خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم يسعيا للمال او الشهرة، فصورهما في متناول الجميع على الفيسبوك، هواية عشقاها وأحباها، أحمد عايش من قرية بيت عور الفوقا أحب تفاصيل القرية "وطنه الصغير" من عوالم صغيرة كالفراش والحشرات والزواحف والطيور فقضى الساعات وهو يلاحقها، وكذلك ابتسام سليمان من مدينة رام الله أحبت الوطن مدناً وقرىً، ساحلاً وجبلاً، سهلاً ونهراً، وادياً وتراثاً وتاريخاً، فخصصت من وقتها الكثير لتوثيق كل زاوية ومعلم شاهدته بعدستها التي تفيض بساطةً وحباً.
مصوران هاويان، ساهما دون أن يدركا في ايصال رسائل عن فلسطين الجميلة (طبيعة وبيئة وتراث) رغم قسوة الواقع والحياة، إلا ان صورهما تدعونا للتأمل، وتجعلنا للحظات نعيش حلم الوطن الحرّ.
|
|
أحمد عايش يمارس موهبة التصوير طيلة الوقت وفي كل زمان ومكان |
الموقع السري الذي يصور منه أحمد عايش الطيور |
عايش والجمال الكامن في التفاصيل الصغيرة
أحمد عايش، شاب في الـ28 من عمره، يعمل بوظيفة بسيطة في وزارة التربية والتعليم نظراً لعدم تمكنه من اكمال تعليمه الجامعي، لكنه في ذات الوقت عشق التصوير دون أن يدري، وذلك منذ اشترى هاتفاً محمولاً بكاميراً فكان بها -رغم بساطتها- يلتقط تفاصيل التنوع الحيوي في قريته، حتى اهدته شقيقته هالة التي لا ينسى معروفها، كاميرا احترافية "نيكون"بعدسة تقريب فبدأت مغامرته الحقيقية مع التصوير وأصبح اسمه يبرز في عالم صور الطبيعة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي.
|
|
التأمل بانسجام مع الطبيعة من خلال التصوير- أحمد عايش |
تصوير أحمد عايش |
التصوير في الطبيعة
علاقة عايش مع الطبيعة بدأت حين كان صغيراً، فهو فلاح ورث حب الارض من أجداده، وكان يقضي ساعات طويلة في البرية، يشعر فيها بسكينة وهدوء وفرصة للتأمل، وعند حصوله على الكاميرا التي حلُم بها، خصص ما لا يقل عن ثلاث ساعات يومياً في أوقات الفجر قبل الذهاب الى العمل وعند العصر بعد انتهاء الدوام، وذلك لتتبع حركة المخلوقات البرية، حاملاً معه حقيبة التصوير ومطرة ماء للشرب. ونتيجة تعليمه الذاتي لنفسه على الكاميرا، واجه صعوبات لكنه أصر على التعلم لوحده مع بعض الاستفسارات من مصورين محترفين او متابعة برامج تعليمية على المواقع الإلكترونية، حتى أدرك أهداف ازرار الكاميرا العديدة وفهمها كلياً من حيث الاعدادات وسرعة الاغلاق وحجم العدسة وزاوية الالتقاط.
وجد عايش نفسه يتفوق في كادر الصورة الطبيعية "المايكرو" بالرغم من انه لا يمتلك تلك العدسات الثمينة شديدة الاحترافية، ما جعل الكثيرين يشيدون بموهبته لأنها صعدت رغم قلة الامكانيات.
|
|
حلزونات نادرة ومميزة- تصوير أحمد عايش |
هذا المشهد الرائع من تصوير أحمد عايش |
الكمين...والتخفي للتجلّي
أصبحت صور أحمد عايش بمثابة ماركة مسجلة، متميزة ولا تشبه غيرها من الصور، ونالت صوره تقدير الكثير من المصورين العرب والأجانب، والذين تفاجأوا من ان هذه الصور تصور بعدسة بسيطة، فكيف يصور الطيور والتي لا يمكن الاقتراب منها بهذا الوضوح؟.
الاجابة على هذا الاستفسار، عبارة عن فكرة متميزة نفذها عايش، حيث بنى بيتاً من خشب سمّاه "كميناً" وسط حقل في القرية تتردد عليه الطيور، غلّفه بأوراق شجر وبعض الأغصان فادمجه مع الطبيعة، ووضع امامه حوضاً صغيرا ملأه بالماء ليجذب الطيور على الاقتراب منه للشرب، ومن ثم كان يقضي الساعات غير آبهٍ بالوقت بل الأهم تلك اللحظة التي يلتقط فيها جمال طائر الشمس هذا، او البلبل ذاك، والمسافة بينه وبين الطير لا تتعدى متراً ونصف.
لتوزيع الاضاءة يستخدم عايش علبة رقائق بطاطس فارغة "برنجلز" لتجميع الضوء الى العدسة، حيث ان بعض الطيور تقف في الظل ويصعب استحضار ضوء طبيعي لها، فابتكر تلك الطريقة.
|
|
بيت عور - تصوير أحمد عايش |
يستخدم أحد عايش علبة رقائق البطاطا الفارغة لتجميع الضوء إلى عدسته بهدف التقاط صور للطيور المتواجدة في الظل |
طيور مقيمة ومهاجرة
من الطيور التي صورها عايش: طائر النقارش الأصفر ابو الحناء (او الروبين)، طائر السمنية، طائر البلبل، الدبساء، الدوري، اليمامة النخيل، الشحرور، المينا الهندية، الصقر، اليمامة الضاحكة والعندليب.
"حاولت خلال ممارستي لهواية التصوير أن التقط صورا لطيور مقيمة ومهاجرة في الخريف والربيع وزائرة في الصيف والشتاء" يقول عايش الذي تضبط عدسته الطير بجودة عالية جداً.
|
|
صورة الفراشة النادرة التي فازت بجائزة اتحاد المصورين العرب- تصوير أحمد عايش |
يوثق أحمد عايش أنواعا نادرة من الفراش في فلسطين |
ملك الفراشات
أما الفراشات فيصورها عايش في منطقة محدودة المساحة قرب البيت (3 دونمات)، حيث قام بالتقاط صور لما يزيد عن 40 نوعا من الفراشات يذكر منها: ذيل السنونو، الفراشة الزرقاء، البيضاء المرقطة، الباشا الكبيرة، وقد ساعده استاذ الجغرافيا في القدس داوود الهالي على تدعيم صوره بالمعلومات العلمية فيستفيد الزوار ويزيدون معرفتهم بتراثهم.
"بت من خلال التقاط صور الفراش على علم بسلوكها، حيث ميزت بين حركات كل نوع، وكيف تتنقل بين الأزهار، حيث لقبت على المواقع العربية بملك الفراشات".
نال عايش، شهادة تقدير من اتحاد المصورين العرب بفوزه في المركز الثاني من اصل 662 صورة عربية شاركت في مسابقة التصوير ( الماكرو)، بالإضافة للفراش والطيور، تمكنت عدسة عايش من التقاط صور نالت إعجابا واسعا للأزهار والحشرات وبعض الزواحف كالسحالي والحراب والسلاحف.
تفوز صور عايش يوميا بالمراكز الأولى على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، نذكر منها: صور النحلات في طابور، صورة انثى وذكر فراشة ذنب السنونو، وصورة شقيقة النعمان تحت المطر.
أمنية
حلم احمد القريب ان تدعمه أي مؤسسة وتنشر صوره في معرض متنقل يجوب البلدان المختلفة، حيث تعتبر صوره مرجعاً مهماً لكائنات فلسطين الصغيرة من فراش وحشرات وطيور.
"توجهت الى العديد من المؤسسات الثقافية، ولكن لم يدعمني أحد، ينتابني اليأس احياناً والإحباط بسبب عدم تحقيق حلمي بمعرض لكن وحدها الكاميرا تنسيني همومي". ختم عايش صاحب الموهبة الواعدة، شاكراً زميلته براء الشرقاوي على دعمها الدائم له.
ابتسام سليمان عاشقة الفولكلور الفلسطيني
المصورة عاشقة التراث والطبيعة الام والمربية "ابتسام سليمان"
من يتأمل صور ابتسام الأم والمعلمة الأربعينية، يجد التنوع والغنى في الصور من حيث المعاني والدلالات ذات الابعاد التاريخية والطبيعية والتراثية والاجتماعية، التي تغطي مناطق جغرافية عديدة.
أحبت ابتسام التصوير منذ كانت طالبة في المدرسة حيث كانت تستمتع حين تقوم بتصوير الصديقات بالدراسة او الاماكن التي تزورها وعندما انتهت من التعليم الجامعي، وبدأت تعلّم مادتي العلوم والاجتماعيات في احدى المدارس الخاصة في رام الله، وجهت طلبتها لتصوير ما تقوم به المدرسة من أنشطة، وأيضاً خلال مسيرتها بالتعليم بدأت ابتسام بالتدوين عن المناطق التي تزورها، وأيقنت انها بحاجة لكاميرا لنقل صورة اوضح عن جمال تلك المناطق، فاشترت واحدة احترافية، ومن هنا بدأت الحكاية.
مسنة فلسطينية تحتفظ بمفتاح منزلها الذي اقتلعت منه بالقوة ولا يزال حلم العودة ماثلا بشكل صارخ في حياتها-تصوير ابتسام سليمان
فلسطين ...القارة الصغيرة
وعن علاقتها بالطبيعة وسر هذا التعلق، تقول: " كنت اصحو بلهفة مبكراً لأذهب مع أبي الى أرضنا وكانت زياراتنا لها قليلة وتتركز فقط خلال موسم جد الزيتون، نظراً لعمل والدي المكتبي كموظف في البلدية...، لكن هذه الزيارات البسيطة أثارت في داخلي نزعة التعرف على النباتات البرية التي كنا نجمعها من التلال القريبة مثل: الزعتر والميرمية وعصا الراعي والبقلة...وغيرها".
وتعمقت تلك العلاقة من خلال تجوالها المتواصل، حيث انسجمت مع الأرض وبكل ما فيها من تنوع حيوي بيئي وجمالي، فهذه الأرض التي لا تزيد مساحتها عن 27 ألف كم مربع، لكنها وكما أسماها الألمان بالقارة الصغيرة، تراها ابتسام، من أجمل بقاع العالم، ففيها الجبل والوادي والبحر والنهر والبادية عدا عن موقعها الاستراتيجي.
تثابر ابتسام سليمان على توثيق تراث الأجداد والبيئة الطبيعية الجميلة في فلسطين
الفردوس المفقود
تلقى ابتسام التشجيع من الكثيرين، رغم ان البعض يتفاجأ دائماً من قدرتها على التصوير والتعليم والقيام بواجباتها المنزلية في آن واحد، كونها تنشر صوراً يومية جديدة ومن اماكن مختلفة عبر صفحتها "فلسطين بعيون فلسطينية" جاذبةً العديد من الزوار من الوطن والعالم العربي والمغتربين في أرجاء المعمورة، وكما يظهر من خلال تصفح الصفحة، فالكثير من الزوار يشاطرون صور ابتسام مع اصدقائهم وعلى صفحاتهم الخاصة كالفيسبوك وتويتر، كما ان بعض هواة الشعر والكتابة والفنانين يستلهمون ابداعهم الادبي والفني من صورها التي تعبر عن الوطن "الفردوس المفقود".
تعكف ابتسام سليمان على توثيق المواقع التاريخية والتراثية في فلسطين
البركان المعماري
تركز ابتسام في صورها على جانبي التاريخ والتراث، حيث عبّرت عن ذلك بقولها "تتمتع فلسطين بجمال وقدسية تميزها عن بلاد العالم اجمع، ومن تشرّب حب الوطن من الرضعة الاولى لا يستطيع إلا ان ينحاز لوطنه، وخاصة في ظل ما يقوم به الاحتلال من طمس لمعالمها وسرقة تراثها". مؤكدة أن تركيزها على التراث جاء كردة فعل للبركان العمراني الذي يبتلع مدننا ويغير معالم قرانا، ليحلّ مكان البيوت والاحواش القديمة، التي هي ثمرة تعب الاجداد وهي تاريخ وهوية لشعبنا. مضيفةً أنها تهتم أيضاً بتزويد المغتربين المحرومين من زيارة وطنهم، بالصور المنوعة في محاولة لتغذية هذا الارتباط الفطري بأرضهم.
تشعر المصورة ابتسام المتحمسة لكل تفصيلة في وطنها بالغبطة حين ترى بعض البيوت قد رممت واستخدمت كمراكز ثقافية لشباب البلد او حتى بشكل شخصي، مشددة ان تلك الممارسات هي التي تعيدنا الى الدرب السليم في توثيق تاريخنا الذي ينتهك يومياً بفعل الاحتلال.
بحيرة طبريا - تصوير ابتسام سليمان
الكاميرا رفيقتي
"الكاميرا رفيقتي الدائمة، وفي كل مكان التقط بواسطتها كل ما يجذبني وحتى لو كنت بمركبة متحركة" تعبّر ابتسام التي تندهش في كل مرة تكتشف فيها ان هنالك الكثير-الكثير مما كانت تجهله عن طبيعة بلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر: شقائق النعمان اعتقدت أنها تقتصر على اللون الاحمر فقط، فاكتشفت أنها في جنين وغيرها من المناطق، بألوان الابيض والزهري والليلكي. وأيضاَ عيون الماء النضاحة، فقد اعتقدت أيضاً أن عيناً واحدة توجد فقط في قرية كفر عين قضاء رام الله، لكنها اكتشفت أن فيها 13 عين ماءٍ.
"استمتع واقضي وقتي في تصوير الزهور لاني اعشقها بشدة، سواء منها البرية او تلك الدخيلة، لأن فيها كل الجمال والسحر الخاص بالطبيعة". تقول ابتسام التي تهوى أيضاً القراءة والتطريز وفن السيراميك.
شاركت ابتسام في العديد من المعارض المحلية في رام الله وبيرزيت وعكا، ولكن دائماً لم يكن هدفها أن تُعرف أو تشترى لوحاتها، بل تكلفت هي دائماً بثمن طباعة الصور، وذلك لنقل جمال وطنها الرائع والذي يحتاج الى سواعد أبنائه ليبقى ويستعيد ما سلب منه.
أجمل ما سمعت ابتسام من العبارات حول صورها: "انت العين التي تنقل جمال الوطن".
انتقادات ورسالة أخيرة
من المواقف التي تؤلم ابتسام جدا وتعكس غياب الوعي البيئي لدى الكثيرين، رؤية مياه الصرف الصحي تجري في العديد من الاودية في بلادنا، وكذلك طمم البناء الذي تقوم الشاحنات بإلقائه على حواف الطرق وعلى الأراضي الزراعية في الاودية، وكذلك القاء عجلات السيارات عند الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في المنطقة الصناعية في رام الله.
وتنتقد المصورة أيضاً ثقافة خاطئة يمارسها الكثيرون، تتمثل في ايذاء الطبيعة وحب تملك معالمها الصغيرة كالأزهار والعصافير الجميلة دون هدف، ولا تنسى خلال تجوالها بمنطقة وادي القلط، أريحا، التي تعد من المناطق الغنية والجميلة تحديداً في فصل الربيع، حيث مشاهد حقول الازهار البرية وصوت المياه المتدفقة في مجاري المياه، ونبات الغاب (البوص) الذي يصل ارتفاعه في بعض الاحيان الى 4 امتار، فتشعر وكأنك في غابات الامازون. في هذا المكان الساحر تذكر ابتسام انها شاهدت زهرة جميلة جدا وغريبة فاقتربت لتأملها ومن ثم تصويرها، وإذا بشاب يركض ويقطفها ويلقيها على الأرض لمجرد العبث بها، تقول: "اغضبني جداً وأحزنني تصرفه غير المسؤول، والذي يعكس فهماً خاطئاً للطبيعة".
رسالة أخيرة
"اقول لمن يلوث البيئة ويحرقها ويسيء لها من أبناء جلدتنا، إن الأرض هي أمنا ومن يعق والدته فهو ليس منا، ويكفينا ما يفعله الاحتلال بأرضنا وبمياهنا وودياننا". تختم ابتسام التي وجدت نفسها في التصوير (الممتع هوايةً والمؤثر رسالةً).
*لزيارة صفحة أحمد عايش على الفيسبوك، يرجى النقر على الرابط التالي:
**لزيارة صفحة ابتسام سليمان على الفيسبوك، يرجى النقر على الرابط التالي: