خاص بآفاق البيئة والتنمية
مَن فينا لا يعرف شجرة المر أو حتى لم يسمع عنها! وخير من يخبر عنها أهل الأرض المقدسة لا سيما في مدينتيّ القدس وبيت لحم على وجه التحديد، لارتباطها الوثيق بالديانة المسيحية. تُستخدم أجزاء هذه الشجرة في صناعة العطور والبخور، إضافة إلى استخدامها في التحنيط. وترتبط شجرة المر برموز المعاناة، فقد كانت واحدة من ثلاث هدايا قُدّمت للمسيح الطفل- عليه السلام- من قبل ثلاثة رجال حكماء أو ثلاثة مجوس أو ثلاثة ملوك كما يُطلق عليهم. ويُعد "المر" أيضاً من أقدم العلاجات المعروفة في التاريخ؛ وبالأخص في مصر العريقة، وعُرف بأهميته علاجًا لمشاكل الفم والحلق والجلد. مجددًا؛ نؤكد على أهمية البحث العميق والتعرف على هذه النباتات من أجل إثراء فكرنا ومعرفتنا بتراثنا الشعبي، وتراث الشعوب الأخرى؛ وبخاصة تلك التي كانت تعرف أرضها حق المعرفة واعتمدت على النباتات في العلاج.
|
|
شجرة المر |
مَن فينا لا يعرف شجرة المر أو حتى لم يسمع عنها! وخير من يخبر عنها أهل الأرض المقدسة لا سيما في مدينتيّ القدس وبيت لحم على وجه التحديد، لارتباطها الوثيق بالديانة المسيحية.
شجرة المر هي شجرة شوكية نفضية أي سقط ورقها وبقيت عيدانها، يصل طولها إلى خمسة أمتار، ذات فاكهة مدببة وأزهارها ملونة بالأحمر والأصفر؛ وتستخدم أجزاء هذه الشجرة في صناعة العطور والبخور، ناهيك عن استخدامها في التحنيط.
وإبّان العصور العريقة، فاقت قيمة المُر واللبان؛ قيمة الذهب من الناحية المادية وكذلك المعنوية، ما كان سبباً في التكلفة العالية لنقلهما بين الحدود السياسية لاستيرادهما.
وترتبط شجرة المر برموز المعاناة، فقد كانت واحدة من ثلاث هدايا قُدّمت للمسيح الطفل- عليه السلام- من قبل ثلاثة رجال حكماء أو ثلاثة مجوس أو ثلاثة ملوك كما يُطلق عليهم، وسنتطرق للقصة لاحقاً في هذه المقالة.
يُعد "المر" أيضاً من أقدم العلاجات المعروفة في التاريخ؛ وبالأخص في مصر العريقة، وعُرف بأهميته علاجًا لمشاكل الفم والحلق والجلد.
وينمو نبات المر في شمال شرق أفريقيا وبالتحديد الصومال تعد موطنًا له، ويتواجد أيضاً في أثيوبيا، والسعودية، والهند، وإيران، وتايلند، ويمكن رؤية هذه الشجرة في الغابات أو في الأماكن كثيفة الأشجار والشجيرات، وتفضل التربة المصفَّاة جيداً وتعشق الشمس.
وتتكاثر بنثر البذور في فصل الربيع أو بتشتيلها في نهاية موسمها، ويجدر الذكر أن هناك نوعين من المر، الأول طبي، والثاني مُعطر ويستخدم لرائحته المميزة في العديد من الطقوس الدينية.
الملوك الثلاثة ومولد المسيح
قبل أن ننتقل للحديث عن الأهمية العلاجية، من المهم أن نعرّج على الأهمية الدينية لهذه الشجرة والتعرف على سبب بلوغها هذه الحظوة وبالأخص في الديانة المسيحية.
وردت في الإنجيل قصة الملوك الثلاثة العالمين بالفلك الذين قادهم نجمٌ في السماء على مدار اثني عشر يوماً إلى مكان مولد المسيح في بيت لحم، فاتبعوه بقصد الترحيب بقدوم المسيح حتى توقف النجم فوق بيته، وعندما دخلوا البيت وجدوه مع أمه مريم، وقدموا له ثلاث هدايا: الذهب واللبان والمر.
كلٌ من هذه الهدايا يرمز إلى أمر، فالذهب يؤكد على مكانة المسيح وملكه على اليهود، واللبان دلالة على هوية المسيح وشخصه المميز في الديانة المسيحية، أما المٌر يشير إلى خلود المسيح؛ وتخليداً لهذه الذكرى يحتفل المسيحيون بما يعرف بعيد الغطاس أو يوم "الثلاثة ملوك"، ويُعد هذا اليوم استكمالاً لعيد الميلاد ويأتي في السادس من كانون ثاني/ يناير من كل عام- بحسب التقويم الغربي- من أجل تخليد ذكرى "معمودية المسيح" على يد يُوحنا المعمدان في نهر الأردن.
مكونات شجرة المر
تتكون شجرة المر من الصمغ وسكريات حامضية، والمادة الصمغية المعروفة ب الراتنج أو Resin، وهي المادة الأساسية التي تستخدم من هذه الشجرة، ويكثر استخدامها حالياً في صناعات يدوية كثيرة، وتلقى رواجاً كبيراً لدى فئة الشباب؛ وتحتوي أيضاً على زيوت متطايرة مثل هيربولين و أوجينول.
وتأخذ المستحضرات العلاجية من المر عدة أشكال، فقد تكون على شكل زيت مستخلص لمعالجة الجيوب الأنفية، أو بودرة مجففة للتخفيف من التهاب اللثة، أو غسول فم لمعالجة التهابات الحلق، أو كبسولات.
ويحذر الأطباء من عدم إمكانية استخدام هذه المستحضرات في أثناء الحمل، وعدم تناول الزيت المستخلص داخلياً، نظرًا لأنه مخصص للاستخدام الخارجي فقط.
الصمغ المستخلص من شجرة المر
استخدام "المر" تاريخياً
قبل الميلاد بآلاف السنين، اُستخدم اللبان والمُر في العديد من الطقوس الدينية، وكانت الرائحة التي تصدر من الصمغ الخاص بهما عند الاحتراق هي أكثر ما يميزهما، لذا مال الناس لاستخدامهما بخورًا.
وفي الحضارة المصرية القديمة، اُستخدم اللبان والمُر في عملية التحنيط، ما يفسر سبب اتخاذ هدية الملوك الثلاث "المُر" رمزًا لخلود المسيح.
وكان يستخدم المُر في معالجة الجروح والتهابات الجلد لأنه يُعد مضادًا للميكروبات، أما استخدامه بخورًا فكان من باب الاعتقاد الشائع في مصر القديمة وبخاصة في الكنائس المسيحية أنه يطرد الشياطين؛ وربما كان الغرض منه طرد الروائح الكريهة لبعض الناس، فيما بقيت تلك العادة حتى الآن جزءًا من العديد من الطقوس الدينية.
ولم يكن المصريون القدماء وحدهم الذين استخدموا المُر لأهدافٍ طبية، ففي طب "الأيورفيدا" الهندي استخدم للمساعدة في إنقاص الوزن وإطالة الحياة، علاوة على اعتباره منظفًا للدم، وثمة اعتقاد بأن له دور في تعزيز الذكاء، كما أنه يُعطى في حالات الدورة الشهرية غير المنتظمة أو التي يصاحبها ألم شديد.
وفي الصين استخدم لمعالجة التهابات الفم، واستخدمه الإنجليز لمعالجة داء الإسقربوط الذي انتشر بين جنود القوات البحرية حتى القرن الثامن عشر.
ويُستخدم المر واللبان حتى يومنا هذا في عمل القطرات التي تعالج السعال والتهابات الحلق، أما خارجياً، فهو علاج فعال للالتهابات الجلدية لا سيما حب الشباب، وبسبب تأثيره المخدر قليلاً يستخدم في ألمانيا علاجًا لالتهابات الضغط الناتجة عن ارتداء الأطراف الصناعية.
فوائدها العلاجية
ذكرنا سابقاً أن لشجرة المر أو المستخلص منها العديد من الخصائص العلاجية، ويمكن تلخيصها في التالي:
- مُطهرة ومُقلّصة، وكانت تستخدم علاجًا تقليديًا لمشاكل الفم والحلق مثل التهاب الحلق واللثة، وكون المر لا يقبل الذوبان بالماء، فإنه يُخلط مع زيتٍ خالص ويستخدم غسولًا للفم، وعادة ما تكون نتائجه سريعة، بالرغم من مذاقه المر.
- يكافح المُر العدوى في جميع أنحاء الجهاز الهضمي، وفي الوقت نفسه يُعزز من عملية الشفاء في الأجزاء المصابة بالتهابات معينة في الجهاز الهضمي.
- يقوم المر بدور المضاد الحيوي؛ وقد توصلت الأبحاث إلى نجاعته في علاج التهابات طفيلية معينة؛ وبشكلٍ ملحوظ يعالج التهاب الديدان المثقوبة الكبدية ومرض البلهارسيات (كلاهما أمراض تنتقل عبر الماء).
وفي دراسة سريرية وُجد أن مستخلص شجرة المر قضى على جميع آثار التهاب الديدان المثقوبة الكبدية في ستة أيام، وتتبعت الدراسة المتعافين لمدة ثلاثة أشهر بعد شفائهم لتؤكد عدم وجود أي أثر للالتهاب.
- يُدرس من قبل المختصين أثر استخدام مستخلص هذه الشجرة في علاج قرحة المعدة وأهميتها في محاربة السرطان، كما أن المادة الصمغية فيها أثبتت قدرتها على تحفيز الغدة الدرقية.
وأخيًرا؛ هناك الكثير مما لا نعرفه عن العديد من الأشجار والنباتات في بلادنا، ولدينا العديد من القصص القيمة التي تقف وراء استخدام نباتات بعينها وارتباطها ببعض الشعوب أو الثقافات.
ونجدد تأكيدنا على أهمية البحث العميق والتعرف على هذه النباتات من أجل إثراء فكرنا ومعرفتنا بتراثنا الشعبي، وتراث الشعوب الأخرى؛ وبخاصة تلك التي كانت تعرف أرضها حق المعرفة واعتمدت على النباتات في العلاج.
المراجع:
Armstrong, R. 2016. Frankincesne and Myrrh. Engines of our Ingenuity. Retrieved from https://uh.edu/engines/epi3052.htm
Chevallier, A. 2016. Encyclopedia of herbal medicine. DK publishing. New York.
Moreno, C. 2015. Three kings’ day celebration: History and traditions behind 'El Dia de Los Reyes’. Huffpost. Retrieved from https://cutt.ly/AmvA4nY
Schwarcz, J. 2018. A Myrrhy Christmas. McGill: Office for science and society. Retrieved from https://cutt.ly/JmvSini