خاص بآفاق البيئة والتنمية
تمكن الباحث الفلسطيني من قطاع غزة الدكتور احمد هشام حلس من ابتكار طريقة لمعالجة الناتج من النفايات الصلبة البلدية، باستخدام عمليات الأكسدة المتقدمة المستندة على مركب البيرسلفات، حيث تعد الدراسة وبحسب الخبراء والعلماء في ذات التخصص هي الاولى من نوعها في هذا المجال عالمياً، ضمن طرق معالجة العصارة السامة الناتجة من مكبات النفايات الصلبة البلدية والتي تمثل سموما حقيقية وخطرة تجاه العناصر البيئية المختلفة, وخصوصا في قطاع غزة المحاصر والذي تتعرض موارده الطبيعية الشحيحة اصلاً لتلوث كبير جدا واستنزاف مفرط ومستمر.
وحصل الباحث على الدكتوراه عن أطروحته المقدمة بدرجة امتياز من جامعة الإسكندرية، وهو يعمل مديرا للتوعية البيئية في سلطة جودة البيئة الفلسطينية وله العديد من الابحاث العلمية المتخصصة والتقارير والمشاريع في مجال المياه والبيئة, وله مشاركات واسعة في مجال الاستشارات والدراسات البيئية والمائية مع العديد من المؤسسات المحلية والدولية.
ونتج عن الدراسة أكثر من خمسة أبحاث علمية تم انجازها وقد ارسلت الى مجلات عالمية ذات تصنيفات متقدمة في مجال المياه والبيئة ليتم نشرها.
مع ازدياد عدد السكان وتطور مستوى الحياة الآدمية خلال العقود القليلة المنصرمة, ارتفعت معدلات إنتاج النفايات الصلبة بكل أنواعها, وأصبحت تمثل مشكلة بيئية معقدة وكبيرة. إن التخلص من النفايات الصلبة البلدية عبر الطمر الصحي أو حتى الغير صحي ضمن مكبات مركزية يعتبر الخيار الأوحد لدى العديد من بلدان العالم وخصوصا الفقيرة منها. يعتبر الراشح (العصارة) الناتج من مكبات النفايات الصلبة بكل أنواعها هاجسا بيئيا حقيقيا يحتاج إلى اهتمام بالغ وحلول جذرية, لما له من خطر كبير تجاه البيئة المحيطة بالمكب بكل تفاصيلها ومكوناتها من مياه جوفية وسطحية وتربة ومكونات حية وغيرها.
يحتوي راشح النفايات الصلبة على خليط معقد من المواد السامة وملوثات خطرة والتي تنتج عن تحلل تلك النفايات عبر فترات زمنية مختلفة من عمر المكب, وفي ظروف كيميائية وحيوية أيضا مختلفة.
تعد المواد العضوية والأمونيا من أهم تلك الملوثات بالإضافة إلى العناصر الثقيلة وغيرها من المواد الكيميائية السامة. إن التفكير الجدي والعميق في تطوير الطرق المثلى لمعالجة هذا الراشح السام وتخليصه من اهم الملوثات التي يشتمل عليها، يمثل التحدي الأبرز لدى العديد من العلماء والمؤسسات البيئية على مستوى العالم، وذلك بهدف حماية البيئة بكل عناصرها المختلفة والصحة العامة من المخاطر التي يتضمنها.
الهدف من الدراسة
هدفت الدراسة إلى تقييم معالجة الراشح الثابت الناتج من النفايات الصلبة البلدية باستخدام عمليات الأكسدة المتقدمة المستندة على مركب البيرسلفات، وكذلك تقييم فاعلية وكفاءة عمليات معالجة الراشح الثابت الناتج من النفايات الصلبة البلدية، عبر إزالة المحتوى العضوي والامونيا باستخدام مركب البيرسلفات لوحده ومركب البيرسلفات مع مركب البيروكسيد ضمن ظروف مخبرية مختلفة. تحديد مدى وطبيعة تأثير عمليتا المعالجة (البيرسلفات والبيرسلفات/بيروكسايد) على قابلية التحلل الحيوي (Biodegradability) للمواد العضوية والمكون العضوي (COD fractions) للراشح الثابت الناتج عن النفايات الصلبة. تقييم ونمذجة كفاءة عمليات معالجة الراشح الثابت الناتج من النفايات الصلبة والمستخدمة خلال الدراسة باستخدام برنامج RSM وذلك بهدف تحديد أفضل ظروف مخبرية يمكن اعتمادها للوصول إلى أفضل معالجة ممكنة. تحديد معايير لتصميم نموذجي لمحطة معالجة للراشح الناتج من النفايات الصلبة باستخدام أفضل طريقة بأفضل ظروف للوصول إلى أفضل معالجة ممكنة بالمقارنة مع المعايير المحلية والدولية.
منهج الدراسة
واعتمدت الدراسة المنهج التجريبي حيث تم جمع عينات الراشح التي أجريت عليها الدراسة طوال فترة البحث من أحواض التجميع المصاحبة لمكب النفايات الصلبة التابع لمدينة دير البلح في المحافظة الوسطى في قطاع غزة. تم إجراء جميع التجارب الكيميائية والتحاليل المخبرية وعمليات الأكسدة، ضمن مختبر الصحة العامة المركزي التابع لوزارة الصحة الفلسطينية والكائن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة
وتم جمع عينات راشح النفايات الصلبة ضمن الدراسة الحالية يدويا ولمرة واحدة في بداية كل أسبوع ولمدة أربعة أشهر (فبراير 2014 وحتى حزيران 2014). كانت تخزن العينات في عبوات خاصة سعة 2 لتر وترحل وبشكل وفوري إلى المختبر لحفظها على درجة حرارة C° 4.
التحاليل والتجارب المخبرية:
أجريت جميع الفحوصات بحساب المتوسط لثلاث اعادات لنفس التحليل لضمان الدقة والجودة للنتائج، كما أن جميع التجارب والتحاليل الكيميائية والحيوية اجريت ضمن معايير دولية ومراجع موثوقة عالمية ومراجع معتمدة. كما تم التثبت من جميع المواد الكيميائية المستخدمة والأجهزة التي شاركت في الدراسة.
نتائج الدراسة:
· أظهرت النتائج ارتفاع معدل إزالة المواد العضوية والامونيا كلما زادت جرعات البيروسلفيت, وكانت أفضل كفاءة إزالة للمواد العضوية وللامونيا بنسبة 45% و 47% على التوالي في حال ضبط ظروف الأكسدة كالتالي:
o جرعة = COD/S2O82−g4.2/g1
o معدل الحموضة pH (7).
o مدة الأكسدة 60 دقيقة.
A. الأكسدة المتقدمة بعد تطبيق برنامج RSM واستخدام (S2O82−):
· باستخدام برنامج RSM, أجريت عملية تحسين للنتائج وتطبيق توصيات البرنامج بمعايير جديدة ومختلفة, وأظهرت النتائج اختلافا طفيفا على النتائج, حيث أزيلت 46% من المواد العضوية و 48% من الامونيا, بعد تثبيت المعايير كالتالي: 4.2g S2O82−/1g COD, pH 7 و مدة التفاعل 60 دقيقة.
1. المعالجة باستخدام مركب البيروسلفيت مع الهيدروجين بيروكسايد (H2O2 / S2O82−):
A. الأكسدة الكلاسيكية (التقليدية) باستخدام (H2O2 / S2O82−):
· تم استخدام مركب الهيدروجين بيرو كسيد (H2O2) ليضاف إلى العينات بعد إضافة مركب البيروسلفيت, وذلك بهدف تحسين عملية الأكسدة والمعالجة من خلال زيادة تحرير جذر السلفايت (sulfate radical) المؤكسد القوي والمسئول عن عملية أكسدة المادة العضوية ومعظم الملوثات الأخرى.
· باستخدام عينات من الراشح بحجم 50 مللتر لكل عبوة, والتي تحتوي على مواد عضوية COD = 20,000 مليجرام/لتر تقريبا, تم استخدام الأكسدة التقليدية المباشرة, باستخدام خليط البيروسلفيت مع البيروكسيد, وللوصول إلى أفضل ظروف تفاعل تبعا لتحليل المحتوى العضوي (COD) وتركيز الامونيا في الراشح الناتج من المعالجة, تم تثبيت كمية البيروسلفيت تبعا لنتائج المرحة السابقة من الدراسة (4.2 جرام), ومن ثم جرى تنفيذ العديد من التجارب بتغيير متدرج لكل من:
o جرعة مركب البيروكسيد المضاف للعينة نسبة إلى مركب البيروسلفيت المضاف سلفا للعينة تبعا للمحتوى العضوي كنسبة مول لمول (جرام إلى جرام) وذلك لغاية عشر نسب متتالية كالتالي: 1/0.3, 1/0.6, 1/0.89, 1/1.17, 1/1.23, 1/1.47, 1/1.76, 1/2.06, 1/2.34, وأخيرا 1/2.64. تم تحديد أفضل نسبة للمركبين من خلال الوصول إلى أفضل إزالة للمواد العضوية الامونيا مع تثبيت الحموضة ومدة التفاعل على 8.5 و60 دقيقة على التوالي.
o بعد تحديد أفضل نسبة للمركبين جرى تطبيق تلك النسبة باستخدام جرعات مختلفة ومتعددة بنظام التدرج التصاعدي كالتالي:g H2O2 g/ S2O82−= (2.52/3.7, 3.36/4.93, 4.2/6.17,....10.08/14.8)
o مدة التفاعل (من 10 إلى 240 دقيقة).
o معدل الحموضة pH (من 2 إلى 11).
· أظهرت النتائج ارتفاعا ملحوظا في معدل إزالة المواد العضوية والامونيا كلما زادت جرعات البيروسلفيت مع البيروكسيد, وكانت أفضل كفاءة إزالة للمواد العضوية وللامونيا بنسبة 81% و 83% على التوالي في حال ضبط ظروف الأكسدة كالتالي:
o كمية البيروسلفيت للبيروكسيد تساوي 5.88g/H2O2 8.63g S2O82−, أي أن النسبة تساوي 1g/1.47g.
o معدل الحموضة pH (11).
o مدة الأكسدة 120 دقيقة.
B. الأكسدة المتقدمة بعد تطبيق برنامج RSM واستخدام (H2O2 / S2O82−):
· باستخدام برنامج RSM, أجريت عملية تحسين للنتائج وتطبيق توصيات البرنامج بمعايير جديدة ومختلفة, وأظهرت النتائج اختلافا على النتائج, حيث إزالة ل 82.1% من المواد العضوية و85.4% من الامونيا. وذلك بعد إضافة 4.96 جرام من البيروسلفيت و 7.29 جرام من البيروكسيد, وتثبيت الحموضة pH على 11, وفترة التفاعل 116 دقيقة تقريبا.
2. تأثير عمليات الأكسدة على التحلل الحيوية (Biodegradability) والذوبانية للمحتوى العضوي (ٍSolubility) في العصارة:
· خلال الدراسة الحالية, جرى قياس تأثير معالجة الراشح باستخدام البيروسلفيت على حدة البيروسلفيت مصحوب بالبيروكسيد, وتأثير كل تلك الطرق على معدل التحلل الحيوي للمواد العضوية (Biodegradability) في الراشح والتأثير على معدل الذوبانية (Solubility) للمحتوى العضوي بهدف دراسة مدى تحسين تلك المواد المؤكسدة لجودة الراشح الناتج عن عمليات المعالجة وإمكانات تمريره على مزيد من مراحل المعالجة الحيوية.
· كانت النتائج في هذا الخصوص كالتالي:
o تعرف القابلية للتحلل العضوي بالمعادلة التالية: BOD5/COD, وكانت نتائج الدراسة هي تحسن تلك النسبة بشكل واضح من 0.089 إلى 0.1 باستخدام البيروسلفيت لوحده, وازدادت تلك النسبة لتصل إلى 0.17 باستخدام البيروسلفيت مصحوبا بالبيروكسيد.
o المواد العضوية القابلة للتحلل الحيوي (Biodegradable COD fractions) ارتفعت نسبتها من 36% إلى 57% ثم إلى 64% باستخدام البيروسلفيت والبيروسلفيت مع البيروكسيد على التوالي.
o ارتفعت نسبة المواد العضوية المذابة (Soluble COD) من 70% إلى 78% بعد استخدام البيروسلفيت والى 90% بعد استخدام البيروسلفيت مصحوب بالبيروكسيد.
o تركيز المواد العضوية المذابة والقابلة للتحلل الحيوي (Biodegradable soluble COD) ارتفع من 52% إلى 72% بعد استخدام البيروسلفيت لوحده ولمدة 60 دقيقة من التفاعل, وارتفعت تلك النسبة إلى 75% باستخدام البيروسلفيت مصحوبا بالبيروكسيد ولمدة 120 دقيقة من التفاعل.
o أظهرت الدراسة الحالية انخفاضا ملحوظا في تركيز المواد العضوية الغير قابلة للتحلل الحيوي, حيث انخفض تركيز تلك المواد من 49% إلى 28% باستخدام البيروسلفيت ثم إلى 25% بعد استخدام البيروسلفيت مع البيروكسيد.
o وبالتالي فإن مزيداً من المعالجة الحيوية يمكن تطبيقها وبكل فاعلية على الراشح بعد تطبيق الأكسدة التي خلصت إليها الدراسة الحالية، لإنتاج راشح معالج بمعايير أكثر مطابقة للمعايير الدولية والمحلية.
3. مقترح لمحطة معالجة:
· بالاعتماد على النتائج العملية والتي خلصت إليها الدراسة الحالية, جرى بناء تصور شامل لمحطة معالجة للراشح الناتج عن مكب النفايات الصلبة بالبلدية باستخدام البيروسلفيت مصحوبا بالبيروكسيد, ويتضمن التصور جميع المعايير المثالية المطلوبة لإعطاء أفضل النتائج, بالإضافة إلى مخطط تفصيلي للمحطة يوضح الوحدات المطلوبة والأجزاء المطلوبة.
· اقترحت كمية واحد كوب من الراشح لتسهيل الحسابات, وباستخدام المعايير الموصى بها في الدراسة فإن الراشح الذي يحتوي على 20,000 مليجرام/لتر من المواد العضوية (COD) سيتم معالجته ليهبط ذلك التركيز إلى 1171 مليجرام/لتر بعد 14 يوم من التهوية والأكسدة, وبنسبة إزالة للمواد العضوية تصل إلى 94.3%, وإزالة للامونيا تصل إلى 85.4%.
التوصيات
وأوصت الدراسة بإجراء معالجة حيوية للراشح الناتج عن المعالجة باستخدام البيروسلفيت والبيروسلفيت مع البيروكسيد لزيادة كفاءة إزالة المواد العضوية والامونيا وغيرها من المواد القابلة للإزالة.
اقترحت الدراسة إجراء مزيد من الأبحاث ذات العلاقة، باستخدام البيروسلفيت مع البيروكسيد على أنواع أخرى من العصارة بتراكيز وخواص أخرى لزيادة الفهم حول ميكانيكية التحلل للملوثات وخصوصا العضوية منها.
كما اقترحت الدراسة تطبيق النتائج على مستوى اكبر وشامل عبر تنفيذ محطة المعالجة بشكل ميداني وعملي للتثبت من المعايير والظروف المقترحة وإجراء تحسينات قد يكون من الضروري إجراءها.
كما أوصت الدراسة بعمل مزيد من الأبحاث والدراسات ذات العلاقة بفاعلية المعالجة باستخدام البيروسلفيت مع البيروكسيد، وفي وجود تقنيات معالجة أخرى كيميائية أو فيزيائية أو حيوية.