خاص بآفاق البيئة والتنمية
يقوم مفهوم الشراكة المجتمعية على قواعد الفهم المشترك بين كافة المؤسسات بما يؤدي إلى إحداث تأثير إيجابي يعمل على تحقيق النتائج المرجوة، وقد برز مفهوم الشراكة المجتمعية كأحد المؤشرات الهامة لتحقيق التنمية المستدامة، حيث يعتمد هذا المفهوم على التفاعل بين ثلاثة مكونات أساسية هي: الحكومة، القطاع الخاص والمجتمع المدني، حيث تقوم الدولة ممثلة بالحكومة بتهيئة البيئة السياسية والقانونية التي تساعد على عمل كافة الأطراف الأخرى بما يضمن تحقيق الشراكة .
ويتم تهيئة المجتمع المدني للتفاعل السياسي والاجتماعي، وأيضًا تهيئة المناخ الملائم للمشاركة في الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتقديم النصائح والاستشارات للأطراف الأخرى. في حين يعمل القطاع الخاص إلى جانب القطاع الحكومي على تحريك العملية التنموية وخلق فرص عمل جديدة ورفع مستوى الدخـل لأفراد المجتمع.
وتتضمن الشراكة الاجتماعية عدة أبعاد منها البعد الاقتصادي، القانوني، الإنساني، الأخلاقي، والبيئي، وتركز بصفة أساسية على البعد الاجتماعي، مكافحة الفساد، التنمية البشرية، التشغيل والمحافظة على البيئة.
التكامل مطلوب
إن تبني فكرة ثقافة الشراكة المجتمعية تهدف إلى تحقيق التكامل من أجل النهوض بالمجتمع بأسره، ولا تهدف إلى تحقيق أغراض ومطامع شخصية بل يجب أن تمتد لتكون الشركات بمثابة شريك رئيسي وفاعِل في المجتمع، وتصبح مخرجاتها واقعًا ملموسًا يترجم عبر برامج وأنشطة مؤثرة تحقق جميع مطالب المجتمع وتشبع من طموحاته ورغباته.
ويجب الاهتمام بعمل الدراسات والأبحاث اللازمة حتى يتسنى لنا تحديد احتياجات المجتمع والعمل على تلبيتها، وهذا يتطلب بدوره إقامة العديد من المشروعات الجديدة التي من شأنها سد احتياجات المجتمع والنهوض به وتحقيق الهدف المنشود من الشراكة المجتمعية، ويجب أن يلعب الإعلام دوراً إيجابياً في التكامل والتناغم بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ودمج جميع فئات المجتمع من أجل إحداث شراكة مجتمعية حقيقية من خلال وضع استراتيجية عمل وطنية تقوم على التكامل بين الدولة والقطـاع الخاص ومؤسسـات المجتمع المدني، لدعم جهود الرعاية والتنمية الاجتماعية بما يحقق تنسيق وتكامل الأدوار والخطط، من خلال إشراك جميع فئات المجتمع.
ومن الضروري أن تكون العلاقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص علاقة شراكة تكاملية تبادلية ذات طابع تنموي وتتميز بطبيعة متغيرة، بحيث يسد كل منهما أية فجوات قد تحدث نتيجة لظروف خارجة أو طارئة تجعل أحد الأطراف يعجز عن أداء دوره تجاه أيٍ من الالتزامات، كما تنطوي هذه العلاقة على مجالات متنوعة منها التنظيمية والتشريعية والمؤسسية والإدارية والإجرائية والتنفيذية والرقابية والاتصالية والتمويلية والائتمانية والاستثمارية للموارد الاقتصادية بأنواعها المختلفة.
لقد حظيَت الشراكة المجتمعية بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير في مختلف دول العالم بعد أن اتضح بأن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على جمع وحشد كافة إمكانيات المجتمع، لذلك تسعى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إلى استحداث تشريعات ونظم لتبنَي التنظيمات، التي تسهم فيها كافة قطاعات المجتمع في تخطيط وتنظيم وتوجيه إدارة وتشغيل المشروعات وتنظيمات الأعمال المختلفة، والعمل على تطويرها وتنميتها.
الدولة والشراكة المجتمعية
ومن أجل نجاح الشراكة المجتمعية بين القطاعات الثلاثة يجب على الدولة أن تكون المظلة الحاضنة لنجاح هذه الشراكة وذلك من خلال تبني النقاط الآتية :
- بذل المزيد من الجهد من أجل خلق المزيد من فرص العمل، وتحسين ظروف العمل والاهتمام بالتعليم والتدريب الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاج ورفع جودته.
- تحفيز القطاع الخاص من خلال تذليل العقبات أمام المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية مشجعة، وضوح وشفافية الأنظمة القانونية وتحسين البنية التحتية وتقديم المعلومات والنصائح والدراسات والدعم الفني لهم، من خلال مراكز البحوث والتطوير ونقل التكنولوجيا.
- التنسيق والتكامل في الأدوار بين أطراف الشراكة مع مراعاة استقلالية وخصوصية كل طرف في إدارة نشاطه حتى يتسنى مواجهة تحديات المنافسة المحلية والعالمية.
- الإسهام في التخفيف من ظواهر الفقر والبطالة، من خلال تمويل المشروعات التنموية الصغيرة المدرة للدخل، لضمان استمرار الرعاية والخدمات الاجتماعية لهم والنهوض بمستواهم المعيشي.
- تشجيع إنشاء الصناديق الخاصة لتمويل المشروعات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية لخدمة المجتمع.
- تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال الإفصاح والإعلان بشفافية عن سياسات الحكومة المختلفة، وتوفير المعلومات وإتاحتها، وتحسين نظم الحوكمة في الهيئات والإدارات الحكومية المختلفة.
الشراكة والتنمية المستدامة
وتمثل الشراكة المجتمعية المنطلق الاستراتيجي لأنشطة العديد من المنظمات في المجتمعات المتطورة التي تُعنى بخدمة المجتمع، ومن أجل نجاح المشاركة المجتمعية في تحقيق هدفها الرئيسي وهو تحقيق التنمية المستدامة تبنت غالبية الدول العربية فكرة وضع "إستراتيجية التنمية المستدامة" التي تمثل الركيزة الأساسية في مسيرة التنمية الشاملة في هذه الدول، وقد تبنّت الاستراتيجية مفهوم التنمية المستدامة كإطار عام يُقصد به تحسين جودة الحياة في الوقت الحاضر، بما لا يخلُّ بحقوق الأجيال القادمة في حياة أفضل، ومن ثمَ يرتكز مفهوم التنمية الذي تتبنّاه الاستراتيجية على ثلاثة أبعاد رئيسية تشمل: البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيئي.
ولاشك أن استراتيجية التنمية المستدامة في الدول العربية يجب أن ترتكز على الالتزام ببناء مجتمع عادل ومتكامل يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بمساندة شرائح المجتمع المهمشة وتحقيق الحماية للفئات الأولى بالرعاية، وتحقيق العدالة الاجتماعية في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ومن هنا يمكننا القول بأن الشراكة المجتمعية هي قاطرة التنمية من أجل العبور لمجتمع جديد تتكامل فيه أدوار جميع عناصره، بما يحقق رغبات وطموحات جميع فئاته لتحقيق الرفاهية المنشودة.