سليمان صالح جبر النور من كفر لاقف، بمحافظة قلقيلية، آثر مرافقة والده في الأرض على المدرسة، فتعلم الحراثة في سن مبكر، وأتقنها قبل أن يكمل العاشرة في أوائل الخمسينيات، وتنقل بين الحراثة على الأبقار والخيول، واستمر بالعمل حتى اليوم. وبدأ أبو النور كما يلقبه أهالي القرية بتطويع الأبقار، والسير خلف المحاريث الخشبية، وتنقل من الحراثة على بقرة وحمار، إلى الجري وراء عَمّال (زوج من البقر)، واقنع والده باستبدال البقر بالخيول، التي صار مروضًا لها.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
سليمان جبر عميد الحراثين في الضفة الغربية |
أبصر سليمان صالح جبر النور في كفر لاقف، بمحافظة قلقيلية في 22 حزيران 1943، وآثر مرافقة والده في الأرض على المدرسة، فتعلم الحراثة في سن مبكر، وأتقنها قبل أن يكمل العاشرة، وتنقل بين الحراثة على الأبقار والخيول، واستمر بالعمل حتى اليوم.
وبدأ أبو النور كما يلقبه أهالي القرية بتطويع الأبقار، والسير خلف المحاريث الخشبية، وتنقل من الحراثة على بقرة وحمار، إلى الجري وراء عَمّال (زوج من البقر)، واقنع والده باستبدال البقر بالخيول، التي صار مروضًا لها.
15 مُهرة
بحث الراوي عن فرس أصيلة، ووجدها في قرية مزارع النوباني بمحافظة رام الله والبيرة، ويومها طلب صاحبها 110 دنانير، وفاوضه لخصم دينارين ونصف، ومنذ عام 1970 احتفظ بسلالتها، فيبيع الفرس الأم ومهرة أو اثنتين، ويُبقي على واحدة، وحتى اليوم باع أكثر من 15 مهرة، ارتفع ثمن الواحدة إلى نحو 800 دينار.
انتقل أبو النور مع والده إلى الأردن وسوريا، وساعده في الحراثة والحصاد، ودخل عشق الأرض قلبه، وترك العمل أجيراً في قطاف الزيتون، وساعد والده في استصلاح الأرض وتشجيرها.
وسرد: "غيّرت خلال عملي 3 محاريث خشبية للأبقار و10 للخيول، وكنت أصنع النير والزغاليل (أدوات توضع على الأبقار خلال الحراثة)، وأحضرت مثقبًا من الكويت عام 1965، كيّ أتوقف عن الذهاب إلى النجارين والحدادين".
واللافت أن والده كان يقطع ذيل البقر لينسج منها عدة الحراثة، ويتذكر المثل الشعبي الذي ردده والده: (شباك الثور من ذيله)، كما صنع الشرعة (وصلة تستعمل في المحاريث) من جلد البقر، وبدّل الحبال في محاريث الخيول بسلاسل معدنية، واحتفظ طويلاً بالمنساس والتوانة (أدوات لتنظيف المحراث).
يواظب أبو النور على العمل في أرضه طوال الشتاء والربيع وأحيانًا الصيف، وينهي حراثة أرضه ثم ينتقل للعمل بأجر، وفي بعض السنوات يكمل 100 يوم خلف المحراث.
سليمان جبر-الثاني من اليسار-في افتتاح مهرجان التسوق الزراعي
"تصريح" للأرض!
استذكر أبو النور استئجاره لبقرة من عجوز في قريته، كان يدفع لها 90 قرشًا باليوم، وارتفعت الأجور من دينارين، إلى أربعة، إلى خمسة عشر، واليوم يتقاضى 250 شيقلاً عن كل 9 ساعات.
يُنجز جبر قرابة 3 دونمات كل يوم، وإذا كانت الأرض جيدة تتضاعف المساحة إلى خمسة دونمات، ويرى بأن الحراثة التقليدية أفضل مئة مرة من الجرارات الحديثة، فهي "أحن على الأشجار" و"تـطيّب الأرض".
وتبعًا للراوي، فقد علّم ابنه الأكبر أنور الحراثة، أما أولاده الأربعة فلا يعرفونها، ويأمل أن يتقن أحفاده المهنة للمحافظة على الأرض، وعدم إهمالها، ويتحسر اليوم حين يمر من حقول هجرها أصحابها، وتركت بوراً منذ 30 سنة.
بدأ جبر باستصلاح أرضٍ غرب وادي قانا، عام 1962، على امتداد 32 دونمًا ونصف، وغرسها مع والده بالزيتون، وكانا يشتريان الغرسة الواحدة بعشرة قروش، فيما كان الرعاة من بئر السبع يمضون وقتًا طويلاً في المنطقة، وحين جاءت المساحة الأردنية عام 1964 قُيدت أنها بـ"حدود غير نهائية"، واليوم أصبحت واقعة داخل مستوطنة "كرنيه شمرون"، وأصبح الاحتلال يتحكم بدخوله إلى أرضه، فيمنحه "إذنا" لدخولها مرة لمعالجة الأعشاب، وأخرى لقطاف الزيتون.
إرادة البقاء
واللافت، كما يروي أبو النور، أن الاحتلال يلازمه حين يدخل أرضه، فيسير دورياته، ويرافقه الجنود خلال العمل، وقبل 15 عامًا كانت تجتمع عليه ثلاث دوريات للشرطة، وجيش الاحتلال، وما يسمى "حرس الحدود".
وأفاد: "في الماضي كنت أعمل طوال 40 يومًا في قطف الزيتون، وكنت أحصل على أجر زهيد، واليوم أهتم بأرضي، وأحرثها باستمرار، وأنتج في مواسم الخير 150 تنكة. وأتحسر على الجيل الجديد، الذي نسي أرضه".
زارت جبر صحافية فرنسية، وحاورته عدة أيام، وخصصت عن كفاحه وتمسكه بالأرض ومهنته 22 صفحة في كتاب عن فلسطين، واختارت صورته لغلافه، وأرسلت له نسختين منه، وحاولت ترجمته للعربية. وسرّ بتكريم مجموعة "حكي القرايا" له خلال مهرجان الفقوس في دير بلوط. وأنهى بمثل ذائع الصيت: "ما بيحرث الأرض إلا عجولها"...