كلمة وفاء للزميل المربي الموسوعي علي خليل حمد "أبي هادي"
الأستاذ المربي والكاتب الموسوعي علي خليل حمد
يا أبا هادي، لقد كان المصاب في فَقْدِك كبيراً ... ولكنْ، عزاؤنا فيك ما تركتَه من ذكرِ حسنٍ، وسُمعةٍ طيبة وتراث أدبي وفكري وعلمي واسع.
محطات كثيرة كانت في حياة أبي هادي (علي خليل حمد)... فهو في دراسته، منذ المرحلة الثانوية في خمسينيات القرن الماضي، كان متفوقاً بامتياز، وقد حصل لاحقا على درجة البكالوريوس في الرياضيات بامتياز أيضا من جامعة القاهرة عام 1963. وعلم الرياضيات للمرحلة الثانوية في مدارس نابلس، ثم مشرف تربوي للرياضيات في محافظة نابلس إلى حين التقاعد. وشارك في التأليف بمركز المناهج الفلسطينية، كما اهتم بالتراث الأدبي البيئي للكتاب والمفكرين العرب والفلسطينيين، حيث دأب في السنوات الأخيرة (منذ عام 2008) على نشر اجتهاده في هذا المجال بمجلة آفاق البيئة والتنمية (في زاوية تراثيات بيئية).
وله مؤلفات في الشعر والأدب، والترجمة، فضلا عن مؤلفات في موضوعات مختلفة منها اللغة والعلوم والبيئة (أبرزها مساهمته مع كاتب هذه السطور وآخرين في تأليف أول دليل مرجعي علمي شامل على مستوى الوطن العربي في التربية البيئية).
كان يحب القراءة، فهو قارئ نَهِمٌ، له شَغَفٌ بالكتب، ويتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والعبرية.
كان له حضوره الاجتماعي والثقافي والفكري المميز. وكان محط أنظار الأصدقاء والأقارب وأهل فلسطين الذين طالما توافدوا إليه، وتبادلوا معه الحديث في قضايا البلد، والسياسة وهموم الوطن؛ فأصبح من الأركان الثقافية والأدبية والفكرية والعلمية والاجتماعية والأهلية المحترمة في فلسطين.
لقد أغنى أبو هادي التراث الأدبي والفكري والعلمي العربي، وجعل تراثه الفكري وتجربته الحياتية الغنية مدرسة لا بد من الاستنارة منها.
وطيلة حياته، لم يطلب أبو هادي الشهرة ولا المال، ولم يلهث، كما فعل الكثيرون، وراء الاستعراض الإعلامي والتلفزيوني، كما لم يركض خلف المؤسسات الفلسطينية والعربية المتخمة فسادا ونفاقا، ولم يتعَيَّش على فتات الموائد الخليجية والأميركية؛ بل كان متواضعاً يعمل وينشط بهدوء وصمت، بعيدا عن العصبية والتزمت، وكان منفتحا ذهنيا وثقافيا واجتماعيا على الجميع، مرتكزا إلى قناعات ومبادئ وطنية راسخة، ومعتمدا على وعي معرفي واسع بقضايا شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.
وقد تحلى أبو هادي بذاكرة تاريخية نفاذة عميقة وقوية قل نظيرها، فكان ينهل منها، عن ظهر قلب، أدق معطيات وتفاصيل تاريخنا وتراثنا الوطني القديم والحديث، في فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي.
ولدى زياراته المتكررة لي في مكتبي بمركز العمل التنموي في رام الله، كنا نتبادل الحديث في قضايا ثقافية وفكرية وبيئية واجتماعية وسياسية وتاريخية.
كان كريمَ الصفات، ومضربَ المثل في نُبْلِ الشمائل، وتحلى بالبعد عن الغُلُو؛ فلزَم الاعتدال.
فنم قرير العين يا أبا هادي، فأنت بالقلب والعقل حاضرٌ، وقائمٌ وملازمٌ...
جورج كرزم
21 آب 2015