حجم النكبة الإنسانية التي خلفها العدوان الهمجي أكبر بكثير من إمكانيات وقدرات الغزيين على مواجهتها وحدهم
أطفال خانيونس العطشى يتوسلون مياه الشرب الملوثة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
حذر خبراء كثيرون من العواقب الصحية-البيئية الكارثية الناتجة عن القصف الصهيوني الوحشي للبنى التحتية المائية والكهربائية والصحية في قطاع غزة، ما أدى إلى دمارها الهائل بل انهيارها؛ وبخاصة محطة توليد الكهرباء وخطوط التغذية الكهربائية، ومصادر المياه والآبار والمشافي والمراكز الصحية. حجم النكبة الإنسانية التي خلفها العدوان والمتمثلة في انعدام الكهرباء والمياه وانتشار المياه القذرة، وبالتالي انتشار التلوث وانعدام النظافة العامة والأمراض الجلدية وبخاصة الجرب والحكة والطفح الجلدي، إضافة لأمراض الإسهال والتهاب السحايا لدى الأطفال تحديدا- إن حجم هذه النكبة أكبر بكثير من إمكانيات وقدرات الأهالي على مواجهتها وحدهم.
معظم خطوط تغذية الكهرباء في قطاع غزة دمرت بالقصف الجوي أو المدفعي البري، ما يعني أن أكثر من 90% من كهرباء قطاع غزة أصبحت مشلولة. النسبة المتبقية (أقل من 10%) لا تكفي لتلبية احتياجات نحو مليوني شخص في القطاع. وفي المحصلة، يعاني الأهالي من انقطاعات في التيار الكهربائي لفترات طويلة يوميا. المنازل المحظوظة هي تلك التي تتمتع لمدة ساعتين يوميا بالكهرباء، وذلك في بعض المناطق المحدودة جدا، بينما حرم ويحرم معظم الناس من الكهرباء لأيام طويلة. الثلاجات في معظم المنازل لا تعمل، وقد حولها الكثيرون إلى مجرد خزائن.
العدوان العسكري استهدف طواقم الصيانة التابعة لشركة الكهرباء، ما منعها من العمل على إصلاح الشبكة أثناء القصف؛ علما أن ثلاثة عمال صيانة استشهدوا أثناء محاولاتهم إجراء إصلاحات طارئة في العديد من المناطق.
كما أن غياب الحماية أثناء العدوان، جعل تحرك العمال بهدف تقييم الأضرار التي حدثت لخطوط المياه العذبة والعادمة وإصلاحها أمرا مستحيلا. وحتى هذه اللحظة،لا تزال معظم مرافق مياه الشرب والمياه العادمة معطلة؛ إذ أن أكثر من 70% من المياه الصالحة للشرب التي كانت تضخ على قطاع غزة قبل العدوان شلت تماما؛ يضاف إلى ذلك أن كميات كبيرة من مياه آبار كثيرة كان يعتمد عليها أهالي غزة للشرب، قد اختلطت مع المياه العادمة، ما يفاقم الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
المياه العادمة المتدفقة في كل مكان، وجبال النفايات المتراكمة في الشوارع تحت أشعة الشمس الحارقة أصبحت مظهرا شائعا. معظم أنظمة ضخ ومعالجة المياه العادمة لا تعمل، ما يمس أكثر من مليون غزي بشكل مباشر.
ظروف حياة الغزيين كانت بائسة أصلا قبل العدوان الأخير، إذ منذ عام 2006 يعيش الأهالي محاصرين مجوعين ليس فقط من الاحتلال الإسرائيلي، بل ومنذ أكثر من عام يساهم النظام المصري أيضا في تشديد الحصار؛ فجاءت حرب الإبادة لتجهز عما تبقى من مقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة.
المشكلة أنه في حال عودة المياه ولو لبضع ساعات قليلة أسبوعيا، فإن خزانات المياه على أسطح معظم المنازل الغزية تظل فارغة، لأن شرط امتلائها مرتبط بتشغيل مولدات ضخ المياه التي لا يمكن أن تعمل دون كهرباء، إذ أن الأخيرة أصبحت عملة نادرة جدا في مختلف أنحاء القطاع. وحيث أن المياه العادية للاستحمام غير متوفرة، فكم بالحري المياه اللازمة لغسل وتنظيف المراحيض، إذ أصبحت العملية الأخيرة معدومة في العديد من المنازل التي لا تزال قائمة ولم تدمر تدميرا جزئيا.
مئات الآلاف من أهالي قطاع غزة لا يزالوا نازحين، ناهيك عن الآلاف الآخرين المشردين أصلا منذ عدواني 2008-2009 و2012. يضاف إلى ذلك البلدات والقرى والأحياء التي دمرت كليا وسويت منازلها بالأرض، فأصبحت أثرا بعد عين، كما حال بلدتي بيت حانون وخزاعة وحي الشجاعية وأجزاء واسعة من رفح؛ ناهيك عن عشرات المنازل التي دمرت على رؤوس قاطنيها، فأبيدت عائلات بأكملها عن بكرة أبيها.
أمام هذا المشهد الدموي البشع الذي صنعه الاحتلال، لا يزال البعض يستغرب من إصرار أهلنا في غزة على الثبات والمقاومة، وتفضيلهم الموت وقوفا على الحياة خنوعا.
التدمير الإسرائيلي لمحطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة