضمن في صلبه إما القيام بعمل إيجابي من أجل حماية البيئة؛ أو الامتناع عن عمل يهددها. وهو بذلك أي العقد البيئي ملزم لجميع أطرافه؛ حيث ترجع أساس إلزاميته إلى الأدوات القانونية الدولية والوطنية الخاصة بحماية البيئة، والمتمثلة أساسا في الاتفاقيات العالمية والإقليمية الخاصة بالبيئة، وكذلك قوانين البيئة الوطنية.
ثانيا / أطراف العقد البيئي
تعتبر الفواعل المدافعة عن البيئة والفواعل الملوثة لها كما سبق بيانه؛ هي الأطراف المشاركة في مختلف مراحل إبرام العقد البيئي والتوقيع عليه، ومن ثم الالتزام بتنفيذ ما جاء فيه من شروط وأحكام؛ وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين
Pacta sunt servanda[2]، ويعتبر المجتمع المدني
Civil Society هو الشاهد على إبرام هذا العقد، والضامن لعدم انتهاكه.
ونظرا لخصوصية العقد البيئي من حيث موضوعه (البيئة)، ومراحل إبرامه (الإجراءات)؛ والرقابة على تنفيذه (الأطراف المتعاقدة والمجتمع المدني)؛ يقتضي الأمر إذن من الفواعل المدافعة عن البيئة ضرورة الإحاطة بمختلف الأدوات البيئية على غرار الاتفاقيات، والإعلانات، والقوانين الخاصة بحماية البيئة.
ثالثا/ أهداف العقد البيئي
يهدف العقد البيئي في أسمى أهدافه إلى حماية البيئة باعتبارها شرط أساسي من شروط تحقيق التنمية المستدامة؛ فهذا الهدف المنشود من إبرام العقد البيئي؛ يتضمن في حد ذاته عدة مراحل ومستويات للوصول إلى تحقيقه. وتبدأ هذه المراحل انطلاقا من إبرام العقد البيئي على المستوى الوطني للدول National Environmental Contract؛ ثم الانتقال إلى إبرام العقد البيئي الإقليمي Regional Environmental Contract بين مجموعة الدول التي تتقاسم نفس التاريخ أو الجغرافيا أو المصالح الاقتصادية، وصولا إلى إبرام العقد البيئي العالمي Global Environmental Contract الذي تبرمه أمم العالم فيما بينها.
وبما أن مفهوم التنمية المستدامة يشيـر في أبسط معانيه إلى أنـه "لا تنمية بدون بيئة سليمة "، فهذا المفهوم الحديث أي التنمية المستدامة؛ الذي كرسته العديد من الأدبيات البيئية على المستويين العالمي والوطني في العقود الأخيرة، يتضمن بين جوانبه تحديدا للمسؤوليات Responsibilies؛ بالنسبة للفواعل الاقتصادية الحكومية وغير الحكومية في مجال حماية البيئة أو تهديدها.
رابعا/ المسؤولية الناشئة عن انتهاك العقد البيئي
لذلك، فعند وقوع أي انتهاك Violation من هذه الفواعل Actors لبند من بنود العقد البيئي أومجانبتها لهدف من أهدافه؛ تقوم مباشرة مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، ويتأسس في دعوى انتهاك العقد البيئي الطرف الذي أمضى على العقد البيئي، ووقع الانتهاك في مواجهته، ويساعده الشاهد على إبرام هذا العقد ممثلا في المجتمع المدني Civil Societyفي مهمة إقامة هذه المسؤولية بنوعيها، ومتابعة منتهكي العقد البيئي أمام الهيئات المعنية، وأمام الرأي العام العالمي والوطني؛ وذلك من خلال تكثيف أعمال التوعية، وكذلك تنشيط حملات التعبئة، مع حسن توظيف واستغلال للوسائط الإعلامية التقليدية والإلكترونية.
وفي الأخير نصل إلى القول بأن نظرية العقد البيئي في مجال حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة؛ هي نظرية في طور التأسيس ولدت من رحم الشروط البيئية Environmental Conditionsالتي ترد في بعض أنواع العقود، وما يساعد على الولادة الطبيعية لهذه النظرية؛ هو ذلك الحق الذي تمنحه معظم التشريعات المدنية المقارنة للشخص الطبيعي والأشخاص المعنوية؛ لإنشاء ما يرونه من عقود إعمالا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين السابق ذكرها.
لذلك تحتاج نظرية العقد البيئي إلى مزيد من الإثراء الفقهي والتشريعي من طرف فقهاء القانون ومشرعيه؛ حتى تجد لنفسها مكانا، وتطبيقا عمليا في واقع الممارسة القانونية الوطنية والدولية من طرف الأجهزة القضائية ومحاكم التحكيم المختلفة.
[1] تمنح العديد من التشريعات والقوانين المقارنة امتيازات إضافية للمشاريع الاستثمارية التي تراعي البيئة، فعلى سبيل المثال لا الحصر منح المشرع الجزائري مزايا خاصة للاستثمارات التي تحمي البيئة بمناسبة تنفيذ مشروعها الاقتصادي، وفي هذا الشأن تنص المادة 10 من الأمر رقم 01-03 المؤرخ في 20 أوت سنة 2001 والمتضمن قانون الاستثمار على مايلي:" تستفيد من مزايا خاصة :
1-الاستثمارات التي تنجز في المناطق التي تتطلب تنميتها مساهمة خاصة من الدولة،
2- الاستثمارات ذات الأهمية الخاصة بالنسبة للاقتصاد الوطني، لاسيما عندما تستعمل تكنولوجيات خاصة من شأنها أن تحافظ على البيئة، وتحمي الموارد الطبيعية، وتدخر الطاقة وتفضي إلى تنمية مستديمة..."
[2] ورد النص على هذا المبدأ في المادة 106 من القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم؛ الصادر بموجب الأمر 75-58 المؤرخ رقم في 26 سبتمبر 1975: " العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه، ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون".