في حوارٍ دسم.. "شابيرو" يُدلي بما يَهم صحافيّو التحقيقات الاستقصائية البيئية
خاص بآفاق البيئة والتنمية
Mark Schapiro
منذ بداية الثورة الصناعية، انتقل سكان كوكب الأرض من حياة بدائية قوامها الزراعة والتجارة إلى الصناعات الثقيلة التي مهدت لحياة رغيدة يعيشها نسبة كبيرة البشر؛ بيدَ أن تبعات التطور والتمدن ألقت بظلالها على كوكب الأرض وشركاء الجنس البشري فيه من أحياء نباتية وحيوانية.
فالمتأمل في حال كوكبنا الأزرق، يرى أن التوازن الطبيعي في العديد من المناطق آخذ في التدهور حتى بلغ مبلغًا لا يُحمد عقباه، ابتداءً من انقراض الفصائل الحية، وانتهاءً بالتغير المناخي وما يترتب عنه في ذوبان قمم الجبال ومساحات شاسعة من القطبين الشمالي والجنوبي.
ومع هذا؛ لم يتوقف بطش بني آدم عند هذا الحد، فقد خلقت الفروقات الاجتماعية والاقتصادية مسوغًا وذريعة لانتهاك الأغنياء حقوق الكثيرين ممن يرزحون تحت خط الفقر، لا سيما إن كان الاختلاف ذا ارتباط بالعرق أو الدين أو الثقافة، إلا أن الأصوات بدأت تعلو للمطالبة بالمساواة وإحقاق العدل، ما دفع بعض الأغنياء إلى التستر وإخفاء نواياهم التدميرية تحت مسميات منمقة وأهداف في ظاهرها الخير وفي باطنها العذاب.
ومن هنا؛ بات لزامًا كشف هؤلاء ممن تسوغ لهم أنفسهم إفساد الكوكب الوحيد القابل للحياة، على الأقل حاليًا، وردعهم، بالإضافة إلى الغوص في عباب تلك الانتهاكات وتوضيح الأسباب التي تقف خلف انتهاك حقوق الغير وما يترتب عليها، وهو الأمر الذي برع فيه الصحفي الاستقصائي المخضرم، مارك شابيرو.
ويُعد شابيرو واحدًا من ألمع صحافيي التحقيق الاستقصائي البيئي، إذ تتلمذ على يد ديفيد وير؛ ودان نويس، وهما اثنان من مؤسسي مركز التحقيقات الاستقصائية، لِيليهما مارك؛ ما مكنه من تحقيق أول نجاح له في هذا المجال المجهول وقتها، كاشفًا عن انتهاكات الحكومة الأميركية بحق الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية من خلال تصدير مبيدات محرمة دوليًا.
ومما يثير السخرية، أن الدول ذاتها التي استوردت الكيماويات المُحرمة تصدّر خضارًا وفواكه للولايات، الأمر الذي يفسر اختيار مارك تسمية كتابه الأول بــ "دائرة السم".
من ثم، لمع نجم مارك في مجال التحقيق الاستقصائي البيئي، ليرفع الستار عن واحدة من أهم الأزمات البيئية التي عصفت بأوروبا عامة، وإسبانيا خاصة، حيث غرقت سفينة لشحن النفط قبالة شواطئها، إذ بذل مالكو السفينة حينها المستطاع لستر أنفسهم، زاجّين بالمساكين من البحارة ليصبحوا كبش فداء لهم.
وعلى صعيد آخر، تحدث مارك في حوارٍ مُطّول؛ أجرته مجلة "آفاق البيئة والتنمية" (رابط الحوار باللغة الإنجليزية تجدونه في الأسفل) عن الصعوبات التي تواجه الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة والعالم أجمع؛ ففي حين أن الصحافة في الولايات المتحدة تتمتع بنوع من الحصانة، لا يزال من الصعب الحصول على المعلومات مالم يجد الصحفي "سبلًا فجاجًا" أخرى حتى يصل إلى مبتغاه، فيما بقية دول العالم، خاصة النامية منها، قد لا ترحب بفكرة وجود صحافة استقصائية، فيكيدوا للصحفي كيدًا، ويضعوا في طريقه العراقيل التي قد تودي بحياته.
أيضًا؛ تناول الحوار المُشوق أحدث أعمال مارك شابيرو "بذور المقاومة"، وهو كتاب يُسجل فيه وقائع وبراهين عن محاولات بعض الشركات المختصة بالمدخلات الزراعية والكيماويات التشكيك في جودة واستدامة المحاصيل الطبيعية والعضوية لاستبدالها بمحاصيل قد تتمتع بغزارة الإنتاج، إلا أنها تهدد استمرارية البذور الطبيعية الأصلية، وقد خلص مارك إلى أن للبذور العضوية قدرة على التكيف مع التغير المناخي؛ الذي جعل ولاية كاليفورنيا، إحدى السلال الغذائية في أمريكا، تعاني الجفاف والحر، ناهيك عن محاولات المزارعين لزراعة محاصيل تتمتع بالقدرة على الصمود في وجه الحر والجفاف.
اليوم، يعمل مارك محاضرًا في كلية الصحافة بجامعة كاليفورنيا – بيركلي، ملهمًا العشرات من طلاب الصحافة الشغف الذي دفعه لتتبع الأزمات البيئية والمساهمة في علاجها، كما شارك في إعطاء بعض الدورات في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في مركز الصحافة الاستقصائية "أريج".
إليكم التفاصيل؛ للتعرف عن كثب على عَالم هو بمثابة حقل ألغام اختاره "مارك" بشجاعة، فصنعَ منه نجمًا:
https://www.maan-ctr.org/magazine/article/3109/