ما تحتاجه وزارة البيئة... وما لا تحتاجه
حبيب معلوف
ليس المطلوب من وزارة البيئة أن تتحوّل إلى أكبر جمعية بيئية في لبنان، ولا أن تؤسّس جيشاً بيئياً من المتطوعين للإبلاغ عن المخالفات المعروفة والواضحة في غالبيتها. وليس مطلوباً منها منافسة جمعيات في حملات لتنظيف الشاطئ، في وقت لم تنجز بعد إستراتيجية لإدارة متكاملة للنفايات، وتوجيه البلديات والجهات المعنية إلى خارطة طريق فنية وتقنية وإدارية وقانونية لتنفيذها. كما لم يكن مطلوباً عقد مزيد من المؤتمرات الشكلية للبحث عن مموّلين وداعمين، في وقت لم تُقدَّم اقتراحات ضريبية في الموازنة لتصحيح الاتجاهات الخاطئة في التصنيع والتجارة والاستهلاك… ولتمويل المشاريع التي تحمي البيئة، من دون حاجة إلى مزيد من الديون.
التفاهم مع وزارة الداخلية (أعلن عنه في حزيران الماضي) كان ضرورياً للغاية (راجع "الأمن البيئي مهمة أولى لوزارة الداخلية) للتفاهم على تحديد المخالفات وضبطها. مع العلم أن المخالفين (إذا لم نقل المجرمين) في ملف المقالع والكسارات والمرامل، مثلاً، معروفون، وارتكاباتهم بحق الطبيعة واضحة للعيان. فقد أزال بعضهم جبالاً من مكانها وتسببوا في فوضى كبيرة في إدارة هذا القطاع من دون أن تجري مقاضاتهم، وتبيان لا قانونية التراخيص التي يحملونها، ومخالفتهم لأبسط قواعدها، ولا تمت مواجهتهم وحماية الطبيعة وأموال الخزينة باقتراح قانون ينظّم هذا القطاع، بدل مراسيم تنظيمية مطعون فيها!
وقد كان المطلوب، إضافة إلى ذلك، فتح تحقيق داخل وزارتي البيئة والداخلية حول الهدر التاريخي والإهمال المقصود الناتجين عن ظاهرة "المهل الإدارية" التنفيعية طيلة ربع قرن، وعن وضع مخططات توجيهية على قياس استثمارات ومستثمرين محددين، وإهمال قواعد التنظيم الحقيقي باستيفاء الرسوم وحصر الاستثمارات في مشاعات الدولة أو أملاك مصرف لبنان ودرس إمكانية فتح باب الاستيراد للرمل والاسمنت.
هذه المقترحات التاريخية يبدو أنها اليوم، وللمرة الأولى، باتت مسموعة في وزارة البيئة كما يرشح من التحضيرات التي يقوم بها مساعدون للوزير فادي جريصاتي. وهو استدراك جيد، وإن كان متأخراً أكثر من سنتين أي منذ تولي التيار الوطني الحر وزارة البيئة. ولكن، في انتظار خواتيم مساعي التنظيم الجديدة، يجب التنبيه إلى أن التذرّع بأن مجلس الوزراء لن يوافق، مثلاً، على استيراد التراب لا يفترض أن يحول دون درس هذا الخيار جيدا، والإجابة عن أسئلة من نوع: هل هذا القطاع استراتيجي فعلا؟ وبالنسبة لمن؟ ولمن تعود أرباحه؟ وكذلك درس المفاضلة بين عمل هذه الشركات في لبنان وبين الاستيراد.
كما ينبغي التنبيه إلى أنه سيكون من الصعب التسامح مع خطوة الاهتمام الشكلي بقضية تنظيف الشاطئ، في وقت يُهمل تقييم خطة الطوارئ الأخيرة التي كلفت البيئة الشاطئية وخزينة الدولة الكثير. وتقييم ما يحصل في مطمري برج حمود - الجديدة والكوستابرافا والمعامل المرتبطة بهما لا يكون بزيارة سريعة، والتطمين بأن النفايات لا تصل إلى المياه في كوستابرافا! وإنما في تقييم شامل لكل هذه الخطة السيئة، بخياراتها وكلفتها والتخطيط لها ودفاتر شروطها ومواصفاتها وتلزيمها ومراقبتها، وكيف تم تخطي المهل ووصلت إلى ذروة قدرتها الاستيعابية قبل الأوان... الخ.
هذه المراجعة باتت ضرورية لسببين رئيسيين سنواجههما قريبا جداً: الأول، إعلان انتهاء القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة بعد اقل من شهرين، وبقاء نحو 900 طن يومياً من النفايات في الشوارع. والثاني، الإعلان عن الخطط الجديدة (الإستراتيجية أو الطارئة) التي ستقترح حتماً توسيع المطامر وردم البحر! فكيف سيتم تبرير هذه الارتكابات الجديدة التي تم التحذير منها قبل إقرار الخطة الطارئة وقبل إقفال مطمر الناعمة؟!
أمام هذه الاستحقاقات الداهمة وغيرها الكثير، لا تحتاج وزارة البيئة إلى جيش بيئي من المتطوعين والهواة غير المحترفين وحملات فولكلورية على طريقة بعض الجمعيات... بل إلى أن تحزم أمرها بانجاز استراتيجيات طال انتظارها والتشدد في تطبيق القوانين الموجودة، وتعديل ما يحتاج منها إلى تعديل، ومعرفة الصلاحيات والتمسك بها؟