في قتل الكلاب والقطط: "رفع الأذى عن كل كائن حي ذي كبد رطبة"
تعتبر ظاهرة القطط المشردة والكلاب الضالة من الظواهر التي تعاني منها غالبية المجتمعات النامية بما فيها الدول العربية الإسلامية، مع العلم أن هذه الحيوانات وخاصة القطط ورد العديد من الأحاديث النبوية بخصوصها، والتي توصي بالاعتناء بها، فقد اعتبرها عليه أفضل الصلاة والسلام من متاع المنزل وأسماها "الطوافين والطوافات"، تشبيها بالخدم الذين يقومون بخدمة المخدوم فهي مع الناس في منازلهم وعند أوانيهم وأمتعتهم لا يمكن أن يتحرزوا منها، كما أن أكلها من الطعام أو شربها من الماء لا ينجس.
انظروا للعناية التي تولى بها هذه القطط والحيوانات الضالة، الموت بأبشع الطرق عن طريق الإبادة الجماعية بوضع مادة سامة في أكل يعطى لها في الأماكن التي تتواجد فيها بكثرة مثل: سوق الأسماك أو المجازر (الملاحم) أو الحدائق العمومية......
والإسلام جاء واضحا في مسألة القتل. فهو غير جائز في جميع المذاهب الفقهية. أما اختلاف العلماء يكمن في قتل الحيوانات بدافع الرحمة بين عدم جوازها عند الشافعية بالنسبة للتي لا يؤكل لحمها ولو لإراحتها عند تضررها من الحياة؛ وجوازها لدى المالكية بالانتفاع منها مثل الحمار أو البغل الذي لا نفع منه وذلك بذبحه... وغالبية آراء الفقهاء، ترى أن ترسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان؛ أما التي يُئس منها بسبب مرض فلا بأس بقتلها وتوزيعها بشرط الإحسان في القتل، وتجنب أي لون من ألوان التعذيب. السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا ما نطبقه في مجتمعاتنا؟
ما يشهده واقعنا الحالي نوعٌ من الإهمال واللامبالاة بذريعة الاهتمام بالتنمية ومحاربة الفقر والبطالة والهشاشة حسب البرامج المستساغة على هذا النحو. متناسين أنها تشكل جزءا من هذا المجتمع، وعنصرا من عناصر النظام البيئي، والذي تتفاعل فيه مع باقة العناصر الأخرى؛ محدثة التوازن الايكولوجي وفق نظام متناهي الدقة لا يمكن تجاوزه دون التسبب في اختلالات خطيرة.
اختلال التوازن
إن قتل الحيوانات بدون دراسة للموقف، وبعناية، قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان وممتلكاته، والمطلع على التاريخ البشري يجد دلائل عدة. كلنا يعلم كيف ظهر الطاعون الأسود؛ الذي حصد نحو ربع إلى ثلث سكان اوروبا عام 1346، بسبب إبادة السكان للقطط، التي كانوا يعتقدون في أنها لم تذكر أبدا في الإنجيل، وأنها رمز للشيطان، والشر والسحر...فقد كانت فرنسا عند إعدام مجرمة ما تحرق معها 14 قطة، نتيجة لذلك اختل التوازن الطبيعي فتزايد عدد الفئران زيادة رهيبة حاملة البراغيث التي تنقل هذا المرض الفتاك إلى البشرية.
وأيضا في سنة 1886 صدر قانون عن الحكومة الأمريكية يقضي بقتل الطيور الجارحة التي تفتك بصغار دجاج الفلاحين، وخلال عام ونصف قضي على 125 ألف طير جارح؛ فزاد عدد الفئران التي تعد طعاما لهذه الطيور وألحقت بالمحاصيل الزراعية ضررا يفوق ما لحق بصغار الدجاج....ويوجد العديد من تلك الأمثلة، التي عرفتها البشرية نتيجة عدم الوعي بالأبعاد الخطيرة عند التدخل في النظام البيئي وعناصره.
رأي الاسلام
وسأستحضر في هذا الإطار، الحديث النبوي، الذي يوضح كيف يحث الإسلام على واجب المحافظة على كل الأجناس الحية للمخلوقات من الانقراض. يقول عليه الصلاة والسلام: { لولا أن الكلاب من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا الأسود البهيم} أي شرارها والتي تعض الناس...فهذا الحديث النبوي يشير إلى حقيقة كونية، وهي أن الكائنات الحية الأخرى لها كينونتها الاجتماعية الخاصة، التي تميزها عن غيرها، وتربط بعضها بالبعض. وما دامت هي أمة فلا ينبغي أن تستأصل؛ لأن هذا ينافي حكمة الله سبحانه في خلقها. فهذه الحقيقة التي جاء بها الإسلام منذ ما يزيد عن 1400 سنة أي منذ القرن السابع الميلادي؛ وقد استطاع العلم الحديث خاصة من نواحي العلوم البيئية والتكنولوجية إثباتها. وأحدث النظريات العلمية ما قال به جيمس لفلوك سنة 1979: أن الأرض هي نظام متفاعل داخليا ككائن حي لها طاقة حاملة تحدث توازناً تلقائياً في الكون.
عموما يعتبر كل نوع أو صنف من الحيوانات جزءا من الذخيرة الوراثية، وانقراض أي من الكائنات الحيوانية يعني انقراض جزء من هذه الذخيرة، وسأشير في هذا الإطار إلى الكيفية التي اعتنى الإسلام فيها بهذه الكائنات العجماء "لأنها لا يمكنها أن تطلب أكلا وتنادي على سقيا".
أما بتخصيص "الحمى" لها أي المحميات، فقد وضع الرسول عليه السلام قواعد الحمى والتي هي عبارة عن أرض الموات التي يمنع تملكها. فقد كانت مكة المكرمة أول محمية طبيعية ونموذج في العناية بالبيئة الحيوانية.
فماذا عنا نحن؟ ماذا قدمنا لهذه الحيوانات خاصة الضالة منها والتي لم يعد لها نفع؟