عبد الباسط خلف:
تبدو السعادة على وجه رئيسة جمعية طوباس مها دراغمة، وهي تُلخص حكاية ترميم المبنى القديم لعائلة الصوافطة، في قلب طوباس القديمة، والمعروف بـ"عَقد الصوافطة"، وتشرح التطورات الحاصلة عليه، فمن مكان مهجور ومهمل، إلى فضاءً يستعد لاستقبال أنشطة ثقافية وتراثية والتعريف بمنتوجات تصنعها نساء طوباس.
تروي: "كنا نبحث عن مقر لمركز التدريب المهني، التابع للجمعية، والتقينا عام 2006 بمجموعة من أهالي المدينة، واقترح علينا فايز أبو ناصريا أن ننقذ العَقد التاريخي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1880 من السقوط. كانت الفكرة أول الأمر، ليست سهلة، فالمكان مملوك لعائلات وورثة كثر وليس من السهل جمعهم، وقد تحول منذ سنوات طويلة لما يشبه حاوية كبيرة للنفايات."
إصرار
تقول دراغمة: "بدأنا نفتش عن الورثة، ونقلنا لهم الاقتراح، واستمعنا لإشارات متناقضة بين موافقة وتأييد، ولم نرفع الراية البيضاء، حتى نجحنا عام 2014 في الحصول على موافقة من مالكي العقد، واتصلنا بمؤسسة رواق، التي تحمست للموضوع، وبدأنا بمسحه وجمع تواقيع الورثة، وإقناعهم بتقديمه للجمعية لصالح المنفعة العامة، ولخمسين سنة، فقبلوا شريطة أن نحافظ على اسمه دون تغيير."
واللافت فيما ترويه رئيسة جمعية طوباس الخيرية، أن العقد الذي تقدر مساحاته بـ 160 مترًا مربعًا، استخدم في السابق ديوانًا للعائلة، ومسجدًا، وكُتابًا لتعليم أطفال طوباس قبل سنوات طويلة القراءة والكتابة، لكنه مع نكسة عام 1967 تعرض هو الآخر لانتكاسه، فصار مكباً للنفايات وحرقها، ومكرهة صحية، ووكراً لتجمع الحيوانات الضالة والقوارض.
تضيف:" شرعنا منذ آب 2014، وحتى نيسان الماضي في أعمال الترميم، وأنجزناه في وقت قياسي، وساعدنا في ذلك الكثير من أهالي المدينة، ومنهم حسام عليان، الذي سهل لنا الكثير من المعاملات، وتكفل بنفقة مسحه، وتوفير العمل لتنظيفه. كما سُر الأهالي كثيرًا بفكرة ترميمه، وكانوا يساعدون العمال، ويتسابقون لتقديم واجب الضيافة لهم، وكرروا مراراً السؤال حول موعد افتتاحه، وما هو شكل استخدامه."
عقد الصوافطة بعد الترميم
معرض
شجع تعاون الأهالي دراغمة وطاقم الهيئة الإدارية لجمعيتها، التي تأسست قبل النكسة، وجعلهن يفكرن في تطوير استخدامات العقد التاريخي، البارد صيفًا والدافئ شتاءً بفعل سماكة جدرانه، وطبيعة الإنشاءات القديمة. فوضعن لائحة بما سيشمله استخدامه، بدءاً من قاعة لعرض التراثيات القديمة التي توشك على الانقراض، بحوار أدوات زراعية ومنزلية أفل نجمها، وفخاريات ونحاسيات، مرورًا بمنتجات السيدات التقليدية من مطرزات وفخاريات ومواد غذائية، وليس انتهاء بزاوية خاصة لمقتنيات الشهداء بالشراكة مع وزارة الإعلام، عدا عن تنفيذ أمسيات ثقافية وتراثية في الفضاء الذي يتسع لنحو 200 زائر في الآن نفسه.
توالي دراغمة: "كلف الترميم مئة ألف دولار، وساهمنا بـ 10% منها، إلا أن المجتمع المحلي ساعدنا بنصفها، وأكثر ما استمعنا إليه من تشجيع، تلقينا لطلبات ترميم من عائلات كثيرة، تمتلك أبنية تتداعى للسقوط، كانت في الماضي ترفض مجرد اقتراح أي فكرة تخص ممتلكاتها."
وما يزيد السعادة في وجه دراغمة وزميلاتها في الهيئة الإدارية: نهى أبو العيلة، وميساء أبو دواس، ونادية صوافطة، وصباح أبو دواس، ورويدة أبو سعيد، ومها زيد، ومي مبسلط، وهبة صوافطة، التي شقت طريقها عام 1966، أن الجمعية ستعرض في العقد، حديث العهد، ما تمتلكه الجمعية من رصيد لـ 16 برنامجًا، أبرزها المركز المهني للتدريب، الذي يعد "مصنع أفكار" كما تقول دراغمة، ومن خلاله يتعرف المواطنون لإبداعات النساء والفتيات في المحافظة.
عقد الصوافطة كما يظهر على شاشة الحاسوب قبل الترميم
مُبادرة
بدوره، يقول فايز صالح أبو ناصريا، وهو أول المبادرين لاقتراح فكرة الترميم: "قرأت في الماضي كتبًا تراثية، وتعلمت منها أن "من يتخلى عن تراثه سيضيع حتمًا ولو سكن في قصور". كنت دائمًا أنظر إلى عقد أجدادي، وسمعت منهم أنه كان رمزًا للوحدة في العائلة كلها، وفيه أيضًا كانوا يجلسون للسمر وإكرام الضيوف ونقاش التطورات السياسية والاجتماعية، فخطر ببالي أن نعيده إلى سابق عهده."
ذهب أبو ناصريا والحاج راتب أبو عزة ومحمد مدارسي للجمعية، وقبلوا فكرة الترميم التي عرضت عليهم من أمد. وتغير وجه العقد من مكان للنفايات والقاذورات والكلاب الضالة إلى مكان تراثي يسعد القلب.
ينهي:" نأمل أن نشاهد في المستقبل أعمال ترميم أخرى للمباني المتداعية، فمن يسقط ماضيه بين يديه أو يتحول لمكرهة صحية، عليه أن يعيد التفكير بعلاقته مع وطنه وأرضه."
aabdkh@yahoo.com